الأحد، 15 فبراير 2015

مطلوب تعديل دستوري فوري لتحقيق التوازن بين السلطات واستعادة الرئيس لسلطاته الطبيعية

دكتور مدحت بكري | مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا | القاهرة في 14 يونيو 2014
أدى دستور 2014 الذي أنتجته لجنة الخمسين، لمواءمات وضغوط لسرعة الانتهاء من إعداد دستور وإنجاز خارطة الطريق المعلنة، إلى تقليص معيب في سلطات الرئيس مخالف للنص الدستوري بفصل السلطات يؤدي إلى شل قدرة الرئيس على تحقيق برامجه التي وافق عليها الشعب وأدت إلى انتخابه للمنصب. وبينما كان المقصود هو منع إنتاج دكتاتور جديد، وهو الأمر الذي يرفضه كل المصريين، فقد أدى الدستور الجديد في نهاية الأمر إلى زيادة سلطات السلطة التشريعية "البرلمان،" ومن ثم مجلس الوزراء (أداة التنفيذ) التي تستمد وجودها من الوكيل (البرلمان)، على حساب الرئيس الذي انتخبه الأصيل (كل الشعب) كسلطة تنفيذية أصيلة، ليؤثر على قدرته على تنفيذ وعوده التي تم اختياره لها بالانتخاب الحر المباشر على أساسها وإدارة مصالح الأمة بأمانة في ظرف تاريخي حاسم يتطلب زيادة سلطات الرئيس، عوضا عن تقليصها أو تقييدها بشكل مخل بالمنطق الدستوري والقانوني. وقد كان من الطبيعي أن تفرض وصاية المجلس على الرئيس لو أن البرلمان، وليس الشعب، هو الذي انتخب الرئيس، أما وأن الشعب (الأصيل) هو الذي انتخب الرئيس مباشرة فلا يمكن أن يخضع الرئيس لسلطة البرلمان (الوكيل) الذي يجب أن يقتصر دوره على منح وسحب الثقة من الوزارة والوزراء. ولأن منع استبداد الرئيس لا يكون بمنازعته سلطاته أو شل حركته، ولكنه يكون بنص دستوري وقانون لمحاسبة الرئيس، وسن القوانين التي يعمل في إطارها.
ولذلك، فبينما كانت الوسيلة المثلى لمنع انفراد الرئيس بالسلطة أو إنتاج دكتاتور جديد هي تطبيق "نظام للضوابط والتوازنات" يحقق الفصل الكامل للسلطات، ويكبح تغول أي من سلطات الحكم الثلاث على سلطة أخرى، فيعطي التنفيذ للرئيس الذي انتخبه بالانتخاب المباشر كل الشعب، والتشريع والرقابة للبرلمان، والعدالة للسلطة القضائية، فقد أنتجت لجنة الخمسين بدلا من ذلك دستورا مشوها يؤدي إلى تغول السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية، والسلطة التنفيذية على السلطة القضائية.
ومن ناحية أخرى، إذا كان تطبيق مبدأ النسبة والتناسب في أعداد المرشحين بالنسبة لتعداد المحافظات يؤدى إلى سلامة التمثيل السكاني للسلطة التشريعية، فإنه يؤدى في نفس الوقت إلى الإخلال بالتمثيل النوعي بحسب النص الدستوري، وبالتمثيل الجغرافي أيضا، ومن ثم أدى إلى اللجوء إلى زيادة عدد مجلس النواب والأخذ بنظام للحصص والقوائم يغفل الاعتبارات الجغرافية واللوجستية دون أن يحقق ذلك عدالة التمثيل، وإلى استمرار تغول المحافظات كثيفة السكان على حقوق المحافظات قليلة السكان خصوصا الحدودية في الجنوب وسيناء والغرب، والتأثير على معدلات تنميتها ويؤدى إلى تخلفها وفقرها وإلى شعورها بالظلم، ويؤثر على انتمائها الوطني ويهدد وحدة الوطن والأمن الوطني، وهو هدف استراتيجي للقوة الأعظم. وبنفس الطريقة تؤدي الانحيازات المجتمعية الموروثة، والفقر والأمية، والاندماج السكاني وعدم الفرز الديني إلى استبعاد الأقباط المسيحيين والمرأة من العملية الانتخابية ويؤدى إلى تهميشهما.
ولذلك لم ينجح التنظيم الحالي للسلطة التشريعية حتى الآن في تحقيق العدالة الجغرافية ومبدأ المواطنة وتساوي الحقوق ومنع التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو العقيدة، وهو ما يتطلب إعادة هيكلة السلطة التشريعية وخلق "نظام للضوابط والتوازنات" ببرلمان من غرفتين يحقق ضمانات للتمثيل وعدالة للمهمشين، ويمنع انفراد غرفة واحدة بسلطة التشريع، وبالتالي يعطي حد أدنى من الضمانات بعدم تغول السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية لأسباب تتعلق بالقواعد الانتخابية السارية التي تنفرد بوضعها غرفة واحدة، كما يوفر من الضوابط والتوازنات ما يحقق حماية للرئيس من انفراد مجلس النواب بسلطة محاسبة الرئيس أو تعطيله. وبدون التساوي في اختصاصات وسلطات المجلسين، وهذه الفروق في تكوينهما لتحقيق التوازن بين المرأة والرجل، وبين الشباب والشيوخ، ولضمان تمثيل الأقلية الدينية والمناطق الحدودية، تستمر السلطة التشريعية في أدائها المنفلت والمتحيز وغير العادل. وهذا النظام هو نظام معمول به لأسباب مختلفة في عدد من الدول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية.
