السادة حزب طظ في مصر وحلفاء لهم من السلفيين المسيطرين علي عقول وأفئدة البسطاء من المصريين يمثلون مقدمة جيش التخلف والجهل الذى تستعد جحافله لغزو مصر في أفواج متتالية قادمة من أرض الحجاز والعتبات المقدسة يمهد كل فوج أرض المعركة للفوج الأكثر تخلفا الذى يليه حتي يتم إلحاق أرض الكنانة بمعسكر الوهابية الذى تنظم امريكا تحركه لصالح تأمين البترول وإسرائيل.
المعركة اتضحت معالمها.. المعاصرة في مقابل التخلف.. استمرار المعاناة والحياة في ظروف منحطة في مواجهة العمل والجهد لتغيير الواقع.. المساهمة في الجهد الإنساني لتقدم البشر، في مقاومة مع هؤلاء الذين يتخيلون ان الله قد خلق الكفار لكي يعملوا وينتجوا ونحن لنغزوهم ونحتلهم ونتمتع بإنتاجهم.
المسلمون طول تاريخهم الممتد لأربعة عشر قرنا كانوا عالة علي الدول المتقدمة ولم ينتجوا أبدا بل استهلكوا ما بيد الشعوب المقهورة قديما والطامعين في بترولهم حديثا المسلمون لا يتقنون أي مهنة أو عمل عدا قطع الطرق والإغارة علي الآمنين والسطو المسلح وأخذ الغنائم والسبايا، وعندما تستتب الأمور لهم تصبح التجارة هي المصدر الأساسي للرزق.. ومع ذلك فالتاجر المسلم لم يكن قدوة حسنة ومازال أغلبهم يكذبون (كتقية) ويتآمرون ويخدعون.. التاجر المسلم، لا يمكن أن تثق في بضاعته أو حديثه أو وعده أو قسمه.. انه يعتبر خداعك واجبا مقدسا لأنك كافر - في رأيه - حتي لو كنت زميله في الجماعة.. رجال الأعمال المسلمون لا يتقنون إلا خداع المستهلك والمودع لأمواله عندهم والهرب بها.. ليخدع آخرين بنفس الاسلوب انها اخلاق البدو التي يتوارثونها أبا عن جد ولا سبيل لتغييرها .
في الاحياء الفقيرة من مدينة القاهرة تجد بشرا يتحركون ببطء الرجال مثقلين بالهموم والنساء المقهورة والمغيبة تسعي دون حماس، فالشوارع ضيقة ومغمورة بالمجاري والقمامة علي الجانبين والمنازل ضيقة تعاني من سوء التهوية وزيادة عدد القاطنين والأطفال في الحواري تنطلق دون هدف أو رقيب.. وجوه حزينة تعاني من اكتئاب مزمن ومع ذلك يمكن ملاحظة تزايد أعداد الرجال الذين أطلقوا لحاهم يوما بعد يوم.. وعدد السيدات والفتيات المختبئات تحت كيس أسود يغطيها من قمة رأسها الي قدميها.. أتساءل ما الذى دعي هؤلاء لتغيير نمط حياتهم هل قدم لهم السلفيون مفردات حياة أفضل وغيروا لهم السكن والطعام والمدرسة والمستشفى أم انها الهزيمة الكبرى الثانية التي أطاحت برشد المصري وجعلته تابعا لهؤلاء المدعين.
الاخوان والسلفيون لا يعرفون كيفية ادارة دولة كل ما يعرفونه كيف يخطفون ويهربون الاقتصاد لا معني له لديهم انه من علوم الكفرة أما البديل فهو بيت المال والزكاة والشحاتة من القادرين، لا يعرفون من العلوم إلا علوم الفقه والشريعة أما ما عدا ذلك فهو من ابتكار الكفار لعنة الله عليهم لا يعرفون الصناعة والتعدين وريادة الفضاء والفنون ويرون أن البنوك ربا والطب سحر وتعدى علي ارادة الله وان أفضل الادوية بول البعير ولمسات الشيخ صاحب البركات.. المسلم لا يزرع انما يترك الموالي يزرعون ثم يهبط عليهم ليلا ليسرق ما بيدهم هكذا كانوا وهكذا هم الان وهكذا سيكونون لا يتقنون إلا الارهاب والغزو وقطع الطرق وترويع. الآمنين.
صباح يوم 6 يونيو 1967 الساعة الثامنة صباحا طلب مني العقيد يوسف عياد رئيس مهندسي الفرقة الثالثة مشاة ميكانيكي أن أذهب الي قيادة الجيش - بجبل لبني - لأحضر من هناك خطة نسف الطرق.. الساعة الثامنة والنصف كنت أمام ملجأ رئيس مهندسي الجيش العميد عبد الستار مجاهد الذى أعد له في مركز القيادة الذى يتحمل قصف قنبلة ذرية.. كان سيادته يجلس أمام منضدة عمليات يشاركه فيها مقدم ورائد منهمكان في دراسة خرائط وأوراق أمامهما وكان سيادته يدخن بشراهة وأمامه منفضتي سجائر ممتلئتان بأعقاب من جميع الانواع بالإضافة الي خرطوشتين كليوبترا لم يفتح غلافهما دخل "مقدم" قادم من الخارج وقال دون سؤال "رفح وقعت والعريش وأبو عجيلة وهم يتحركون الآن علي طريق الكيلو 161" نظر العميد تجاهي وسأل "هل يضربون الحسنة الآن" رددت "لا" فاستطرد "سيضربونها" ثم أكمل في أبوة "انتظر قليلا قبل ان تتحرك".
كانت طائرات العدو تقذف قواتنا بكثافة وكانت كتيبتي - كتيبة المهندسين - بمعداتها الضخمة هدفا سهلا تحوم حولها الطائرات وتقصفها كما لو كانت في تدريب أو مناورة.. وكانت المدفعية المضادة للطائرات صامتة وكنت أجلس في خندقي صامتا مرتديا خوذتي وملابس الميدان أرقب النزق الذى يتصرف به الطيارون الاسرائيليون لدرجة أنه كان بإمكاني أن أشاهد وجوههم الحمراء المنتفخة من ضغط "هيلمت" الطيار وهو قادم منخفض في اتجاهي يمطر المكان بطلقات رشاشه ثم يرتفع لأعلى ليعود في دورة جديدة وهو آمن.. فلقد كنا قد هزمنا.
هزيمة 67 كانت هزيمة شخصية لي ولجيلي.. فبالرغم من أنني كنت أرصد تفكك القوات المسلحة وأن قادتها من الهواه الذين لا هم لهم إلا تحصيل القدر الاكبر من المكاسب التي يفرط في إغداقها عليهم سيادة المشير عامر، وأن الوحدات الصغرى فقدت مهارتها وقدراتها علي الصراع بعد أن اغتالتهم مفاهيم سطحية ظلت تنخر في جسد المؤسسة العسكرية نتيجة تصفية العناصر الواعية المدربة لصالح كورس التمجيد الذى لا يمل من اضفاء آيات الألوهية علي المشير والرئيس.. ورغم أنني كنت علي علم بأن الترقية والامتيازات مرهونة بمدى القرب من السلطة وترديد عبارات جوفاء تشبه أحلام اليقظة أو تمنيات عجزة عن الفعل، وأن التدريب، حسن اختيار الاسلحة المناسبة، تطبيق مبادئ الحرب الحديثة من حشد، مناورة، مفاجأة، تنسيق بين الاسلحة المشتركة هي آخر الأمور التي تهم القيادة الفارة من المعركة أو تشغل بالها إلا أنني كأبن من أبناء يوليو 52 كان لدى أمل ما بقدرة عبد الناصر علي تحقيق سياسيا ما عجز عامر عن تحقيقه عسكريا.. ولكن ما حدث في الواقع من تداعيات الهزيمة أسقط القناع عن الوجه المخزي لحكم العسكر ووجد جيلي نفسه في مواجهة مع عبء إصلاح ما فسد دون رعاية وحماية من الاب القائد.. لقد سحقت الهزيمة جيل كان يسعي لان يجد لنفسه مكانا في عالم جديد يبنيه علي اساسات العدل والتخلص من أوزار عهد كنا نسميه بائدا واستيقظنا من غفوة طويلة لنجد انه قد تم التضحية بنا علي مذبح عدم كفاءة العسكر في الحكم والحرب.. كابوس صبغ حياتنا لعشرات السنين لم تتطهر فيها الروح من مخازي السقوط ولم يتخلص العقل من أوحال تهويمات العسكر عن التفوق الإثني لأمة العرب المرتبط بقيود الفاشيست وإرهاب الحكومات الامنية المسلحة بالسجون، المعتقلات، والمخبرين المندسين في كل مكان وأجهزة الاعلام العميلة .
بعد هزيمة 67 كان من المنطقي إلا نعود لما كنا عليه من غفلة الحياة في ظل أمان حكم الاب الراعي.. ولكن واقع الحال كان مختلفا لقد قام الرئيس المؤمن رب العائلة بتدجين إرهاصات التغيير والثورة وسلمنا بعجزه الي استعمار ثلاثي الابعاد تقوده امريكا التي بيدها أوراق اللعب واسرائيل التي تقف متنمرة للانقضاض علي سيناء وإعادة احتلالها والوهابية السعودية التي شلت عقل وروح الجماهير الرافضة لمهانة الاستسلام.
أواخر مارس 2012 يستطيع المار في شوارع القاهرة أن يرصد ملامح الهزيمة الكبرى الثانية في تاريخ مصر المعاصر.. السيارات تتصارع بدون رابط أو ضابط يقودها ملتحين تصوروا لقصر نظرهم أن هيئتهم الجديدة تتيح لهم أن يكسروا جميع القواعد والقوانين، وطوابير تموين الوقود تعطل المرور أمام محطات البنزين والسولار، وتعريفة ركوب التاكسي والميكروباص تتزايد عشوائيا من اصحاب اللحي وشرائط آيات الذكر الحكيم وأنبوبة البوتاجاز يزيد سعرها لعشرة أضعاف ويحتكر توزيعها في الاحياء الشعبية أفراد من حزب الحرية والعدالة الاسلامي التوجه يبتزون بها تأييد المواطنين لهم.. ولوحات ضخمة في الميادين والاماكن الهامة لجندي بملابس القتال يحمل طفلا بحنان تعبيرا عن علاقة الكفالة، الرعاية، الحضانة التي يقوم بها الجيش البالغ الرشيد للشعب الذى لم يبلغ بعد سن الفطام العبارة المكتوبة علي اللوحة هي "الجيش والشعب ايد واحدة" لاحظ ان الجيش ذكر قبل الشعب في اشارة الي انه الكبير الذى نصب من نفسه وصيا علي الشعب القاصر.. يزاحم لوحات الجندي الشاب العفي ملصقات لشخص ملتح مسن يبتسم ابتسامة لا معني لها تذكرك بما تشاهده علي وجوه الحواة والدجالين الذين يسوقون بضائع مغشوشة أو يستدرجون المارة لبيت دعارة أو المشاركة في لعبة الثلاث ورقات.. جندي يبالغ في اللطف وملتح يبالغ في الابتسام وكلاهما يسوق هزيمة مصر التي اكتملت بانتخابات مجلسي شعب وشورى الملتحين ولجان تدوين الدستور المسيطر عليها بواسطة الإسلامية.. علي الجانب الاخر تحول ميدان التحرير - وأي مكان اخر في القاهرة - الي سوق للباعة الجائلين الملتحين والبلطجية وتجار الكيف تقوم به يوميا معارك بالرصاص والاسلحة البيضاء.. ويسحب ألف واربعمائة مواطن استمارات الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية وتتحول قاعات محاضرات كليات التربية - التي ستخرج مدرسات - الى وكر دائم للبوم الاسود المكلل من رأسه الي قدميه بالسواد.. ويتحدثون علي الفيس بوك عن كرامات تدعيها جماعات الأمر بالمعروف المصرية قام بها أحد أصحاب اللحي المرشح لرئاسة الجمهورية وبأنه جذب أذن سيدة مشلولة فقامت تجرى ووضع كفه علي قضيب شخص عنين فانتصب بين تهليل الجماهير وإكبارهم لما قام به مرشحهم من أعمال جليلة يعجز عن اتيانها باقي المرشحين.. في هزيمة كاملة للمعاصرة والتفكير العلمي المنطقي.
ما بين الهزيمتين نصف قرن يقل خمس سنوات تعرضت فيه مصر لفقد ارادة متصل ودائم بدأ باحتلال اسرائيلي لسيناء وانتهي بغزوة وهابية سعودية لفكر وروح الشعب أبطلت قدرته علي التغيير والانطلاق نحو آفاق المعاصرة وأجهضت فرصة نادرة كانت من الممكن لو أحسن استغلالها أن تجعله يعود الي سابق ازدهاره كدرة من ماسات البحر الابيض المتوسط.. نصف قرن لم تتوقف خلاله عناصر الدعوة السلفية من إنفاق مليارات الدولارات لشراء أجهزة إعلام وتؤجر حناجر ومشايخ تهتف باسمها ووعاظ مساجد يسبحون بحمدها ويحولون مساجدهم الي أوكار بث ودعاية ومدارس لتجنيد المتعاطفين .
و كما ارتفعت نبرة المقاومة ورفض هزيمة 67 بدأت الاصوات تعلو مطالبة بتعديل الموقف والكفاح ضد فرض ارادة الاحزاب الاسلامية علي الدستور ومطالبة القوات المسلحة بردع من قفزوا علي الثورة مستثمرين دماء الشهداء في جني مصالح وأرباح شخصية وتحقيق أحلام ازاحة رجال أعمال الحزب الوطني واحلالهم برجال أعمال الوطني بلحية الجديد.
العسكر ورجال المرشد وجهان لعملة واحدة.. واذا كانا يتبادلان الاتهامات الان.. فان هذا لن يزيد عن زوبعة في فنجان سريعا ما تصفو ولن نشهد تغييرا حقيقيا ينتهي بفرض حكم العسكر والعودة الي آليات النظام المستهدف ازاحته.. كما لن نشهد انتصارا نهائيا للتخلف يجعلنا نقف بجوار أخوة الاسلام في الصومال وغزة والسودان وافغانستان تزكم رائحة خطايانا الانوف.. الارجح أن يتنازل رجال المرشد عن جزء من الفريسة لصالح رجال المشير ويعودان أخوة احبة يدعم كل منهما اخاه.. أما نحن.. فعلينا اعداد انفسنا لكفاح طويل من اجل ان تحمل مصر ملامح القرن الحادي والعشرين .
القضية الوطنية ومقاومة الغزاة هما المحك الذى يظهر عليه مدى انتماء المواطن لتراب بلاده وشعبها انها فرض عين علي كل عاقل أن يفهم ويحلل ويربط الاحداث ويستكشف المسكوت عنه ويفضح كل ما يضر ببلده.. علي كل من يملك المنطق وأسلوب التفكير المعاصر ان ينضم لقواعد الكفاح ضد غزاة السلفية والاخوان وأعوانهم في أجهزة الدولة المختلفة جيش وشرطة وقضاء وإعلام انها ضرورة لكل من لديه ضمير أن يحرص علي حاضره ومستقبل أولاده وأحفاده من أسراب جراد الجزيرة العربية، أن فسطاط الأعداء أصبح واضحا كل من يسعي لكسر انطلاقة بلدنا نحو المعاصرة.. وفسطاط الأخيار أيضا واضح كل من كانت قبلته علوم الانسان المتحضر وسلوك الانسان العصري.. وهكذا اذا ما كان معظم من سيشترك في كتابة الدستور غير مؤهلا لتمثيلنا إلا يحق لنا ان نهتف حتي يصل صوتنا للصم والبكم "يسقط، يسقط حكم المرشد".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق