الأربعاء، 20 أغسطس 2014

هل ينطبق النموذج الفيزيائي على المؤامرة الصهيونية الأمريكية على المنطقة؟

دكتور مدحت بكري | مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا | القاهرة في 11 أغسطس 2014   
بعد مرور قرابة 45 شهرا منذ أحداث 25 يناير 2011 التي أسفرت عن "تخلي" الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011، وإسناده مهمة إدارة الدولة للمجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي، ما زال المجتمع مختلفا على طبيعة ما قد حدث... "ثورة أم مؤامرة"... "سلمية أم غير سلمية"، بل بدأ صراع بين أطراف جانب "الثورة السلمية" على من هو صاحبها. ثم انتقلت هذه المناظرة إلى محاكمة القرن، فرأتها "ثورة" النيابة العامة، لدوافع مختلفة منها ولاية النائب العام "الإخواني" عليها أثناء إعداد الادعاء، ورآها الدفاع "مؤامرة" كاملة الأبعاد. فهل حان الوقت لحسم طبيعة ما حدث لمصر؟
الواقع أنها "ثورة" شعبية، أشعلتها "مؤامرة" بين طرفين خارجي وداخلي، بدأها "عملاء" من المجتمع المدني للطرف الأجنبي مولهم ودربهم بالخارج والداخل ليتم استخدامهم كأدوات لإحداث الثورة، وليختطفها في النهاية، بتخطيط مسبق مع الطرف الأجنبي، الطرف المحلي في المؤامرة... "جماعة الإخوان"، وليخرج "من المولد بلا حمص" العملاء من الشباب الذين ظنوا أنفسهم شركاء فانتظروا اقتسام الغنائم، فتم استبعادهم تماما وأخرجوا، كعملاء بالأجرة، من المشهد الذي ظنوا أنهم شركاء فيه "بخفي حنين"، ليخيب أملهم ولتتعاظم مرارتهم ويستمروا في إثارة مزيد من الفوضى والسيولة في البلد، وهو الهدف الأساسي للمؤامرة. ولكن كيف؟
كان ما حدث في 25 يناير 2011 سلسلة من الأحداث التي أنتج فيها كل حدث الحدث التالي أو أثر فيه بسلسلة من ردود الفعل المستمرة المتسارعة chain reaction، وهي العملية التي تنتج منتجا أو منتجا ثانويا نشطا يؤدي إلى حدوث سلسلة إضافية من ردود الفعل، ويؤدي رد الفعل المرتد feedback إلى سلسلة من الأحداث المتزايدة ذاتيا، كأن يؤدي نيوترون طائش واحد إلى حدث تلقائي حرج يكفي لانهيار مفاعل نووي أو انفجار قنبلة نووية، أو تؤدي منتجات "نشطة"، في ظروف محفزة لتفاعل كيماوي إلى حدوث ردود فعل إضافية. كما يمكن تشبيه سلسلة ردود الفعل chain reaction، بالشرارة التي تسبب حريق الغابة في عاصفة برقية، أو كرة الثلج التي تتدحرج وتنمو نتيجة لطاقة الجاذبية الكامنة، لتحدت في النهاية انهيارا جليديا Avalanche، فيما يسمى "تأثير كرة الثلج"، أو التصادم التراكمي في حوادث الطرق السريعة.
وقد نشأ مصطلح chain reactions في العلوم الفيزيائية؛ أولاً في الكيمياء في الثلث الأول من القرن العشرين، حيث تم وصف التفاعلات الكيميائية المسلسلة واقتراح آليتها، ثم في الفيزياء في الأربعينات، حيث يؤدي انشطار نواة، كرد فعل لدخول نيوترون بطيء إليها في ظروف كمية مناسبة إلى chain reaction nuclear مستمر ذاتيا أو انفجاري، ثم انتقل المصطلح للاستخدام العام في مختلف المجالات لانطباقه، شأن النظريات العلمية، على الحياة ككل. ففي الستينات، وصف فريدمان حلقة تغذية مرتدة إيجابية positive feedback loop كآلية لإخفاقات كارثية في الاقتصاد، حيث تؤدي أزمة سيولة في وحدة نظام احتياطي مصرفي إلى بدأ عملية تراكمية لسلسلة من ردود الفعل تنتهي بانهيار اقتصادي. وفي بداية القرن الحالي، أدى انهيار فقاعة الائتمان الإسكاني في الولايات المتحدة إلى الانهيار الاقتصادي العالمي. ويمتد المثال إلى قضايا التعويضات، حيث يؤدي صدور حكم ضد شركة ما بدفع تعويض ضخم لأحد المتضررين من نشاطها إلى chain reaction من قضايا تعويض جديدة يرفعها آخرين، انفراديا أو جماعيا، ضد الشركة، وهكذا...
ولعل من المفيد أن نقارن ما حدث في 25 يناير 2011 بآلية تفاعلات السلسة الكيمائية chain reactions chemical التي تبدأ بإثارة جزيء، بحيث تنتج اثنين أو أكثر من الجزيئات الغير مستقرة، ويؤدي إلى تفرع ونمو السلسلة. والنتيجة في الواقع نمواً أُسياً متسارعا، يؤدي إلى زيادة انفجارية في معدل التفاعل، بل يؤدي تحت الظروف المناسبة إلى التفجيرات الكيميائية. وتبدأ هذه التفاعلات بخطوة بدء التفاعل Initiation step، التي تنتج جسيمات نشطة، تؤدي إلى عملية التفاعل Propagation step التي تشمل العديد من الخطوات الأولية، حيث تكون الجسيمات النشطة نوع آخر من الجسيمات النشطة التي تكمل سلسلة التفاعل التي يتحدد معدلها بظروف التفاعل وتؤدي إلى تفرع السلسلة وتكوين جسيمات نشطة جديدة أكثر من الداخلة في التفاعل، وليصل التفاعل إلى نهايته بخطوة الإنهاء Termination step وهي خطوة أولية تخسر فيها الجسيمات "النشطة" نشاطها لينتهي التفاعل.
فقد بدأ الإعداد لمشروع تفجير مصر والمنطقة بعد نصر أكتوبر مباشرة بما بدا كشهر عسل أمريكي- مصري، بدأ بزيارة نيكسون لمصر وتقارب سياسي بدا أنه تصحيح لما كان من انحياز لإسرائيل، ثم باتفاقيات المعونة الأمريكية وبرامج التعاون للوصول إلى حالة مفتعلة من الاعتماد المصري على المعونة الأمريكية، مصاحب بزيادة هائلة - غير متناسبة - في حجم هيئة المعونة الأمريكية والبعثة الدبلوماسية "الاستخباراتية" في القاهرة، وظهور سريع وانتشار واضح لنوادي الروتاري والليونز والغرفة التجارية الأمريكية واستقطابهم لرجال الأعمال الجدد المشبوهين الذين ظهروا مع الانفتاح الاقتصادي وخلق علاقات ومصالح مشتركة معهم، وهو ما أدى إلى توحش مجتمع الأعمال وانصرافه عن المصالح الوطنية إلى المصالح الخاصة، وإلى ظهور تحالفات متوحشة بين الحزب الحاكم ورجال الأعمال انتهت باستيلائهم الفعلي على وزارات حاكمة للنشاط الاقتصادي، فاتسعت الهوة بين الغنى والفقر وزاد الإحساس بالظلم والغضب بين الطبقتين المتوسطة والفقيرة طبقا للمخطط، وتم التمهيد لإطلاق chain reaction الثورة.  
يجب أن ندرك أن آلية "الفوضى الخلاقة" هي "عملية" طويلة الأجل من خطوات مطردة تستغرق سنوات لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، ارتكزت - قبل ذكاءهم - على غفلتنا وغبائنا وأنانيتنا والخيانة بيننا، وبدأت باستدعاء غضب الجماهير ضد دكتاتور مستبد وفاسد قاموا هم بتمكينه ومساندته لسنوات، ثم أتاحت المال والتدريب لقلة منتقاه من "النشطاء" المدربين والممولين - هم المقابل للجزيئات النشطة في تفاعلات السلسلة chain reactions - تم دسهم كطابور خامس بين الشباب، و أتاحت للشباب الوطني الغاضب المفتقد للعدالة والكرامة "القوة الناعمة[1]" اللازمة لإطلاق "الثورة المخططة"، ثم استغلت التناقضات والاختلافات بين القوى السياسية وإعلاميين من ضعاف النفوس لاختراق المجتمع وتحريك قوته الذاتية ضده بإذكاء النعرات الدينية والطائفية والتعصب واستقطابه لزعزعة البلد ونشر الفوضى ومنع العودة للاستقرار. واليوم، وبدلا من النظر إلى المستقبل، كلما ما بدا ان مصر تقترب من الهدوء والاستقرار، يزداد تصايح "النشطاء" المدفوعين وعنفهم باعتبارهم ثوارا فوق الحساب لهم كل الحقوق، ولسان حالهم أن لن ندع هذا الوطن يهدأ أبدا، وكأن الانتقام من مبارك أو التنكيل به أهم من بقاء مصر وحياة المصريين، ولتستمر حالة السيولة ويتم تفجير البلد وهو الهدف الأساسي للمؤامرة.  
لذلك لا يجب أن نصدق أو نظن للحظة أنهم قد فوجئوا بما أسموه قصدا "الربيع العربي،" فهذا كله جزء من "حيكة السناريو" ونحن بصدد اللعبة الكبرى "لعبة الأمم" وثوابت المصالح الخارجية والداخلية لا تسمح بذلك، والآلية تعتمد على التركيبة المجتمعية وعلى خصائص الفرقاء، وعلى الرغبة في منع عودة مصر للاستقرار ولاستمرار دفعها إلى الفوضى لتصبح الأرض ممهدة لتحقيق أهداف مخطط حقيقي ومعلن لتفجيرها. هذه الأهداف لم تزل كما هي - لم ولن تتغير وإن تغيرت الاستراتيجيات أو التحالفات والأدوات - وهي تؤذن بقرب إسقاط مصر في فتنة جديدة هي الخطوة الأخيرة "المعادة" في آلية الفوضى الخلاقة التي يريدون أن تنتهي بهزيمة نهائية لمصر من الداخل وتقسيم هذه الدولة ذات المقومات العظيمة التي استحالت عليهم بالحروب إلى دويلات على المقاس الصهيوني تصلح لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ولتصل رحلة القرن الصهيونية التي بدأت في 1897 إلى نهايتها وأهدافها طبقا للمخطط الصهيوني بنجاح.
يجب أن نفهم أن وقف سلسة التفاعل ومنع التفجير المخطط لمصر يتطلب تحقيق خطوة إنهاء التفاعل Termination step وهي خطوة لا تتحقق إلا بخسارة الجسيمات "النشطة" لطاقتها، وفي الفوضى الخلاقة بالقضاء على "النشطاء المدفوعين" المدربين والممولين واختفائهم من المسرح فورا!
دكتور مدحت بكري
مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا


[1]وصف جوليان أسانج Julian Assange، مؤسس ويكيليكس Wikileaks المواقع الاجتماعية - فيس بوك على وجه الخصوص - بأنها "أبشع آلة تجسس تم اختراعها على الإطلاق" ووصف الأستاذ بجامعة بروفانس جيرالد نيرو Gerald Nero مؤلف كتاب "مخاطر الانترنت Dangers of the Internet"، أحدث طرق التجسس التي قامت بها الاستخبارات الاسرائيلية ووكالة المخابرات المركزية على الإنترنت وكشف عن شبكة من مجندين إسرائيليين متخصصين في علم النفس للإيقاع بالشباب من العالم الثالث منذ مايو 2001.