الجمعة، 11 مايو 2012

"ما زال الكذوب يكذب حتى يصدقه الناس.. ثم ما زال يكذب حتى يصدق نفسه!" ... 1. المناظرة

وبالرغم من أن الجماعة العابرة للحدود - غبر الوطنية - التي ينتمي لها السيد أبو الفتوح قد اعتمدت - على مدى أكثر من ثمانين عاما - تزييف الحقائق التاريخية وغسيل الدماغ وأنها تزين لأعضائها الكذب بالرغم من تحالفها الصريح مع النظام منذ السبعينات - ثم غدرها به واغتيال الرئيس السادات - بينما تدعي الطهارة والفضيلة وتستخدم الآن كلمات مثل "الفزاعة" "والاضطهاد" للتضليل ولاكتساب تعاطف جمهور من صغار السن غير المعاصرين للحقائق التاريخية أغضبهم فساد واستبداد الحكم، ولا تتورع عن كيل الاتهامات جزافا لكل من تولى مسئولية وخدم الوطن.  
وقد أدهشني أن يقتصر وصف السيد عمرو موسى لعلاقات السيد أبو الفتوح مع القوى المختلفة بأنها مبنية عن ازدواجية الكلام ومواءمة المواقف، وأن يتجاوز عن ادعاء السيد أبو الفتوح بخبرات وقدرات لا يملكها - ولا يوجد أي دليل عليها - وأن يلتزم كياسته المعتادة ودبلوماسيته طوال المناظرة إزاء مناظر لم يتورع عن إهانة مجتمع بأكمله لينال من غريم كل ذنبه أن أخلص وتميز في خدمة وطنه، بينما كانت جماعة السيد أبو الفتوح شريكا كاملا للنظام. فهل كان السيد أبو الفتوح ينتظر من كل مصري وطني إذا ما تولى حكم مصر فاسد - أو حتى مارق - أن يترك البلد ويبحث له عن بلد أخر؟!
وبالرغم من أن تركيز هجوم السيد أبو الفتوح على دور السيد عمرو موسى في الحكومة قبل عام 2000 كان مفهوما ومبررا في إطار المناظرة، فقد اقتصر مديرا المناظرة في مقاربتهم لها على ما شاب النظام الساقط من فساد وغضا النظر - وكذلك السيد عمرو موسى - عما شاب مصادر تمويل الجماعة والتنظيمات المنبثقة عنها من غموض وفساد، واستخدامها للمال السياسي وللدين للتأثير على نتائج الانتخابات، وما اتسمت به من انحراف وعنف لعشرات السنين ودور السيد أبو الفتوح الذي امتد من إرهاب زملائه في الجامعة جسديا إلى علاقته بالتنظيم الذي اغتال الرئيس السادات. وقد كان التوازن وموضوعية العرض تقتضي تناول المناظرة لاعتبارات حيوية هي:
·         أن الجماعة - كتنظيم أصولي عابر للحدود، ذو طبيعة عسكرية يقسم أعضاؤه على السرية والولاء والطاعة لغير الوطن لا يدخل مصلحة مصر الوطنية كأولوية في حساباته وإنما تحركه شهوة السلطة وأجندات مخفية - هي من قاد الإسلام في مصر من الوسطية إلى  الوهابية، وأطلقت الإرهاب الديني في مصر منذ أربعينات القرن الماضي، واستخدمت الدين بلا حدود في السعي إلى السيطرة على الناس لخدمة أجندات سياسية غريبة على مصر، وهي التنظيم الأم الذي انبثقت عنه كل التنظيمات السلفية بما فيها تنظيم القاعدة.
·         أن الجماعة - كما يشهد تاريخها على مدى 83 عاما - لم تغير أهدافها ولكن ما تبدل هو استراتيجيتها كجزء من عملية تسويقية تستهدف قطاعات متباينة من المجتمع، فبينما أدخلت الجماعة مؤخرا ألفاظ "الديموقراطية والوطنية" على أدبياتها "الأصولية" للتمويه، تزيد التنظيمات السلفبة المنبثقة عنها من تشددها، وهي - ولها كيانات منظمة في نحو 80 دولة - ما زال يراودها حلم "دولة الإسلام العالمية" وتسعى لتحقيقه، وتستخدم الآن ديموقراطية الثورة - كما أعلن قادتها - "لامتلاك الأرض وفرض الرأي".
·         أن عشرات الآلاف من كبار مسئولي وموظفي الدولة الوطنيين الذين لا يعرفون لهم انتماء آخر - من أمثال السيد عمرو موسى - كان عليهم أن يخدموا مصر بإخلاص واقتدار لا يستطيعه أصحاب الأيديولوجيات المتطرفة والأجندات المخبأة والأفكار التكفيرية والتنظيمات العابرة للحدود الناكرة لحقوق المواطنة ولوحدة النسيج الوطني المصري.
·         أن فقر المصريين وعوزهم هو سر استسلامهم وانقيادهم، فالمحتاج يذكر الله ويدعوه بالفرج، ويرحب بالمحسن ويدعو الله له بحسن الجزاء، ويقبل شاكرا - دون ثمة سؤال - ثمنا لصوته الانتخابي صندوق التموين ليأكل العيال والدواء ليخف المرض. من هنا، فليس من المعقول أن تقود جماعات السيد أبو الفتوح النهضة والرخاء لأن من المنتظر أن يسأل المسلم المستغني المحسن بالأموال الأجنبية؛ "من أين لك بكل هذا الذي تشتري يه ولاءنا وأصواتنا؟!"، ولذلك، فإننا لا نعول على نية السيد أبو الفتوح في قيادة مشروع للنهضة الوطنية لأنه يتعارض مع مشروعه لدولة الإسلام العالمية.
لا شك أن في مصر قامات شاهقة خدمت وطنها - في ظل الفساد ورغما عنه - بينما كانت "الجماعة" وتنظيماتها العسكرية السرية تتآمر - على مدى تاريخها - لاغتيال مصريين عظماء وقتل زوار آمنين لمصر، فسالت دماء بريئة ما زالت على أيديهم تنتظر اعترافهم بالذنب واعلانهم التوبة والعودة لصفوف المواطنين الوطنيين ليعمل جميع المصريين - بكل فصائلهم- معا في هذا المفترق الحرج للغاية لإنقاذ "مصر التاريخية" من خطر داهم لم يسبق لمصر أن تعرضت لمثله أبدا؛ فهل تعود الآن للصفوف أم أن انتظارنا سيطول لثمانية عقود أخرى؟!
دكتور مدحت بكري

الأربعاء، 9 مايو 2012

الدكتورة ليلى تكلا: رئاسة الجمهورية‏..‏ وظيفة

نعم إنها وظيفة‏..‏ قد تكون أعلي وأخطر وأهم وظيفة في الدولة‏، ‏ لكنها تظل وظيفة عامة لا بد أن تخضع للقواعد العلمية في الاختيار بمعني توصيفها‏، ‏ وتصنيفها وتحديد الصفات والكفاءات المطلوبة لأدائها بنجاح ثم اختيار الشخص المناسب في ضوء هذه الحقائق،  ويقتضي التوضيح إشارة عاجلة لأصول المسألة.
بسقوط الإقطاع،  والتوسع،  والفتوحات،  ظهرت الحاجة إلي أعداد كبيرة من الموظفين يؤدون الوظائف المتزايدة للدولة،  وكي يضمن الحكام ولاءهم كان الاختيار يقوم علي ثلاثة اعتبارات شخصية هي: تعيين الأقارب،  أو المعارف والأصدقاء،  أو الأنصار السياسيين. أدي هذا الأسلوب إلي سوء الخدمة وفسادها وأصبح يطلق عليه نظام المفاسد System Spoils. وبظهور الثورة الصناعية والإدارة العلمية وضغط الجماهير وأصحاب الأعمال،  اتجهت الحكومات للاختيار علي أساس الكفاءة والمساواة فيما يعرف باسم نظام الصلاحية System Merit الذي يقوم علي تأكيد العلاقة بين متطلبات الوظيفة ومسئولياتها،  ومؤهلات شاغلها وقدراته،  لضمان نجاح تحقيق الهدف.
ثم ظهرت النظريات واستقرت المبادئ بأن الحكام ليسوا أصحاب السلطة،  تظل دائما للشعب فوضها لمن يختارهم للقيام بوظائفها علي أساس الصلاحية لهذا المنصب. والربط بين المسئولية المنوط بها الرئيس وصلاحية من يشغلها علي القيام بها يقتضي قبل كل شئ تحديد هذه المسئوليات بوضوح ودقة،  والمراجع في هذه المسئوليات واحد لا سواه هو الدستور وما يحدده بالنسبة لشكل نظام الحكم وتوزيع السلطات والاختصاصات. فأين ذلك الدستور؟ الدستور يوزع الاختصاصات ويحدد العلاقات بين الشركاء في الحكم،  ليكون رئاسيا أو برلمانيا أو مختلطا يبين تداول السلطة جمهورية أو ملكية وراثية أو انتخابية كما يحدد مصدر السلطة ديكتاتورية ديمقراطية دينية أم مدنية دستورية،  ليبرالية أم شمولية،  ومن الطبيعي أن تختلف الصفات والمواصفات المطلوبة لشغل منصب الرئيس حسب ما ينص عليه الدستور من نظم وما يحدد له من مسئوليات،  قد يصلح له أحد المرشحين أو بعضهم وقد لا يصلح له أي منهم،  ونحن ليس لدينا دستور يضع الأسس ويحدد النظم ويرسم الطريق.
ومن المهم هنا الإشارة إلي أربع حقائق أساسية:
·          المسيرة السياسية ضبابية وتزداد تخبطا لأننا لم نبدأ البداية الصحيحة،  لقد وضعنا الحصان خلف العربة فلم نتقدم للأمام بل هرولنا إلي الخلف وأصبحنا مثل العبقري الذي أراد أن ينتهي بسرعة من بناء عمارته فقرر أن يبدأ ببناء السطح أولا فانهار البنيان علي رأسه،  وإن كان الاعتراف بالحق فضيلة فإن العدول عن الخطأ والعودة للصواب فريضة.
·          نفرق هنا بين الصفات المطلوب توافرها في الشخص والمواصفات والقدرات والكفاءات والخبرة التي يتطلبها ذلك المنصب. أغلب ما كتب عما نريده في الرئيس يتعلق بصفات أخلاقية مطلوبة لكل منصب خاصة للرئاسة لكن النزاهة والأمانة والصدق والتقوي...إلخ وحدها لا تكفي. علينا تحديد المواصفات المهنية والقدرات والخبرة المطلوبة لمنصب الرئيس.
·          بالإضافة إلي ذلك الواقع العملي هناك واقع دستوري. إن اختيار الرئيس في ظل ذلك الغموض ثم صدور دستور يحدد شكل نظام الدولة قد ينتقص من شرعية وجود شاغل المنصب... ونبدأ من جديد!!
·          ندفع اليوم ثمن العودة لما يسمي نظام المفاسد وتجاهل الأسس العلمية للتنظيم والإدارة في تشكيل اللجنة التأسيسية. أغلب المختارين لم تكن لهم علاقة بالمواصفات المطلوبة لإنجاز المهمة. استبعد الاختيار نخبة تعتز بها مصر من فقهاء القانون والدستور والعلوم الاجتماعية والأمن والاقتصاد،  تجاهل فئات عديدة في المجتمع منها المرأة والشباب وأهالي التجمعات النائية مثل النوبة وغيرها وصغار العمال والفلاحين وذوي الاحتياجات الخاصة،  ولم يمثل الاتجاهات السياسية والدينية والثقافية والاقتصادية التي تزخر بها مصر والتي من حقها كلها أن تضع دستورا للوطن كله.
في ضوء هذه الحقائق أصبح علينا استيعاب خصائص المرحلة الكارثية التي تمر بها مصر والالتزام بالديمقراطية الناضجة وأسس الحكم الرشيد في تحديد المبادئ التي يجب أن يقوم عليها الدستور ومسئوليات الوظيفة الأولي والصفات والمواصفات المطلوبة في شاغلها،  ولتكن هذه هي المسئولية الأولي لكل كاتب ومفكر ومشرع بل كل مواطن ومواطنة بدلا من أمور سطحية تافهة انشغلنا بها،  وأصبحت تحتل المساحة الأكبر في الإعلام والحديث والكتابة،  إن الرئيس القادم إما أن يكون طوق النجاة وإما الصخرة التي تشدنا للقاع..
د. ليلي تكلا

السبت، 5 مايو 2012

السيد يس: مفكري الأمة يؤيدون عمرو موسى، فماذا عن عامة الشعب؟

كتب المفكر الاستراتيجي السيد يس:

"لم أندهش كثيرا لتوفيق عمرو موسي في التركيز علي مفهوم الرؤية الاستراتيجية، وتفصيل ما يراه من أفكار متعددة لتحقيقها علي أرض الواقع. فقد تابعت منذ سنوات مسيرته الحافلة منذ أن كان سفيرا مرموقا وطموحا في الخارجية، إلي أن أصبح وزير خارجية مصر، حيث احتل مكانة متفردة بين من شغلوا هذا المنصب من قبل، مما أضفي عليه جماهيرية شعبية واسعة. غير أن عمرو موسي بالإضافة إلي ذلك كان معنيا منذ وقت مبكر بالتفكير الاستراتيجي. ويشهد علي ذلك حرصه علي الاشتراك في المؤتمر الاستراتيجي العربي الأول الذي انعقد في عمان من15-17 سبتمبر1987 وهو المؤتمر الذي اقترحت فكرته، بعد أن أصدرنا في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام التقرير الاستراتيجي العربي عام1986. وكان هذا التقرير هو الخطوة الأولي لتنفيذ مشروع متكامل يتمثل في السعي المخطط لإنشاء جماعة عربية للأمن القومي تتكون من الباحثين في الاستراتيجية والدبلوماسيين وضباط القوات المسلحة. شارك في وفد المركز الذي سافر إلي عمان السفير- وقتها- عمرو موسي والذي كان هذا الوقت مدير الهيئات الدولية بوزارة الخارجية. وأتذكر حتي الآن أداءه رفيع المستوي في المؤتمر، حين تناول بالتفنيد عددا من الملاحظات النقدية التي وجهت إلي سياسة مصر الخارجية. ومن هنا يحق لنا القول أن البرنامج الرئاسي لعمرو موسي ليس وليد لحظة قراره بترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، ولكنه حصيلة اهتمام قديم بالتفكير الاستراتيجي بالمعني الشامل لكلمة الاستراتيجية، والتي لا تنفصل أبدا عن معني التنمية بمعناها الشامل.

وأريد لكي أدلل علي هذه الحقيقة أن أركز علي عدد من الأفكار المحورية التي صدر بها عمرو موسي برنامجه الطموح لإعادة بناء مصر. في السطور الأولي لمقدمة البرنامج نراه يتحدث عن الجمهورية الثانية التي يتمني قيادتها والتي ينبغي أن تكون ديمقراطية دستورية، تقوم علي مبادئ ثورة 25 يناير وتتأسس بناء علي حركة تغيير ثورية فعالة. وتقوم رؤية عمرو موسي علي أساس ثلاثة بنود رئيسية هي الديمقراطية والتغيير والتنمية. وفي تطبيق دقيق لنظرية الرؤية الاستراتيجية يقرر بكل وضوح إن رؤيتنا يجب أن تعتمد المتبقي من النصف الأول من القرن إطارا زمنيا لتحقيق طفرة حقيقية في حياة مصر والمصريين. ويضيف إن واحدا من العناصر الأساسية في بلورة أهداف تلك الرؤية هو توقع أن يصل عدد سكان مصر إلي مائة مليون نسمة في العقد القادم، وإلي مائة وخمسين مليونا أو يزيد بحلول عام 2050م (طبقا لمؤشرات الزيادة السكانية).وهو أمر يجب الإعداد له منذ الآن في مختلف مناحي الحياة المصرية. ويأتي علي رأس ذلك التعليم والصحة والبحث العلمي، وكذلك تعبئة الثروة الوطنية من الزراعة وإمكانيات توسعها، والصناعة والتكنولوجيا وحركة تعميقها وتنويعها وتوزيعها، والسياحة ومضاعفتها وغير ذلك من مجالات الحياة. ويضيف التزامه القاطع برفع راية المواطنة أساسا للوطنية المصرية والمنع الحاسم للتمييز بين المصريين وأن يشرع ذلك في الدستور، ويركز من بعد علي إثراء القوة اللينة لمصر وإحياء البحث العلمي واستعادة الزخم الفكري والروحي المصري في الآداب والعلوم والفنون. ويعطي أهمية خاصة للحفاظ علي الأمن القومي المصري بكل عناصره السياسية والاقتصادية.

وينهي عمرو موسي مقدمة برنامجه ومهامه، بأنه يعكس طموحات وآمال شعب مصر في مشروع جاد للنهضة، ويطرح برامج وخططا لتحقيقها في إطار من الواقعية التي تحصنها من تقديم الوعود الزائفة أو القفز إلي المجهول، ومن الإفراط في التفاؤل المضلل أو التشاؤم المثبط للهمم. هكذا تحدث عمرو موسي في مقدمة برنامجه المهم، ويبقي لنا قراءة ثانية في مفردات البرنامج، لنعرف هل كان واقعيا في رسم خطوات التغيير المرغوبة، وهل اعتمد علي تشخيص دقيق لمشكلات الحاضر تمهيدا لوضع ملامح المستقبل؟ أسئلة تستحق أن نتابع من بعد إجاباتها المتعددة."

السيد يس