الجمعة، 16 سبتمبر 2011

بل كان البطريرك الراعي بعيد النظر ومدركا لما ينتظر المنطقة وشجاعا وكبيرا .. فقال الشيئ في وقته ومقامه!

عندما ذهب البطريرك الراعي إلى باريس كان مضيفوه مطمئنون إلى أن مشروعهم لإعادة ترتيب المنطقة الذي أعدته سلفا الحركة الصهيونية العالمية وقدمه الزعيم الصهيوني المعاصر برنارد لويس Lewis Bernard للكونجرس الأمريكي في ثمانينات القرن الماضي، وطوره Richard Perle ومجموعة المستشارين الصهاينة الأمريكيين في تسعينات القرن الماضي، وتبنته الإدارة الأمريكية السابقة كمشروع ينهي الصراع ويحقق "نهائية" إسرائيل، والذي أعلنه الرئيس الأمريكي جورج بوش أمام National Endowment for Democracy-NED في نوفمبر 2003، ثم أكده في يونيو 2004 أمام قمة مجموعة الثمانية بجورجيا كمبادرة الشرق الأوسط الكبير "Greater Middle East Initiative-GMEI" يسير في الاتجاه الصحيح ويحقق تقدما مطردا ويوشك أن ينهي إلى الأبد مشكلة الشرق الأوسط المزمنة التي أرهقتهم ويحول إسرائيل إلى مركز دائم للسيطرة يضمن لهم استغلال ثروات منطقة نفوذهم.
وكانوا ينتظرون أن يستمعوا من بطريرك أنطاكية وسائر المشرق - باعتباره راعيا للطائفة المارونية التي عانت لسنوات طويلة من توترات طائفية - إلى مطالب مسيحية تتضمن الأراضي ومصادر المياه والثروات الطبيعية وحقول الغاز البحرية التي يطلبها للدويلة المسيحية الجديدة المنتظر ولادتها في إطار المخطط. ولم لا، أليس هذا هو نموذج الدولة الدينية الذي يتفق عليه ويسعى إلى تطبيقه الصهاينة والمتطرفين الإسلاميين؛ سنة وشيعة؟ أليست هذه فرصة كبرى في هذا الزمن الردئ لاقتناص الفرص وتحقيق المكاسب وزيادة الرقعة وتأمين الموارد للطائفة؟!
إلا أن الرجل الكبير - الذي فهم واستوعب ما أعلنه الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته عن إطلاق "مشروع الشرق الأوسط الكبير الجديد وآلية الفوضى الخلاقة" - فاجأ مضيفيه كما فاجأ الجميع؛ لقد رفض مشروع الدويلات الدينية الذي يضعف الجميع، ووجه تحذيرا واضحا لمضيفيه بأنه أول من يرفض هذا المصير للمنطقة التي تعرف الطريق إلى العيش المشترك، ورفض أن يعلق موقفه المبدئي على مسألة استمرار أو سقوط نظام أو دكتاتور هنا أو هناك بينما يعلم يقينا أنهم يقودون المنطقة إلى استئثار طائفي ينتج صراعا طائفيا يتبعه تقسيم جديد بين الطوائف ودويلات دينية.
ولم يصدق المضيف ما سمع من رجل وطني عظيم يحب كل أهل بلده ويؤمن بوحدة النسيج الوطني وخصوصية علاقة الإنسان بربه، فأرسل سفيره يطلب توضيحا، وربما تراجعا!
دكتور مدحت بكري

الأحد، 4 سبتمبر 2011

دكتور محمد عامر: بـخطـى واثـقــة . . نبنى مصــر ديموقراطـــيا

كتب الصديق الأستاذ الدكتور محمد عامر[i]:
شسئا فشيئا يتحول الخلاف حول أسبقية الدستور أو البرلمان إلى خلاف حول جواز وضع مبادئ حاكمة للدستور وضوابط لاختيار الجمعية التأسيسية التى ستعد مشروعه. يتغير موضوع الخلاف وإن لم يتغير طرفا الخلاف.
وكلا الخلافين تنقصه الشفافية. فالخلاف حقيقة ليس حول الأسبقية ولا هو حول جواز وضع المبادئ أو الضوابط، وإنما هو حول الدستور نفسه. ويبدو أن نقص الشفافية قد أدى إلى نقص الرصانة، فأتى كل من الطرفين بعلل أو اقتراحات زرق العيون عليها أوجه سود.
وللأسف فإن نقص الشفافية قد امتد مما فيه خلاف كبير، إلى ما عليه اتفاق واسع، كوثيقة الأزهر. فقد "أكد الدكتور محمد مرسى، رئيس حزب الحرية والعدالة والدكتور عصام العريان، نائب رئيس الحزب، موافقتهم على ما جاء فى وثيقة الأزهر، مؤكدين أن الوثيقة وافقت عليها كل القوى السياسية وأنهت الجدل حول ما يقال عن المبادئ الحاكمة للدستور أو الفوق دستورية وما أثارته من جدل فكرى وسياسى." (أهرام الخميس 18/8/2011م، ص 4)، بينما أكد الدكتور عبد الرحمن البر عضو مكتب الإرشاد فى جماعة الأخوان المسلمين التى ينبثق منها حزب الحرية والعدالة "أن جماعة الأخوان قبلت هذه الوثيقة وأيدتها كمادة مناسبة للحوار بين التيارات الدينية والليبرالية فقط." (وفد الخميس 18/8/2011م، ص 2)!
وفى هذا الظرف الدقيق الذى تمر به مصر فإننا فى أمس الحاجة إلى أن نكون أكثر شفافية وعمقا ودقة وإحكاما وجرأة. وهذا ما أرجو أن يساعد عليه طرح النقاط التالية:

أولا .. إرادة الشعب واستفتاء 19 مارس

يقول بعض انصار أسبقية البرلمان وعدم جواز وضع مبادئ أو ضوابط، إنهم إنما يدافعون عن إرادة الشعب كما عبرت عنها الأغلبية فى استفتاء 19 مارس:
1.      تنص المادة [77] المعدلة، كما أجيزت فى الاستفتاء، على أن "مدة الرئاسة أربع سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب. ...".
2.   بينما تبدأ مدة الرئاسة فى الواقع من تاريخ تولى السلطة بأداء اليمين القانونية (مثلا) وليس من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب. فهل يريد الشعب أن يتضمن دستوره هذا النص المعيب؟!
3.   بقاء هذا العيب ليس صدفة، فالتعديلات المقترحة لم تكن أكثر من مشروع يجب طرحة للنقاش العام، لكنه لم يطرح، ولو كان قد طرح لظهر هذا العيب وغيره.
4.   الأخطر من هذا أنه لم يكن واضحا ما الذى سيترتب على إجازة التعديلات المستفتى عليها أو عدم إجازتها. وإن كان البعض قد قال إن المفهوم ضمنا أن الإجازة سيترتب عليها تفعيل الدستور المعطل بعد تعديله. لكن لم يقل أحد إن لديه أى ترجيح أو حتى توقع للذى يمكن أن يترتب على عدم الإجازة. وعلى وجه التحديد لم يقل أحد إن عدم الإجازة سيترتب عليه عودة الدستور المعطل كما كان.
5.   إزاء هذا الغموض كان الموقف السليم هو عدم المشاركة فى الاستفتاء، وهذا مافعله ثلاثة اخماس الناخبين. فإذا أضفنا إليهم الذين قالوا لا، يكون عدد الذين لم يقولوا نعم – تبعا للأرقام المعلنة – ضعفىّ الذين قالوا نعم. بكلمات أخرى، يكون عدد الذين قالوا نعم ثلث عدد الناخبين، أما الثلثان الآخران فالأرجح انهم قد وجدوا أن هذا الاستفتاء غير المبين لا يمكن أن يكشف عن إدارة الأمة.
6.      أين إذن إرادة الأمة هذه التى يزعم البعض أنهم يدافعون عنها؟

ثانيـــا .. الإعلان الدستورى بعد الاستفتاء

بعد إجراء الاستفتاء بنحو عشرة أيام أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الإعلان الدستورى الذى تدار البلاد على أساسه حاليا:
1.      يصعب أن يدّعى أحد أنه كان يعرف سلفا أن هذا الاعلان هو ما كان سيترتب على نتيجة الاستفتاء. إذ لو كان الأمر كذلك فلماذا لم يجر الاستفتاء على الاعلان بد لا من إجرائه على التعديل؟
2.   تنص المادة [29] من الاعلان الدستورى على أن "مدة الرئاسة اربع سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب، ... ". بينما تنص المادة [30] من ذات الإعلان على أن "يؤدى الرئيس أمام مجلس الشعب قبل أن يباشر مهام منصبه اليمين الأتية: ...".
3.      وعلى هذا فإن مدة الرئاسة ستبدأ قبل أن يباشر الرئيس مهام منصبه، أو أن الرئيس سيؤدى اليمين قبل تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب!
4.   كان من الممكن تجنب هذا الخطأ، وما قد يكون هناك من أخطاء أخرى، لو أن الإعلان الدستورى كان قد طرح للحوار الشعبى قبل إصداره، الأمر الذى لم يحدث، والذى ارجو ان يتدارك مستقبلا، فالمادة [3] من الاعلان تنص على أن "السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية".
5.   يتغير الواقع، ثم يتغير الإدراك ليواكب الواقع المتجدد، ثم يتغير السلوك ليواكب الإدراك المتجدد. وهذه العملية تتطلب وقتا يطول أو يقصر تبعا للظروف.
6.      بدأ التحضير لاستفتاء 19 مارس على التعديلات الدستورية بتشكيل لجنة لاعداد هذه التعديلات، قبل هذا التاريخ بنحو شهر. كان الأمر كله أقرب إلى استنساخ خطة الرئيس السابق حسنى مبارك لتعديل الدستور، التى ربما كانت صالحة لإصلاح النظام الذى كان قائما قبل 11 فبراير. أما بعد 19 مارس فلم يعد الأمر كذلك. لقد تغير الواقع، والإدراك أيضا.
وانطلاقا من رؤيته للواقع الجديد، الذى لا يزال فى حالة سيولة شديدة وتغير متسارع، أدخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الذى يحظى بقبول عام كمفوض لإدارة شئون البلاد فى هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة) تعديلات على التعديلات، ثم وضعها فى سياق آخر هو الاعلان الدستورى الذى اصدره فى 30 مارس دون طرحه للحوار ولا للاستفتاء.
7.   يحق لأى طرف أن يرى أن الاعلان الدستورى لا يزال صالحا لعبور المرحلة الانتقالية، لكن دون أن يدّعى أنه بهذا إنما يدافع عن إدارة الشعب. أيضا يحق لأى طرف أن يرى – دون أن يتهم بإهدار هذه الإدارة – أن هذا الاعلان لم يعد (أو لم يكن أصلا) صالحا لعبور هذه المرحلة، وأنه يمكن للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أصدره أن يضيف إليه أو يعدله كى يصير أقدر على انجاز المهمة التى أصدر من أجلها.

ثالثـــا .. المبادئ الحاكمة أو الأساسية

يحمد لبعض أنصار أسبقية الدستور، أو وضع مبادئ حاكمة أو أساسية له، أنهم قد شرعوا بالفعل فى طرح وثائق تتضمن رؤيتهم:
1.   تنص المادة [2] فى إحدى هذه الوثائق على "تقرير السيادة للشعب وحده باعتباره مصدر السلطات". بينما تنص المادة [5] فى ذات الوثيقة على "تحديد آلية تعديل الدستور مع وضع الضمانات للمبادئ الحاكمة للدستور "النظام الجمهورى – مدنية الدولة - ..." باعتبارها مما لا يجوز تعديله لاحقا". ناقضة بهذا اعتبارها فى المادة [2] أن الشعب مصدر السلطات، إذ أنها تفرض على الشعب سلطة السلف، ولا تسمح له حتى بالتعديل.
2.      يتصل بهذا ما تنص عليه المادة [7] فى ذات الوثيقة من "تحديد الآليات الضامنة لحماية الدولة المدنية بما فى ذلك التزام القوات المسلحة المصرية ... بحماية النظام الجمهورى المدنى ... بعد عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا ...". مشككة بهذا فى تقريرها فى المادة [2] أن السيادة للشعب وحده، إذ أنها بهذه الآليات قد تخضع الشعب للجيش، بدلا من العكس.

رابعـــا .. المواد فوق الدستورية

المواد فوق الدستورية (أى التى لا يجوز تعديلها، أو لا يمكن تنقيحها) هى مواد سلفية غير ديمقراطية، إذ أنها تفرض سلطة السلف على الخلف. رغم هذا قد يرى البعض أن فوائدها فى بعض الظروف تكون اكبر من أضرارها. فماذا يقول تاريخنا الدستورى فى هذا الشأن؟
1.   تنص المادة [156] من دستور 23 فيما تنص على أن "الأحكام الخاصة بشكل الحكومة النيابى البرلمانى وبنظام وراثة العرش وبمبادئ الحرية والمساواة التى يكفلها هذا الدستور لا يمكن اقتراح تنقيحها".
ولضمان عدم الالتفاف حول هذه المادة فوق الدستورية ("المتوازنة"، فهى تقايض حرمان الأمة من إمكان تغيير النظام الملكى بحرمان الملك من أمكان تغيير شكل الحكم النيابى ومبادئ الحريات) نصت المادة ل[155] على أنه "لا يجوز لأية حال تعطيل حكم من احكام هذا الدستور إلا أن يكون ذلك وقتيا فى زمن الحرب أو أثناء قيام الأحكام العرقية وعلى الوجه المبين فى القانون.
وعلى أى حال لا يجوز تعطيل انعقاد البرلمان متى توفرت فى انعقاده الشروط المقررة بهذا الدستور".
2.   فماذا فعل الملك فؤاد عندما اراد أن يعطل انعقاد البرلمان بالمخالفة للدستور؟ عطل المادة [155] ذاتها، إلى جانب احكام دستورية اخرى، رغم أن هذا لم يكن فى زمن الحرب ولا أثناء قيام الأحكام العرفية. اى أن تعطيل المادة التى لا تجيز له هذا التعطيل لم يكن دستوريا. لكنه فعلها!
وتحت الضغط الشعبى وتطورات مفاوضات الحكومة غير البرلمانية مع الانجليز، اعاد الملك العمل بالمواد الدستورية الموقوفة، والحياة النيابية المعطلة، بعد أقل من عام ونصف، رغم أنه كان مخططا لهذا التعطيل أن يستمر ثلاث سنين على الأقل.
3.   لم يحتمل الملك الوضع الجديد طويلا. فبعد أقل من عام كان قد عقد العزم على تعديل، وليس فقط تعطيل، بعض المواد غير القابلة للتعديل. فماذا فعل؟ عصف بالدستور كله! فأصدر فى 22/10/1930م أمرا تنص مادته الأولى على أن "يبطل العمل بالدستور القائم ويستبدل به الدستور الملحق بهذا الأمر ويحل المجلسان الحاليان".
جرى هذا بإدارة الملك المنفردة، بناء على اقتراح حكومة اسماعيل صدقى غير البرلمانية التى عينها الملك، رغم أن المادة [23] فى كل من الدستوريين القديم والجديد تنص على أن "جميع السلطات مصدرها الأمة واستعمالها يكون على الوجه المبين بهذا الدستور"!
ولتثبيت الدستور الجديد نصت المادة [156] فيه على أنه "لا يجوز اقتراح تنقيح هذا الدستور فى العشر السنوات التى تلى العمل به".
4.   غير انه كان للحركة الشعبية رأى آخر. فتحت ضغطها تراجع الملك وأبطل العمل بالدستور الجديد فى 30/11/1934م. ثم تكفل ما يعرف بثورة 1935م بإجبار الملك والانجليز معا فى 12/12/1935م، على إعادة العمل بدستور 23 إعتبار من تاريخ انعقاد البرلمان (الجديد، الذى اجريت انتخاباته فى أوائل عام 1936م).
5.      درس التاريخ إذن يقول إن المهم هو يقظة الشعب ونضاله، وليس المواد فوق الدستورية.

خامســـا .. الديمقراطية وحقوق وحريات الأقليات

1.   الديمقراطية لا تعنى مجرد حكم الأغلبية، بل تعنى أيضا ضمان حقوق وحريات الأقليات، بما فى ذلك حريتها فى أن تسعى إلى أن تصير الأغلبية مستقبلا.
وحقوق وحريات الأقليات ليست أمرا يخصهم وحدهم، بل هى ضرورية لحيوية وازدهار وتقدم المجتمع. فالجديد يبدأ برؤية قلة، قد تكون من فرد واحد، وفى مناخ الحريات الصحى تتفاعل هذه الرؤية مع غيرها من الرؤى، وتتفاعل هذه الأقلية مع غيرها من أبناء المجتمع، فيتطور الفكر ويتطور المجتمع.
2.      ولذا فعندما نقول بسيادة الدستور والقانون لا نعنى أى دستور ولا أى قانون، بل نعنى الدستور والقانون اللذين يضمنان الحرية والمساواة للجميع، كما يضمنان أن تكون السيادة للشعب (بالمعنى الجامع لكل أبنائه المانع لغيرهم) وأن يكون هو مصدر السلطات.

سادســـا .. ديكاتورية الأغلبية

1.   إذا رفضت الأغلبية حق الأقليات فى الحرية والمساواة، أو غير ذلك من الحقوق، وأرادت فرض سيطرتها، لأنها الأغلبية، فسيخرجنا هذا من الديمقراطية إلى ديكاتورية الأغلبية.
2.   بفضل ثورة 25 يناير صارت مصر فى حالة سيولة شديدة: واقع جديد يتشكل، ووعى جديد يتشكل، وجماعات جديدة تتشكل. وعلى هذا فالأرجح أن أغلبية الغد لن تكون هى أغلبية اليوم. وأن تفرض أغلبية اليوم ديكتاتوريتها لن يعنى إلا أسر مستقبل مصر فى سجن الحاضر، أو حتى الماضى. وفى هذا إجهاض للثورة.
3.   أما ان تقيم الأقلية دولة مدنية "ديمقراطية" يحميها السلف والقوات المسلحة، فهو ليس بديلا ديمقراطيا، بل هو ديكتاتورية الأقلية. وفى هذا أيضا إجهاض للثورة.
4.   إذا ما انزلقنا إلى هذه الديكتاتورية أو تلك، فسندخل فى مأزق حقيقى، يفضى بنا إلى صراع لن ينتهى إلا عندما يقبل الجميع فكرا وفعلا بحق الجميع فى الحرية والمساواة وغير ذلك من الحقوق.

سابعـــا .. الحوار الشعبي والتوافق

1.   لنستلهم روح ثورة يناير ونسعى للوصول إلى توافق يجنبنا هذا الصراع. وحبذا أن يمتد هذا التوافق إلى تكوين جبهة سياسية تقود البلاد فى السنوات القادمة، بما فى ذلك اختيار رئيس جمهورية توافقى وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
2.   الديمقراطية عملية مستمرة، وليست مجرد حدث، كإصدار دستور ديمقراطى مثلا. فالنصوص – على أهميتها – تظل جامدة إلى أن تبعث فيها الممارسة الحياة. والنصوص والحياة التى تبعث فيها تكون سليمة أو سقيمة تبعا لتطور علاقات القوى، كما يستفاد مما أوضحناه فى بند (4) عالية.
3.   ومشكلة الديمقراطية التى نواجهها فى هذه المرحلة الدقيقة من تطورنا، هى جزء من عملية مستمرة فى مصر مدا وجزرا منذ ثورة عرابى (إن لم يكن قبل ذلك). وفى الحاضر، كما فى الماضى، لا يجوز أن يقتصر علاج المشكلة على القاعات المغلقة، بل يجب أن يمتد إلى العمل الجماهيرى. فالشعب، صاحب السيادة، هو القادر على توجيه الساسة كى يتوافقوا ويجبهوا.
4.   أيضا الشعب، صاحب السيادة، هو القادر على توجيه الجمعية التأسيسية التى ستتولى اعداد مشروع الدستور الجديد، والتى ستعمل تحت سمع الشعب وبصره.
5.      ولزيادة فرص إعداد دستور جيد، يجب أن نطرح من الآن على الحوار الشعبى – إلى جانب المبادئ العامة والأساسية للدستور – القضايا التى قد تكون خلافية: توزيع السلطات بين البرلمان ومجلس الوزراء ورئيس الجمهورية – تكوين البرلمان (من مجلس واحد أم من مجلسين؟) – كوتة المرأة والعمال والفلاحين (تعود كما كانت، تعدل أم تلغى؟) – الحكم المحلى (سلطاتة – انتخاب القائمين عليه من العمد حتى المحافظين، طبعا إلى جانب المجالس الشعبية) – ... . بل حبذا أن نطرح للحوار مشروح دستور كامل. وعلى قدر النجاح فى بلورة رأى عام قوى حول الدستور، كله أو بعضة، يأتى النجاح فى توجيه الجمعية التأسيسية.
6.   علينا أن نقوم بكل هذا بخطى واثقة، متبعين سياسة النفس الطويل. وأيا كان نصيبنا من النجاح، فلنكن دائما مستعدين لتقديم التضحيات التى يتطلبها تطوير مصر ديمقراطيا.
7.      رفعت الثورة المصرية وشقيقاتها الثورات العربية شعار: الكرامة الإنسانية.
وكما أنه لا كرامة مع الاستبداد الداخلى، فإنه لا كرامة مع القهر الخارجى. ولذا فإن قوى البغى والعدوان، وعلى رأسها الامبريالية الأمريكية الإرهابية وقلعتها الأمامية: الكيان الصهيونى الاستعمارى الاستيطانى الإرهابى العنصرى، التى تتوهم انها قد طبعتنا حتى صار خضوعنا لها طبيعة ثانية فينا، ستكثف ضغوطها علينا لكى تجهض ثوراتنا. ولمواجهة هذا الخطر الخارجى فإن وحدتنا الداخلية القائمة على أسس ديمقراطية تكون اكثر إلحاحاً.
الخميس 18/8/2011م.


[i] أستاذ الرياضبات، كلية العلوم، جامعة القاهرة