الجمعة، 21 سبتمبر 2012

المسيحيون الأقباط

الأقباط وردة في جبين مصر
دكتور محمد أبو الغار | ٣٧٢٠١٢
هناك قطاع كبير من الشعب المصري ومن بينهم الأقباط كان عندهم هلع شديد من نجاح الإخوان في انتخابات الرئاسة، وأنا أقول للجميع مسلمين وأقباطاً إننا في مركب واحد وإذا غرقنا سنغرق معاً وإذا نجونا سننجو معاً. الأقباط هم أبناء الأرض الطيبة وملح التربة المصرية، هم أبناء الحضارة الفرعونية العظيمة التي أدى انهيارها إلى احتلال مصر بجيوش مختلفة كان أشدها بطشاً حكم الرومان، ثم جاء عمرو بن العاص بجيشه إلى مصر، وتغيرت لغة أهلها إلى العربية وتغير دين الأغلبية إلى الإسلام.
وبالتدريج أصبح الأقباط أقلية وعانوا في مراحل لاحقة من الاضطهاد العنيف في العصر العثماني وعصر المماليك، وكانت ثورة ١٩١٩ العظيمة وزعماء حزب الوفد القديم الوطنيون هم الذين أفسحوا المجال للمساواة بين المصريين جميعاً في الحقوق والواجبات، وتاريخ مكرم عبيد ثم إبراهيم فرج كثاني شخصية في الحزب يؤكد الطفرة التي قام بها الوفد. وكانت الفترة الليبرالية ١٩٢٣/١٩٥٢ هي أكثر الفترات ازدهاراً في تحقيق المساواة والتجانس
وجاءت الفترة الناصرية ١٩٥٤/١٩٧٠ لتؤكد مدنية الدولة والمساواة، لكنها أغفلت إشراكاً حقيقياً ومؤثراً للأقباط في الحياة السياسية، وتأثر الأقباط بالقوانين الاشتراكية والتأميم، لأن نسبة المشتغلين منهم في التجارة والصناعة كانت كبيرة، وبالرغم من كل ذلك كانت المواطنة شعاراً حقيقياً في مصر. وعندما جاء السادات ١٩٧٠/١٩٨١ تغير وجه مصر حين أطلق الرئيس الجماعات الإسلامية المختلفة لمحاربة التيارات اليسارية القوية آنذاك، وصاحب ذلك ذهاب ملايين المصريين إلى الخليج وعادوا بأفكار مختلفة أهمها تحولهم من الإسلام المصري الوسطى المتسامح والراقي الذى استمد أفكاره وتفاسيره من حضارة وادى النيل إلى الإسلام الوهابي الصحراوي القاسي، وأدى ذلك عبر عقدين من الزمان إلى تغيير ملابس المصريين وطريقة تفكيرهم وصاحب ذلك تغيير في طريقة معاملة الأقباط، وبالتدريج اختفي التسامح والحب، الذى كان يجمع كل المصريين رغم اختلاف دينهم، وبدأ تمييز واضح وصريح ضد الأقباط، وانتهي باعتداءات على الكنائس، ووصل إلى ذروته حين سيطرت الجماعة الإسلامية على بعض المناطق في الصعيد وفرضت الجزية على أغنياء الأقباط إلى أن أعادت الدولة السيطرة، عليها بعد معارك كبيرة.
خلال هذه الفترة من حكم مبارك الديكتاتوري استمر عدم المساواة في تولى الوظائف العامة، وزاد انقسام الشارع بين مسلمين وأقباط، واستمر الاعتداء على الكنائس، وشهدت مصر موجات كبيرة من الهجرة إلى أمريكا وأستراليا، وكانت الغالبية العظمى منها من الأقباط، وكان الدافع هو البحث عن مستقبل اقتصادي أفضل، والبحث عن الأمان لأجيال جديدة، وتسبب ذلك القهر في  احتماء الأقباط بالكنائس التي أصبحت هي الراعية للجانب الديني والروحي وأيضاً الجانب السياسي، وساعد على ذلك وجود  البابا شنودة الذى كانت له كاريزما كبيرة وتاريخ ارتبط فيه بالشعب والوطن قبل الرهبنة عن طريق عمله كصحفي وتأديته الخدمة العسكرية كضابط احتياط، وظهر ثنائي الدولة ممثلين في القصر الرئاسي وأمن الدولة من ناحية والبابا شنودة والكنيسة من ناحية أخرى، وأصبحت مشاكل الأقباط حتى الصغيرة والبسيطة في أصغر قرية في الصعيد تحل عن طريق العلاقة بين القسيس ومأمور المركز.
وقبل الثورة بدأت إرهاصات اشتراك بعض شباب الأقباط إيجابياً في الحركات الاجتماعية ضد النظام الديكتاتوري، وأثناء الثورة شارك الأقباط بقوة كبيرة، وأسماء شهداء الثورة شاهدة على ذلك، وبدأ التغيير الإيجابي الكبير في الشخصية القبطية التي بدأت تمارس العمل السياسي بعيداً عن الكنيسة، وأدى ذلك إلى مشاركة واسعة من الأقباط في الأحزاب السياسية، التي خرجت من رحم الثورة، وأصبح لهم دور قيادي كبير فيها ذكرنا بأيام الوفد في عهد النحاس باشا، وكذلك إنشاء جماعات شبابية سياسية مثل شباب ماسبيرو، وهي مجموعة شديدة الوطنية والحب لمصر، ثم ظهور أهمية الصوت القبطي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والنقابية بعد ابتعاد كامل عن المشاركة السياسية لعقود طويلة، وبعد أن أصبحت الأغلبية في البرلمان للإسلاميين، وفوز الإخوان بمنصب الرئيس أصاب ذلك قطاعاً من المصريين بالخوف الشديد، وكان الخوف القبطي كبيراً وقد شاهدته بنفسي في عيون مجموعة كبيرة من صديقات ابنتي د. منى من الأقباط، ورأيتها هي وصديقاتها في حالة حزن وفزع حقيقي، لأن تاريخ الإسلام السياسي في الاضطهاد والتمييز ضد الأقباط والتدخل في الحريات الشخصية ومصادرة الفن والأدب معروف، وبدأ الكثيرون منهم يفكرون في الهجرة، وأنا أريد أن أقول لهم إن مصر ملك للأقباط كما هي ملك للمسلمين. 
أصدقائي الأقباط لا تخافوا نحن جميعاً في «الهوا سوا». إرهاصات اتحاد القوى الوطنية في تيار مدنى كبير بدأت باجتماعات صغيرة وانتقلت إلى فندقين في أسبوع واحد، ويلزمها التنسيق وتحَمُل بعضنا البعض، فإن اتحاد واتفاق القوى المدنية أصعب بكثير من وحدة القوى الشمولية، سواء كانت إسلامية أو ماركسية. إن المصريين بطبعهم وسطيون وإن عدم مشاركة الشعب المصري كله في العمل السياسي المنظم ترك الساحة فارغة للإسلام السياسي.
يا أقباط مصر أنتم مكون أساسي أصيل ومهم من هذا الوطن وفي تاريخه، وأنا أجلكم وأحترمكم وسوف تبقون معنا وسوف نبقى معكم في هذا الوطن، ندافع عن ترابه وعن تاريخه، الشعب هو الوحيد القادر على الحفاظ على مصر الوسطية ومستقبلها. إن  لكم في قلوبنا مكانة كبيرة وحباً وتقديراً، فأنتم جزء منا ونحن جزء منكم، فلا تخافوا وحاربوا معنا في سبيل بلدنا وبلد أجدادنا.
قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك
د. محمد أبو الغار
كيف برهن المسيحيون الأقباط في الحركة الوطنية وحدة النسيج الوطني
دكتور مدحت بكري | مصر أولا ودائما | الاثنين، 7 نوفمبر، 2011
عندما اختلف سعد زغلول مع عدلي يكن حول "مشروع ملنر"، انفض السبعة المسلمون من حول سعد ولم يبق معه متمسكا بالحق الوطني غير واصف غالي وسينوت حنا. وعندما أنذر المحتل الإنجليزي سعد في 7 ديسمبر 1921بضرورة إيقاف نشاطه أو النفي، لم يرفض الإنذار غير مصطفي النحاس وويصا واصف وسينوت حنا وواصف غالي ومكرم عبيد.
وعندما حاول المحتل الإنجليزي دق الإسفين الديني بين المسلمين والمسيحيين، ارتفع على الوطن من ساحل البحر إلي أقصي الجنوب شعار "الدين للديان والوطن للجميع" وظهر "الهلال مع الصليب"، ثم واجه المصريون المشروع الصهيوني مجتمعين، فامتزج الدم المسيحي مع الدم المسلم على أرض مصر. وهكذا لعب المسلمون والمسيحيون الأقباط دورهم في الحركة الوطنية في مواجهة المحتل وفي الذود عن الوطن وأثبتوا وحدة النسيج الوطني على مدى القرن الماضي.
وكان مكرم عبيد باشا (25 أكتوبر 1889 - 5 يونيو 1961) الذي وُلد لعائلة من أشهر العائلات المسيحية القبطية بمحافظة قنا بصعيد مصر، ودرس القانون في أكسفورد، أحد أهم المفكرين المصريين المقربين من الزعيم سعد زغلول باشا وأشهر الخطباء في التاريخ السياسي المصري الحديث الذين لعبوا دورا محوريا في الحركة الوطنية المصرية وفي مقاومة الاحتلال، وهو صاحب المقولة الشهيرة "إن مصر ليس وطناً نعيش فيه بل وطناً يعيش فينا" وهو القائل أيضا "اللهم يا رب المسلمين والنصارى اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصاراً، واجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين".
وقد كان من الطبيعي - وهذا شأنه - أن تقربه سلطة الاحتلال، فعينوه سكرتيراً خاصا للمستشار الإنجليزي لوزارة العدل طوال مدة الحرب العالمية الأولى، ولكنهم استغنوا عنه عندما كتب رسالة في معارضة المستشار الإنجليزي "برونيات" شارحاً فيها مطالب الأمة المصرية وحقوقها إزاء الإنجليز، فغادر منصب سكرتير المستشار الإنجليزي لينضم للثورة دون أن يدعوه أحد،. وعمل في مجال الترجمة والدعاية في الخارج ضد الحكم والاحتلال الإنجليزي وكان له دعاية نشطة في إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وانضم إلى حزب الوفد في عام 1919 ولما نُفي سعد زغلول ثار مكرم عبيد وقام بإلقاء الخطب والمقالات مما تسبب في القبض عليه ونفيه.
وكان المنفى هو فعلا النقطة المحورية في حياته، فكان يرى في نفيه مع سعد زغلول إضفاء لشرف الوطنية عليه وعلى زملائه، فقال لم نشعر في حياتنا أننا مصريون، عاشقون لمصر، بمقدار ما شعرنا في المنفى، ما أحسست طوال عمرى أن الوطن قريب إلى قلبي وفكري إلا عندما أبعدوني عنه في سيشل، فكانت أداة الفصل هي هي أداة الوصل ووصف علاقته بسعد زغلول في المنفي بقوله “لعلى لم أعرف سعدا، ولم أعرف مبلغ حبى له ذلك الحب النادر الذى يغذيه القلب والعقل معا إلا عندما أتاح الله لي أن أخلو به في سيشل في انتظار قدوم إخوتنا من عدن، في تلك الفترة القصيرة الحلوة التي كان لها أثر حاسم في تطور فكري والتي مازالت أعدها كحقبة من أهم حقبات عمرى، في تلك الفترة علمني سعد أن أحبه وأحترمه”
وعندما توفي سعد أصبح مصطفي النحاس باشا رئيسا لحزب الوفد ومكرم عبيد باشا سكرتيرا للحزب. وفي عام 1928 عندما شكل النحاس باشا وزارته عين مكرم باشا وزيراً للمواصلات، وفي عام 1935 أصبح سكرتير عام الوفد فكان من أبرز أعضاء الحزب والجبهة الوطنية وأكثرهم شعبية. وبعد معاهدة 1936 عُين مكرم عبيد وزيراً للمالية، وشارك في الوزارات الثلاثة التي تشكلت برئاسة كل من أحمد ماهر والنقراشي في عام 1946.
ونذر مكرم باشا - الذي عمل بالمحاماة - وقته كله للدفاع عن المقبوض عليهم في تهم سياسية، ولا زالت أصداء مرافعاته معروفة في تاريخ المحاماة في مصر، وقد اُختير نقيباً للمحامين ثلاث مرات وكان هو الذي قام بالدفاع عن عباس العقاد حين اتهم بالسب في الذات الملكية، وكان الرجل الوحيد - بجانب والده - الذي شيع جنازة حسن البنا مؤسس ومرشد جماعة الإخوان المسلمين بعد أن منع البوليس السياسي آنذاك الرجال من المشاركة في الجنازة.
وبقى مكرم عبيد باشا مقاتلا لمصر حتى بعدما أزاحه فؤاد سراج الدين باشا - بمعاونة زينب الوكيل هانم - من قيادة حزب الوفد، ليصبح الطريق ممهدا لفؤاد سراج الدين في خلافة النحاس، فأسس بعد خلافه مع النحاس حزب الكتلة الوفدية كما ألف الكتاب الأسود واتهم النحاس باشا بالفساد وتلقي الرشاوى وعدم مراعاة مصالح الشعب، واعتقله النحاس باشا أثناء الحرب العالمية الثانية.
لو صدق إيمان قادة الإسلام السياسي الأصوليين ودعاواهم يصدق القصد والعمل لوجه الله لرأوا في أداء المسيحيون الأقباط في الحركة الوطنية على مدى التاريخ الحديث قياسا صحيحا للولاء لشركاء الوطن، وبرهانا قاطعا على وحدة النسيج الوطني، ودافعا لرأب الصدع والتلاقي لدفع الخطر المحيق بوطن واحد تشاركناه لخمسة عشر قرنا، عوضا عما يدعون إليه من استقطاب بغيض يؤدي إلى تفرق "أهل الكتاب" من الأقباط المسلمين والنصارى ويخترق صفوفهم ويخدم فقط أهداف من يضمرون لمصر ولنا جميعا شرا ويسعون لتفتيت الوطن والمنطقة ليحققوا نهائية دولتهم التي كانت "مزعومة."
 لنتوحد لنواجه معا ما يهدد وجودنا كله، ولنعي حقيقة أن قوة مصر النسبية إلى قوة الطامعين فيها لم تكن على مدى التاريخ بمثل هذا الخلل المميت، فلا ننساق بمواقف سياسية عنترية إلى مواجهات تودي بمصر التاريخية إلى نهايتها لا قدر الله.
دكتور مدحت بكري


الاثنين، 10 سبتمبر 2012

الإطار الدولي للمنطقة.. هل يبتلعنا الغول بينما ما زلنا في "غيبوبة مصطنعة"؟

غول سياسي على شكل حرف L.. الوحش الخرافي للتوراة يخرج من جوف البحر

ملف خاص نشرته جريدة المستقبل العراقي الصادرة ببغداد في 28/8/2012
تنفرد جريدة “المستقبل العراقي” من بين الصحف العربية والأجنبية بالكشف لأول مرة عن أكبر المخططات العدوانية، التي استهدفت ومازالت تستهدف البلدان العربية الواقعة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، مخططات سياسية كبرى على شكل حرف "L" لم تعلن عنها القوى الشريرة حتى الآن، لكنها باشرت بتفعيلها بإشراف مهندس الأزمات، وخبير الفواجع والنكبات، وجالب الفتن والمحن، البروفسور برنار هنري ليفي منذ اليوم الذي اندلعت فيه أولى زوابع "الربيع العربي" وحتى يومنا هذا، وإليكم آخر التفاصيل كتبها كاظم فنجان الحمامي:
لم تهب أعاصير "الربيع العربي" على عواصم البلدان العربية في حوض البحر الأبيض المتوسط من باب الصدفة، ولم يتزعزع الأمن والاستقرار في ربوع الشام وبقاع لبنان بسبب تأثرها بإيقاعات المتوالية العددية لتساقط قطع الدومينو على طاولات الفيس بوك، ولم تقام الحواجز الخراسانية حول قطاع غزة لترجيح كفة "فتح" على "حماس"، ولم تُقتلع جذور الأنظمة القوية المتسلطة في تونس وليبيا ومصر بمعاول الانتفاضات الثورية العفوية، وإنما اقتلعتها بلدوزرات التغيير المندفعة بقوة المؤامرة L، التي لن تتوقف عن تحطيم كل ما يقع في طريقها حتى تضمن الفوز المطلق بحصة الأسد من مكامن الحقول الغازية الجبارة، التي حملت ملامح الحرف L شكلاً ومضموناً، وحملتها رمزا توراتيا محفورا في واجهات النظام العالمي الجديدNew World Order..
لو نظرنا نظرة فاحصة لخارطة البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط، لظهرت لنا ملامح الحرف L بذراعه الطويل الممتد بالاتجاه الشرقي من مدينة بنزرت في تونس إلى مدينة العريش في سيناء مرورا بمدينتي طرابلس وبنغازي في ليبيا، ثم مدينتي الإسكندرية وبورسعيد في مصر، ينحرف بعدها بزاوية قائمة نحو الشمال لاستكمال الذراع القصير لحرف L الممتد من مدينة رفح إلى مدينة الإسكندرونة مرورا بغزة وتل أبيب وحيفا وصور وصيدا وبيروت وطرابلس وطرطوس واللاذقية، حرف كبير يبسط ذراعيه على ستة بلدان، ثلاثة منها في قارة أفريقيا، هي تونس وليبيا ومصر، والثلاثة الأخرى في قارة آسيا، هي إسرائيل ولبنان وسوريا، لكن سواحلها كلها تطل على حوض البحر الأبيض المتوسط. .

زوابع الحرف "L"

ليس من باب الصدفة أن تقوم القيامة في خمسة من البلدان الستة في متوالية زمنية تبعث على الريبة، وليس من باب الصدفة أن تنهار حكوماتها أو يتزعزع الأمن فيها باستثناء حكومة تل أبيب، التي وقعت خارج التغطية بالنسبة لشبكات “الربيع العربي”، وليس من باب الصدفة أن تتفجر الأوضاع السياسية في تونس ومصر وليبيا وسوريا، وتهتز في لبنان وغزة، في مواعيد متقاربة، وظروف متشابهة، وليس من باب الصدفة أن يكون الصهيوني المتطرف برنار هنري ليفي هو الضيف المرحب به في عواصم الدول العربية الواقعة على خطوط الحرف المشبوه، والتي تعافت توا من حمى “الربيع العربي”، وليس من باب الصدفة أن تكون المدن الواقعة تحت تأثيره مشمولة بالزلازل السياسية المدمرة، التي اجتاحتها وحدها، فقلبت عاليها سافلها، واستبدلت أنظمتها السياسية بأنظمة جديدة من خارج التوقعات، وأقحمت دول المنطقة في دهاليز الصراعات القبلية والحزبية والطائفية والعرقية، وخططت لإشغال شعوبها بسلاسل لا نهاية لها من الأزمات والكوارث والفواجع والتهديدات، في حين كثفت إسرائيل أنشطتها التنقيبية عن مكامن الغاز بدعم مطلق من البيت الأبيض وقوى الناتو، وراحت تواصل تنفيذ برامجها التوسعية، وتبسط نفوذها البحري في أجواء مثالية يسودها الهدوء التام وراحة البال، من دون أن يزعجها أحد، ومن دون أن يرصدها راصد، وتطوعت بعض الأقطار العربية لتوفير الغطاء الكامل للمخططات الإسرائيلية، وذلك بعد استكمال ارتباطاتها المصيرية بحلف سري مع العدو "الودود".
الملفت للنظر إن الحرف L كان له وقعه القديم في بسط نفوذ الإمبراطورية الرومانية على مقتربات حوض البحر الأبيض المتوسط، وتَمثّلَ وقتذاك بالحدود الجغرافية لإيطاليا الحالية، التي ما انفكت تتباهى بدولتها المتطابقة من حيث الشكل مع أبعاد الحرف L، المشابهة لأحذية رجال الإطفاء، أو مشابهة للأحذية النسائية ذات الكعب العالي والعنق الطويل، لكننا نقف اليوم على مسافة قريبة جدا من قيام إمبراطورية أخرى في الحوض نفسه مشابهة تماما للحرف L، وهو الحرف الذي تحدثنا عن إحداثياته الجغرافية، ورسمناه بالخرائط الكنتورية الملونة.

الحرف الأول للحقل الغازي الهائل

لا يقتصر المفعول السحري للحرف L على النواحي الشكلية وحسب، بل يتعداها إلى الأبعاد الخفية، التي ترسم صورة التغيرات الجديدة في المنطقة ، فالحرف “L” هو الحرف الأول لأكبر الحقول الإسرائيلية الغازية المكتشفة حديثا في حوض المتوسط، وهو حقل “ليفياثان Leviathan”، أو “ليفانتاين Levantine”، أو “ليفانت Levant”، وقد استوحت حكومة تل أبيب اسم “ليفياثان Leviathan من التوراة، ويمثل وحش خرافي،  يخرج من جوف البحر، ويبتلع ما تقع عليه عيناه في السواحل القريبة والمدن الشاطئية، والحقيقة إن الموضوع ابعد بكثير من إحياء الرموز التوراتية والتلمودية، فقد جاء اختيارها لهذا الاسم بقصد الإشارة إلى حدود سلطات الدولة المؤسساتية المطلقة في تشكيلات النظام العالمي الجديد "NWO"، الذي بشر به توماس هوبز Thomas Hobbes (1588 - 1679)، وعبر عنه باصطلاح "ليفياثان"، ويمثل في نظره الدولة الحديثة، التي يتولى فيها السلطة قطب واحد، أو مؤسسة واحدة، ترتبط أطرافها بعلاقة تحالف، ومعاهدة مصيرية لتأمين المصالح المشتركة، ولا تُنقض المعاهدة حين تكون الأطراف في خطر، بل تُنقض في حالة انهيار نظام المؤسسة الحاكمة، وهذه هي الغايات الدفينة التي ستتضح لنا أبعادها بصورة جلية في هذا الموضوع.

 أصل الحكاية

في تشرين الثاني “نوفمبر” من عام 2010، عثرت إسرائيل على كنز غازي عملاق، يحاذي الشواطئ الفلسطينية المغتصبة، بعمق خمسة كيلومترات، في المياه الاقتصادية، التي أطلقت عليه اصطلاح "ZEE والتي كانت تبدأ من الطرف الغربي لميناء حيفا، ثم تتمدد بالطول والعرض لتقترب من الشواطئ اللبنانية والسواحل السورية، وتضم معها مقتربات جزيرة قبرص، وتحتوي على كميات هائلة من الغاز الطبيعي، يصل حجمها التخميني إلى مئات المليارات من الأمتار المكعبة. وبالتالي فإن الاكتشاف الغازي الجديد سيغير الحسابات التعبوية والسوقية، وسيفجر الأوضاع السياسية، ويقلبها رأسا على عقب، وسيزعزع الاستقرار في حوض المتوسط، فالحقل الغازي الجبار يبسط مكامنه البحرية في المياه اللبنانية والسورية ويمتد ليشمل المناطق المصرية والتونسية والليبية، ومن المؤكد انه سيخلق المزيد من التعقيدات في المواقف والأوضاع السياسية، وظهرت بوادر تلك التعقيدات بعد التدخل القطري والتركي المباشر في المنطقة، لأنهما يمثلان المخالب الخفية لانطلاق خطوط أنابيب مشروع "نابوكو"، ما يعني إننا نقف على بعد أيام معدودات من إعلان ولادة "خليج عربي" جديد في حوض البحر الأبيض المتوسط، وان الحروب الخليجية الساحقة، التي زعزعت استقرار المنطقة، واستنزفت ثرواتها في العقود القريبة الماضية، سيعاد تفعيلها من جديد بصيغة أخرى ستغير ملامح خارطة بلدان  المتوسط بأساليب طائفية رخيصة. .

المارد ليفياثان

جاء اكتشاف الحقول الغازية المتوسطية في هذه المنعطفات السياسية الحرجة ليضيف الرياح القوية للمهزلة، ويرسم سيناريوهات جديدة للتغيرات الجيوبولتيكية في المنطقة، وبتحريض مباشر من الأطراف المرتبطة بالتحالف الليفياثاني، الذي تكلم عنه هوبز، وبالاتجاه الذي يسهل الأمر على إسرائيل، ويخدم مصالحها الاستثمارية، ويساعدها على بسط نفوذها في المنطقة على شكل حرف “L".
بدأت حكاية ليفياثان Leviathan" عام 2009، وهو العام الذي باشرت فيه شركة “نوبل إنيرجي” تنقيبها في عرض البحر على بعد 80 كيلومترا غربي ميناء حيفا، فاكتشفت وجود الغاز الطبيعي في طبقات “تامار" بكميات تقدر بنحو 238 مليار متر مكعب، وتوسعت في مشاريعها الاستكشافية والتنقيبية فاكتشفت عام 2010 إنها أمام حوض هائل من الغاز الطبيعي، من النوع عالي الجودة، يحتوي على كميات خرافية من الغاز، يكفي لجعل إسرائيل من البلدان الفاحشة الثراء.
ومع اكتشاف هذا الحقل الخرافي بدأت إسرائيل بالتساؤل عن كيفية الارتقاء نحو مصاف الأمم المنتجة والمصدرة للغاز، وتساءلت عن كيفية حصد الموارد المالية الهائلة، وكيفية استثمار عوائدها النفطية والغازية، وتساءلت أيضا عن كيفية ضمان الهيمنة والاستحواذ على مكامن هذا الحقل كله، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، ما يعني حرمان سوريا ولبنان من استثمار حصصها، ومنعها من الاستفادة من استحقاقاتها الغازية الواقعة في مياهها الإقليمية، فوجدت ضالتها في التآمر، بالسعي نحو استبدال الزعامات العربية الحالية بزعامات مضمونة الولاء لتحالف “ليفياثان". لقد أكد الناطق الرسمي باسم معهد الدراسات الجيولوجية في الولايات المتحدة USGS" بقوله: “إن منابع الغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط توازي كبريات المنابع الغازية المستثمرة الآن في مناطق متفرقة من العالم"، وأضاف: "إن منابع الغاز في حقل ليفياثان أضخم وأوسع وأعمق من كل المنابع التي اكتشفتها الولايات المتحدة"، وتقول تقارير المعهد: إن مصادر النفط والغاز شرقي المتوسط تقدر بنحو 1,68 مليار برميل من البترول، وبنحو 3450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة، وهناك منابع غير مكتشفة لمنابع النفط والغاز في حوض النيل بمصر تقدر بنحو 1,76 مليار برميل من النفط، ونحو 6850 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة، وقدر المعهد إجمالي الخزين في الجزء الشرقي من حوض البحر الأبيض المتوسط بنحو”3,4” مليار برميل من النفط الخام، ونحو  ”9700” مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

اللعبة القادمة

وبناء على ما تقدم فان الاكتشافات النفطية والغازية الجديد، التي تشكلت من أبعاد الحرف "L" هي التي فتحت أبواب الصراع السياسي على مصاريعها، ومن نافلة القول ان لبنان عندما سمعت بالحقل الجديد، وعلمت انه يمتد داخل مياهها الإقليمية كادت أن تطير من الفرح، واستبشرت خيرا بتعديل أوضاعها الاقتصادية، فقدمت طلبا إلى الأمم المتحدة لضمان حقوقها النفطية والغازية، فجاء الرد من إسرائيل على لسان وزير خارجيتها ليبرمان، بالقول: "إن إسرائيل لن تتخلى للبنان ولا لسوريا ولا لأي بلد من بلدان المتوسط عن قطرة واحدة". وتجدر الإشارة هنا إن إسرائيل لم تصادق حتى الآن على اتفاقية الأمم المتحدة للبحار والمحيطات لعام 1992، ولا تعترف بتقسيماتها الشاطئية والأرخبيلية، وقد باشرت بالفعل بتضييق الخناق على الحكومة اللبنانية باستخدام السلاح الطائفي المتاح لكل من يرغب بزعزعة الاستقرار في الأقطار العربية والإسلامية، ويعد من أسهل وابسط وأسرع الأسلحة المضمونة النتائج حتى في المجتمعات الإسلامية، التي تتظاهر بالتجانس والاستقرار المذهبي، فالقوى الشريرة عندها القدرة الكافية لاختراقنا بأساليبها الخبيثة، التي زرعت جذورها في المنطقة منذ عقود، واستعانت بها في تنفيذ مخططات التمزيق والتجزئة، وهذا يفسر تواجد عرّاب الانقلابات الدولية “برنار هنري ليفي” في العواصم التي شملتها أعاصير الحرف L في تونس وليبيا ومصر. .
ختاما نقول: لقد تعاظمت سلطة روما القديمة فوق الحدود الجغرافية لأرض انزلقت قدمها في مياه البحر الأبيض المتوسط، وكانت على شكل حرف L، لكن تلك القدم كانت أصغر بكثير من نظيرتها الجديدة، التي ستعزز القدرات الخفية للغول الخرافي، الذي سيخرج من جوف البحر الأبيض المتوسط ليبتلع السواحل كلها من طرابلس الغرب إلى طرابلس الشرق، ويمتص رحيقها النفطي والغازي بخرطوم التحالف الليفياثاني، وسيصبح من أقوى وأطول خراطيم النظام العالمي الجديد، وبات من المرجح أن يكون عام 2016 هو الموعد المقرر لإنتاج معاهدات جديدة، تبدأ أبجديتها بالحرف L، الذي يمثل الحرف الأول من ليفياثان Leviathan، وتنتهي بالحروف NWO، التي تمثل الحروف الأولى من النظام العالمي الجديدNew World Order، وستدق ركائزها في أعماق الخرائط الطبوغرافية والهيدروجرافية للمنطقة بعد مرور قرن من الزمن على انتهاء صلاحية المعاهدة العتيقة، التي رُسمت خطوطها الحدودية عام 1916 لتفصل بين حدود الأقطار العربية في ضوء التوقعات التخمينية للنفط، ثم جاء اكتشاف حقول الليفياثان ليرسم لوحة دموية مرعبة، بملامح مستوحاة من التوراة عن طغيان الغول الخرافي القابع في جوف البحر الأبيض المتوسط. .
هل يبلعنا الغول بينما ما زلنا في "غيبوبة مصطنعة"؟ الله يستر من الجايات!!

الأحد، 9 سبتمبر 2012

Farewell to Ma7mud ElGohary


A Friend and a Brother Passed Away!
I have a variety of friends who are so different in character; each can bring out a "different" part of me.
I joke with one friend, but with another I am reserved.
I sit down and talk about serious matters with one.
With another I laugh a lot and I may have a coffee or a drink with one.
I listen to one friend's problems. Then, I listen to another one's advice.
We all pray together and for each other.
My friends are all like pieces of a jigsaw puzzle.
When completed, they form a treasure box. A treasure of friends!
But only one of them was a “Complete Friend and Brother.”
He was the friend who understood me better than myself, who supported me through good days and bad days, and so I did him too.
He is Ma7mud ElGohary,
Who was a loving husband, father and grandparent of a wonderful family.
As a player, he was an unstoppable team-player who was ahead of his times. He pioneered modern football in Egypt and the region.
He was a leader of men who excelled as a professional officer when he commanded the Second Army Communications and as a coach when he led his club and National Squads from one victory to another.
He was my “True Friend” and remains until we meet again!
Hale to His Majesty King Abdullah and HRH Prince Ali and the Jordanian People who recognized his excellence and honored his memory.
Shame to those Egyptians who denied him a Military Funeral befitting a Decorated National Hero who served his country well!
Medhat Bakri

السبت، 25 أغسطس 2012

حذاري يا سادة، فالتاريخ يعيد نفسه في وقت اتسعت فيه فجوة القوة كما لم تكن أبدا!

نشر أول مرة: الأحد، 4 ديسمبر،  2011
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" صدق الله العظيم
يُرْوَى أن أحد اليهود عندما سمع بهذه الآية قال: "والله لو نزلت علينا آية كمثل هذه الآية لجعلنا يوم نزولها عيدا لنا". فلقد كان هذا الإعلان الإلهي حُلمَ كل الأديان من قبل، لكي تعلن تلك الأديان ألا ناسخ لها من بعدها، وأنها ستكون الدين الأخير الكامل المتكامل الذي يصلح للبشر في كل الأوقات.
وصدق الله العظيم، فقد أتم نعمته علينا وأعطانا ديناً سمحا وسطيا كاملاً متكاملاً، أعطى للإنسان حرية الفكر واختيار العقيدة، ديناً لا يُكره المسلم على أداء شعائره، خص به الله ذاته - بغير شريك - بحساب كل إنسان من عباده، وقال في كتابه الحكيم:
”وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” [الكهف]
"لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ." [البقرة]
"ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" [الأنبياء]
"فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ" [الغاشية]
"‏‏فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى" [الأعلى]‏‏
‏‏"فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" [الذاريات‏‏]
"وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا” [الإسراء]
”فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" [الزلزلة]
وفي حين أمر صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأن يبحثوا عن الحقيقة في ضمائرهم - وليس في اجتهادات الآخرين - بقوله في حديث صحيح، رواه أحمد والدارميُّ عن وابصةَ الأسديِّ: "اسْتَفْتِ قَلْبَك واسْتَفْتِ نَفْسَك، اسْتَفْتِ قَلْبَك واسْتَفْتِ نَفْسَك، اسْتَفْتِ قَلْبَك واسْتَفْتِ نَفْسَك؛ البِرّ ما اطْمَأنَّت إليه النَّفْس والإثْم ما حاك في النَّفْس وترَدَّد في الصَدْر، وإن أَفْتاك الناس وأَفْتوك"، فإننا نرى بيننا اليوم من يحتكرون الحكمة ويعتقدون أنهم وحدهم يفهمون كلام الله ورسوله، وأن عليهم واجبا دينيا بفرض فهمهم هم لكلام الله وتصورهم لشريعته على جميع المؤمنين، وحتى على الناس من أتباع الديانات الأخرى، - وأن عليهم في سبيل ذلك "امتلاك الأرض وفرض الرأي". هذا الفهم المستورد المغرض الذي يسيس الدين ويضفي عليه الصفة الجمعية ويولي البعض على الكل، ليس من الإسلام في شيء. فليس لجماعة من المسلمين أن تكره مسلما - أو غير مسلم - على ما لا يقبله قلبه وتطمئن إليه نفسه أو يخل بخصوصية علاقة العبد بربه ومسئوليته الحصرية يوم الحساب عن أعماله، فالله سبحانه يحاسب العبد ولا يحاسب الجماعة. ولكنهم يأخذون لأنفسهم حق تطبيق شرع الله كما يفهمونه هم - لا بل الحساب والعقاب - ويُقَوِّلون الله ما لم يقله، فيضعون المصريين في مواجهة افتراضية مصطنعة مع الله بينما هم - فيما يذهبون إليه - على النقيض من شرع الله، وهم يكادون أن يكونوا من نزلت فيهم الآية: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ(12)" [البقرة]، وهم الذين قال عنهم الصحابي سلمان الفارسي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يجئ أهل هذه الآية بعد"، فهل جاء أخيرا زمن أهل الآية الكريمة؟ وهل يأتون اليوم كطلاب سلطة محتكرين للعلم ممارسين للعمل السري وللعنف - يمتد تطرفهم لمدى واسع من فرض الرأي بالقوة في أكثرهم اعتدالا إلى التكفير وإهدار الدم في أكثرهم غلوا - فيفسدون في الأرض ويحسبون أنهم مصلحون فيها؟!
لقد تَرَدّيْنا - في هذا الزمن الرديء - فأصبحنا نرى بين المسلمين ما نهى الله نبيه عنه، لنجد بيننا مَنْ هو مُسَيْطِرٍ ومَنْ هو مُصَيْطَر. فهم - كتنظيم أصولي عابر للحدود، ذو طبيعة عسكرية يقسم أعضاؤه على السرية والولاء والسمع والطاعة لغير الوطن لا يدخلون مصلحة مصر الوطنية كأولوية في حساباتهم وإنما تحركهم رغبة في فرض الرأي وشهوة للسلطة وأجندات مخفية - قادوا الإسلام في مصر من الوسطية إلى الوهابية، وأطلقوا الإرهاب الديني في مصر منذ أربعينات القرن الماضي، واستخدموا الدين بلا حدود في السعي إلى السيطرة على الناس لخدمة أجندات سياسية غريبة على مصر، وهم التنظيم الأم الذي انبثقت عنه كل التنظيمات السلفية بما فيها تنظيم القاعدة، الذي انتمى مؤسسه أسامة بن لادن للفصيل القطبي من الجماعة.
وهم - كما يشهد تاريخهم على مدى 83 عاما - لم يغيروا أهدافهم ولكن ما تبدل هو استراتيجيتهم كجزء من عملية تسويقية تستهدف قطاعات متباينة من المجتمع، فبينما أدخلوا مؤخرا ألفاظ "الديموقراطية والوطنية" على أدبياتهم "الأصولية" للتمويه، تزيد التنظيمات السلفبة المنبثقة عنهم من تشددها، وهم - ولهم كيانات منظمة في نحو 80 دولة - ما زال يراودهم حلم "دولة الإسلام العالمية" ويسعون لتحقيقه، ويستخدمون الآن ديموقراطية الثورة - كما أعلن قادتهم - "لامتلاك الأرض وفرض الرأي". ولذلك، فهم يتربصون الآن بعشرات الآلاف من مسئولي وموظفي الدولة الوطنيين - من بينهم قامات شاهقة خدمت وطنها في ظل الفساد ورغما عنه - لا يعرفون لهم انتماء آخر غير وطنهم فخدموا مصر بإخلاص واقتدار. وهم يسعون الآن للتخلص منهم - باعتبارهم "فلول" - وإحلالهم برفاق لهم من الجماعة لتحقيق "التمكين" ووأد الديموقراطية التي استشهد من أجلها الشباب الوطني وخرجت مصر كلها.
ما لا تدركه الجماعات الأصولية المتطرفة هو أنها تُسْتَخْدَم - بإرادتها أو بغير إرادتها - كمُفَجّر للمنطقة وجزء أساسي من آليات المخطط الصهيوني طويل الأجل الذي أطلق في بازل السويسرية في 1897، واستغرقت مرحلته الأولى خمسون عاما لإتمامها بإنشاء دولة ليهود العالم في فلسطين وإعلان استقلال إسرائيل، وتتم الآن على الأرض خطوته الأخيرة لتفريغ المنطقة من الدول القادرة على تهديد أمنها - أو حتى إزعاجها - باستخدام "القوة الناعمة" لتحريك الشباب الوطني الغاضب لإطلاق "الثورة" على حكام طغاة وفاسدين - صنعتهم ومكنتهم القوى الاستعمارية - ثم دفع القوى الداخلية المتطرفة لمنع الاستقرار وإطلاق "الصراع المدني" لتفجير المنطقة وتفتيتها وإعادة تقسيمها إلى دويلات دينية وطائفية صغيرة غير قادرة على إزعاج القوى العظمى أو إسرائيل في المستقبل القريب أو البعيد، وتعمل - كأمر واقع - على تأمين إسرائيل وتحقيق نهائيتها كالقوة العظمى بالمنطقة والمركز الدائم للسيطرة عليها كمنطقة نفوذ، ولتنتهي المنطقة كَمَوْرٍد للعمالة الرخيصة وسوق يقارب نصف مليار مستهلك لاقتصاد الإمبراطورية الإسرائيلية التي يكون لنا الفضل الأكبر في ظهورها بالمنطقة، وإلا فلماذا يعلن نتانياهو فجأة استعداد إسرائيل للتعاون مع حكومات إسلامية في المنطقة وهو الذي يرفض حكومة الإخوان المسلمين في غزة؟!
لا شك أن الإطار الدولي المعقد والخطير الذي يحيطنا يتطلب مواجهة المصريين لتداعيات وتحديات ثورتهم بكل فصائلهم مجتمعين ومتوافقين في إطار مصري وطني خالص وبغير استبعاد لأي طرف من الأطراف، حتى يستمدوا من اجتماعهم ووفاقهم ووحدة هدفهم قوة تتطلبها خطورة المرحلة وصعوبة المهمة. إلا أن هذا الوفاق لا يمكن أن يتحقق في ظل الاستقطاب الديني المسيحي والإسلامي والأيديولوجيات المتطرفة والأجندات المخبأة والأفكار التكفيرية والأموال المستوردة والتنظيمات العابرة للحدود الناكرة لحقوق المواطنة ولوحدة النسيج الوطني المصري. ولذلك فإن هناك حاجة ملحة واضحة لأن تبادر الجماعات الأصولية إلى نبذ العنف وفرض الرأي، والاعتذار عن الماضي، وأن تعود إلى الوسطية التي أُمِرْنا بها بقوله تعالى "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا" [البقرة]، وإلى الاصطفاف الوطني في مواجهة خطر محدق عظيم، وأن يعمل جميع المصريين - بكل فصائلهم- معا في هذا المفترق الحرج للغاية لإنقاذ "مصر التاريخية" من خطر داهم لم يسبق لمصر أن تعرضت لمثله أبدا.
لنتذكر أنه لو صدقت وعود القوى العظمى للشريف حسين فولوه ملك الشام في مطلع القرن الماضي نظير انقلابه على الخليفة العثماني وحربه عليه، لصدقت وعودهم للجماعة اليوم، ولكنهم سارعوا فأصدروا وعد بلفور للصهاينة قبل أن تجف دماء المسلمين. حذاري يا سادة، فالتاريخ يعيد نفسه في وقت اتسعت فيه فجوة القوة كما لم تكن أبدا!
دكتور مدحت بكري