من المؤكد أن يحقق برلمان من غرفتين العدالة للمسيحيين وللمرأة وللمناطق الحدودية، بالنص على تمثيل المسيحيين بخمس عدد أعضاء مجلس الشيوخ وتمثيل المرأة بنصف عدد الأعضاء وأن يحقق هذا المجلس أيضا عدالة التمثيل الجغرافي والنوعي بإعطاء كل المحافظات أوزانا متساوية بصرف النظر عن عدد السكان بكل محافظة، وتمثيل كل المحافظات بالتساوي بخمسة أعضاء من كل فئات المجتمع وأحزابه يتم اختيارهم بالانتخاب الحر المباشر بالنظام الفردي لكل محافظة، وأن يكون التمثيل الصحيح للمسيحيين وللمرأة شرطا لصحة الصوت. كما يجب خفض سن الترشح لمجلس النواب لإتاحة فرصة الترشح للشباب اللذين طال ظلمهم وتهميشهم في نظامنا النيابي في الماضي،
وحتى لا يكون المجلس الثاني تكرارا لتجربة مجلس الشورى المغرضة الفاشلة، يجب أن يكون هذا المجلس مجلسا للشيوخ له نفس اختصاصات وسلطات مجلس النواب، لا يقل عمر أعضائه عن 40 عاما مع تخفيض سن الترشح لمجلس النواب ليضمن لشباب الثورة تمثيلا أكبر يعكس دورهم في قيادة معركة تخليص الوطن من أنظمة فاسدة ومستبدة، وأيضا تقديرا للقدر من النضج والوعي الذي اكتسبوه في أربع سنوات. إلا أن عدالة التمثيل الجغرافي ستتطلب إعادة رسم خريطة الحكم المحلي لضمان تمثيل كاف وعادل لكافة مكونات المجتمع المصري المتنوع، خصوصا في المناطق الحدودية الجنوبية والشرقية والغربية التي تعرضت في الماضي للإقصاء والغبن، ومن ثم الإخلال بالحقوق بشكل أدى إلى الشعور بالظلم وأثر على الانتماء الوطني.
وقد حرص الحاكم في مصر دائما على تشويه المفهوم الصحيح للحكومة "Government" وتعريف الحاكم ومجلس الوزراء منفردين "بالحكومة" بالرغم من أن الأصل هو أن مجلس الوزراء هو جزء من السلطة التنفيذية يتبع الرئيس المنتخب انتخابا مباشرا، وأن التعريف الصحيح للحكومة هو "السلطات الثلاث Three Branches of Government" وأن الفصل الكامل للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في مصر هو الضمانة الوحيدة لمنع تغول الحكومة على المواطن ولشيوع العدل وحماية الحقوق. وقد كان وزير العدل، وهو جزء من السلطة التنفيذية، أداة الحاكم للسيطرة على السلطة التشريعية واختراق السلطة القضائية والتدخل فيها، وليكن لنا في خبرتنا الحزينة مع محمد مرسي وإخوانه وإعلانه الدستوري ووزير عدله ونائبه العام الخصوصي وتأسيسيته وشورته وميليشياته عبرة. ولذلك، وحتى نضمن استقلال القضاء ومنعته، ولوقف تغول السلطة التنفيذية والتشريعية على السلطة القضائية، يجب ترسيخ مبدأ فصل السلطات بإعلان الاستقلال التام للسلطة القضائية على الوجه الآتي:
1.       إلغاء منصب وزبر العدل، واستبدال وزارة العدل بوزارة للشئون القانونية والأحوال المدنية تقتصر اختصاصاتها على الاتصال بمجلس القضاء الأعلى، والإشراف على هيئة قضايا الدولة باعتبارها محامي السلطة التنفيذية، وبجميع السجلات المدنية المسندة حاليا لوزارات العدل والداخلية والصحة؛ السجل المدني والشهر العقاري والمساحة والجوازان والجنسية والهجرة.
2.       نقل جميع الاختصاصات العدلية والقضائية وشئون المحاكم والهيئات القضائية وأجهزة الخبرة للمجلس الأعلى للقضاء برئاسة قاضي ينتخبه القضاة بإشراف المحكمة الدستورية العليا، دون أي تدخل من السلطة التنفيذية، يتولى بمجرد انتخابه رئاسة المجلس لفترة واحدة ست سنوات لا تجدد، ويقسم اليمين أمام رئيس المحكمة الدستورية العليا، ولا يكون لرئيس الجمهورية أو أي جهة تنفيذية أخرى أي دخل بإجراءات انتخابه أو توليه المنصب.
3.       ميكنة جميع الأعمال العدلية والقضائية وشئون المحاكم والهيئات القضائية لزيادة كفاءتها وتسهيل إدارتها وإضفاء الآدمية على جميع المشاركين فيها.
4.       فصل ميزانية القضاء عن جميع الأجهزة التنفيذية، مع إخضاعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية التابعين للبرلمان باعتباره سلطة الرقابة.
5.       تكون موافقة المجلس الأعلى للقضاء والجمعية العمومية لنادي القضاة على التشريعات والقوانين المتعلقة بإدارة شئون القضاء والعدل شرطا لسريان هذه التشريعات والقوانين. 
6.       يكون رئيس المجلس الأعلى للقضاء بحكم منصبه الرئيس التنفيذي المسئول عن تنفيذ السياسات التي يقرها المجلس الأعلى لإدارة شئون القضاء.
 

دكتور مدحت بكري

مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا