الثلاثاء، 8 أبريل 2014

لمن نعطي مسئولية المرحلة... المشير السيسي أم السيد صباحي؟



لا شك أن علينا أن ندافع عن حق كل منا - بما في ذلك السيد حمدين صباحي - في التصدي لمسئولية الوطن إذا ما استشعر القدرة على إنجاز أهداف المرحلة والمهمة. إلا أن الظرف التاريخي الذي تمر به مصر، والذي يهدد بقاء مصر التاريخية من أساسه، يحتم علينا أن نفهم أن العبرة في اختيار المرشح يجب أن تكون باستيعابه لأبعاد الأزمة وأولوياتها، وبرؤيته للمستقبل وقدرته على "الإدارة بأهداف المرحلة والمهمة" التي تعرف بسابقة أعماله وخبراته، وليس بمواقفه السياسية التاريخية وقدرته على حشد الأنصار حوله بكلام مكرر عن اعتبارات ما كان في أنظمة سابقة لم تعد قائمة أصلا. ولذلك فلا يمكن أن يكون تاريخ النضال السياسي ومعارضة النظام ودخول السجن لمواقف سياسية وطنية أساسا لتوقع نجاح أي مرشح في مهمة خطيرة ومعقدة، تشمل، بل تغلب عليها، الجوانب الاستراتيجية والتنفيذية وتتطلب معرفة كاملة بأدواتها. إلا أن هذا الحق في التصدي للمسئولية الوطنية الخطيرة في مرحلة شديدة الحرج من تاريخ الوطن يجب أن يتأسس فقط على القدرة المبرهنة على الإنجاز، ولنا في أداء "مغرضي وعواجيز" المرحلة السابقة عبرة. من هنا، فإن التقييم الموضوعي المنصف لخبرات المرشح حمدين صباحي وتاريخه الوظيفي والعملي لا يمكن أن يؤسس لاستقراء فرصة لنجاحه في مهمته إذا ما اكتفينا بتاريخ النضال السياسي لانتخابه، بل أنها ترجح فشله في المهمة المعقدة شبه المستحيلة لأكثر الناس خبرة، فما بالنا بالأقل خبرة.

ولأن الجيوش هي من طورت واستخدمت علوم الإدارة، ولأن إدارة الجيوش الحديثة ترتكز على استخدام القدرات العلمية التي تم تطويرها على مستوى العالم، ولأن من المفروغ منه أن القوات المسلحة المصرية قد استوعبت الدرس وقامت بتطوير قدراتها بعد هزيمة 1967، واستخدمت قدراتها العلمية والإدارية الجديدة، في الإعداد والتخطيط لمعركة العبور، وشنت الحرب وحققت انتصارا مذهلا على عدو يملك التفوق تحصينا وكما وكيفا، وكان الإعداد النفسي للقوات، واختيار وقت وأسلوب العبور، وتنسيق الأسلحة، وتحريك الإمدادات، والابتكار الهندسي غير المسبوق لتدمير واقتحام خط بارليف الحصين. لكل ذلك كان في نجاح العبور وتحقيق السيطرة على الضفة الشرقية بالرغم من التفوق العسكري والمساعدات الأمريكية غير المحدودة شهادة للقوات المسلحة المصرية باستكمال تطويرها العلمي والمؤسسي، وانضمامها للمؤسسات العسكرية الحديثة المصنفة على المستوى العالمي، التي طورت واستخدمت - بحكم احتياجاتها - كل علوم الإدارة، بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي وبحوث العمليات وإدارة سلاسل التموين والتحريك، وإن ضمنت الولايات المتحدة التفوق لإسرائيل.

ولأن مصر لا تملك في هذه المرحلة رفاهية التجربة والخطأ، ولأننا في موقف استثنائي يتطلب قدرات استثنائية مجربة، ولأن حالنا لا يمكن أن يكون في هذه الظروف المستحيلة "عمل كالعادة business as usual" فليس أمامنا ثمة اختيار لنجاح عبور جديد أخطر وأصعب من عبور 1973 المظفر - الذي صنعته بأدوات الإدارة وأنجزته بالتضحية والفداء والدماء القوات المسلحة المصرية - إلا تولية المشير السيسي المسئولية. إلا أن الحمل الذي ينتظر المشير هو حمل مستحيل تنوء به الجبال، ولا يمكن أن يحمله فرد بمفرده مهما بلغت شجاعته وعبقريته في هذه الأنواء الدولية المصحوبة بهجمة إرهابية ليس على مصر فقط، ولكن على الإقليم بأكمله في تكرار تاريخي لتقسيم المنطقة في 1916، وهو ليس بطبيعة الحال ساحرا قادرا على تحقيق المستحيل، ولذلك فعلينا أن نفهم أن علينا جميعا أن نعينه عليه، وأن الوقت قد حان للعودة إلى شعار "الاتحاد والنظام والعمل" العبقري لثورة 1952، الذي لم نكن أبدا في حاجة أكثر لمعانيه، حتى في يوليو 1952.

وعلى أي حال، فإن توجيه الإهانات وتسفيه القوات المسلحة والتقليل من شأنها واستعداء الناس عليها لا يفيد التقييم الموضوعي للموقف الوطني، وإذا كان المشير السيسي، وهو خريج وقائد لمؤسسة عسكرية مصنفة، لن يحل أزمة البطالة، ولن يحل مشكلات الأجور وسوف يعتمد على المزيد من الاقتراض الخارجي والاستثمارات الخارجية كما يقول المغرضون، فكيف ولماذا يستطيع السيد حمدين صباحي وهو مجرد مناضل سياسي وسجين رأي بلا أي خبرات أن يحقق أي شيء؟


دكتور مدحت بكري
مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا