كتب المفكر الاستراتيجي السيد يس:
"لم أندهش كثيرا لتوفيق عمرو موسي في التركيز علي مفهوم الرؤية الاستراتيجية، وتفصيل ما يراه من أفكار متعددة لتحقيقها علي أرض الواقع. فقد تابعت منذ سنوات مسيرته الحافلة منذ أن كان سفيرا مرموقا وطموحا في الخارجية، إلي أن أصبح وزير خارجية مصر، حيث احتل مكانة متفردة بين من شغلوا هذا المنصب من قبل، مما أضفي عليه جماهيرية شعبية واسعة. غير أن عمرو موسي بالإضافة إلي ذلك كان معنيا منذ وقت مبكر بالتفكير الاستراتيجي. ويشهد علي ذلك حرصه علي الاشتراك في المؤتمر الاستراتيجي العربي الأول الذي انعقد في عمان من15-17 سبتمبر1987 وهو المؤتمر الذي اقترحت فكرته، بعد أن أصدرنا في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام التقرير الاستراتيجي العربي عام1986. وكان هذا التقرير هو الخطوة الأولي لتنفيذ مشروع متكامل يتمثل في السعي المخطط لإنشاء جماعة عربية للأمن القومي تتكون من الباحثين في الاستراتيجية والدبلوماسيين وضباط القوات المسلحة. شارك في وفد المركز الذي سافر إلي عمان السفير- وقتها- عمرو موسي والذي كان هذا الوقت مدير الهيئات الدولية بوزارة الخارجية. وأتذكر حتي الآن أداءه رفيع المستوي في المؤتمر، حين تناول بالتفنيد عددا من الملاحظات النقدية التي وجهت إلي سياسة مصر الخارجية. ومن هنا يحق لنا القول أن البرنامج الرئاسي لعمرو موسي ليس وليد لحظة قراره بترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، ولكنه حصيلة اهتمام قديم بالتفكير الاستراتيجي بالمعني الشامل لكلمة الاستراتيجية، والتي لا تنفصل أبدا عن معني التنمية بمعناها الشامل.
وأريد لكي أدلل علي هذه الحقيقة أن أركز علي عدد من الأفكار المحورية التي صدر بها عمرو موسي برنامجه الطموح لإعادة بناء مصر. في السطور الأولي لمقدمة البرنامج نراه يتحدث عن الجمهورية الثانية التي يتمني قيادتها والتي ينبغي أن تكون ديمقراطية دستورية، تقوم علي مبادئ ثورة 25 يناير وتتأسس بناء علي حركة تغيير ثورية فعالة. وتقوم رؤية عمرو موسي علي أساس ثلاثة بنود رئيسية هي الديمقراطية والتغيير والتنمية. وفي تطبيق دقيق لنظرية الرؤية الاستراتيجية يقرر بكل وضوح إن رؤيتنا يجب أن تعتمد المتبقي من النصف الأول من القرن إطارا زمنيا لتحقيق طفرة حقيقية في حياة مصر والمصريين. ويضيف إن واحدا من العناصر الأساسية في بلورة أهداف تلك الرؤية هو توقع أن يصل عدد سكان مصر إلي مائة مليون نسمة في العقد القادم، وإلي مائة وخمسين مليونا أو يزيد بحلول عام 2050م (طبقا لمؤشرات الزيادة السكانية).وهو أمر يجب الإعداد له منذ الآن في مختلف مناحي الحياة المصرية. ويأتي علي رأس ذلك التعليم والصحة والبحث العلمي، وكذلك تعبئة الثروة الوطنية من الزراعة وإمكانيات توسعها، والصناعة والتكنولوجيا وحركة تعميقها وتنويعها وتوزيعها، والسياحة ومضاعفتها وغير ذلك من مجالات الحياة. ويضيف التزامه القاطع برفع راية المواطنة أساسا للوطنية المصرية والمنع الحاسم للتمييز بين المصريين وأن يشرع ذلك في الدستور، ويركز من بعد علي إثراء القوة اللينة لمصر وإحياء البحث العلمي واستعادة الزخم الفكري والروحي المصري في الآداب والعلوم والفنون. ويعطي أهمية خاصة للحفاظ علي الأمن القومي المصري بكل عناصره السياسية والاقتصادية.
وينهي عمرو موسي مقدمة برنامجه ومهامه، بأنه يعكس طموحات وآمال شعب مصر في مشروع جاد للنهضة، ويطرح برامج وخططا لتحقيقها في إطار من الواقعية التي تحصنها من تقديم الوعود الزائفة أو القفز إلي المجهول، ومن الإفراط في التفاؤل المضلل أو التشاؤم المثبط للهمم. هكذا تحدث عمرو موسي في مقدمة برنامجه المهم، ويبقي لنا قراءة ثانية في مفردات البرنامج، لنعرف هل كان واقعيا في رسم خطوات التغيير المرغوبة، وهل اعتمد علي تشخيص دقيق لمشكلات الحاضر تمهيدا لوضع ملامح المستقبل؟ أسئلة تستحق أن نتابع من بعد إجاباتها المتعددة."
السيد يس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق