الاثنين، 2 أبريل 2012

محمد حسين يونس: النداء الأخير قبل الإظلام الوهابي

عندما قرأت هذا النداء الأخير للأستاذ محمد حسين يونس قبل الإظلام الوهابي الوشيك تذكرت قوله تعالى "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ(12)" صدق الله العظيم
سبحان الله.. أخيرا جاء زمن أهل هذه الآية الكريمة، وهم من قال عنهم سلمان الفارسي: "لم يجئ أهل هذه الآية بعد"، وها هم يأتون اليوم كطلاب سلطة محتكرين للعلم ممارسين للعمل السري وللعنف، وهم يشدون المسلمين شدا إلى الخلف، ويفسدون في الأرض ويحسبون أنهم مصلحون فيها!
ما لا يدركه المصريون هو أن فقرهم وعوزهم هو سر استسلامهم وانقيادهم، فالمحتاج يذكر الله ويدعوه بالفرج، ويرحب بالمحسن ويدعو الله له بحسن الجزاء، ويقبل شاكرا ثمنا لصوته الانتخابي صندوق التموين لياكل العيال والدواء ليخف المرض. من هنا، فليس من المعقول أو المنتظر أن يقود هؤلاء "الإسلامجية" النهضة والرخاء لأن المسلم المستغني سيسأل ذلك العميل الوهابي المحسن بأموال البترول الوهابية؛ "من أين لك بكل هذا الذي تشتري يه ولاءنا وأصواتنا؟!"
ما زال المصريون يذكرون لقاهم السنوي المنتظر في عيد العمال من كل عام بالرئيس جمال عبد الناصر، وكيف تصايحوا عاما بعد عام "المنحة يا ريس" ومداعبات الرئيس الراحل لهم ثم إنعامه عليهم بما تيسر! هكذا انقلبت الأوضاع فقبل المصريون أن يتسولوا كسوة أولادهم ممن هو في الواقع موظف عندهم بدرجة "رئيس جمهورية."
ليت الرئيس الراحل عبدالناصر يرى ما حل بمصر، وليت المصريون يدركون اليوم ما أنتجه سكوتهم عن الاستبداد واستكانتهم وانقيادهم لستين عاما للرأي الواحد والزعيم الواحد الذي يعرف وحده مصلحة مصر ومصلحة المصريين! لقد أوشك العالم على إصدار شهادة وفاة مصر التاريخية؛ "أم الدنيا".. يا ألف خسارة!!!
كتب الأستاذ محمد حسين يونس:
"مصر التي قادها العسكر إلى خراب اقتصادي، اجتماعي، سياسي بمغامرات غير محسوبة وقوانين تؤله الحاكم وتجعل من الدولة عزبة له ولأفراد أسرته...ينتظرها ما هو أكثر إظلاما بعدما يقفز السلفيون واخوانهم المسلمون إلى كراسي الحكم مستكملين غزوة وهابية بدأت في نهاية سبعينيات القرن الماضي.
الإخوان والسلفيون يعدون لدستور (إسلامجي) قادم من العصور الوسطى يهمش حقوق الانسان ويعلى من قيمة اداء الطقوس الدينية وتطبيق شرائع عرب الجاهلية من قطع الاعضاء البشرية والجلد والرجم وبيع العبيد في أسواق النخاسة.
الإخوان والسلفيون عملاء السعودية الذين يخططون لان يتحكموا (ديموقراطيا) في التشريع والقضاء في الجهاز الإداري هم الخطر الحقيقي على مصر والمصريين وسوف يكونون بقوانينهم وأوامرهم وتعليماتهم التي سوف ينفذونها بمليشياتهم المستعدة من الآن، العائق أمام أي محاولة للحاق بالعصر أو الخروج من مأزق ما بعد انتهاء حكم ديكتاتور فاسد محدود الذكاء والقدرات دام لثلاثة عقود.
الاستعمار الأمريكي، الإسرائيلي، الوهابي الذى مهد له خالد الذكر الرئيس المؤمن وخدمه بكفاءة خليفته بطل الحرب والسلام قرر لمصر والمصريين حكما فاشيستيا إسلاميا يحافظ على واقع الحال كما كان واستمر لأربعة عقود لتقفز إلى دائرة الضوء (فجأة) السلفيون بأفكارهم المخلوطة القادمة من أعماق التخلف التاريخي لامة الاسلام، والإخوان المسلمين المسلحون بأموال طائلة اكتسبوها من العمالة للسعودية والوهابية والنصب والاحتلال بواسطة شركات توظيف الاموال والصفقات المشبوهة مع تجار تورا بورا للمخدرات، يغرقون مصر والمصريين في بحر من الاوهام والصراعات الاثنية الشوفينية ومعارك ضد القبط والمرأة والعلمانية الليبرالية لاعقين أحذية من تبقى في السلطة من العسكر.
ولأنه النداء الاخير ولأنه ستحل بعده عقود من ظلمات طويلة فإن على الشيخ المسن أن يقول كلمته ويجلس منتظرا تتابع أفول الحلم الذى كان لجيله دليلا ومرشدا خلال سنين نصف قرن، حاولوا فيها أن يكون لوطنهم علما مرتفعا خفاقا في سماء التقدم والحرية والإنسانية بين أعلام من عرفوا الطريق وساروا على الدرب.
مصر اليوم لا تنتج الا بشرا لديهم أفكار متخلفة وعلاقات جوار بدائية واحباطا سائدا، نحن الآن تعدينا الثمانين مليون بشرى الذين لا مستقبل لهم بين الامم المعاصرة، فحلم الزراعة الكثيفة التي تغطى مساحات واسعة من الأراضي أجهض بعد أن أنفق المبارك مليارات الجنيهات على مشروع توشكى وسلمه لعصابات المافيا التي نهبته وأهدرت الفرصة استمرارا لتقاليد الادارة الخاطئة لهيئة تعمير الصحارى (الناصرية) التي لو كانت قد استغلت مخزون مياه الصحراء الغربية في الري لتمكنت من تغطية احتياجات الشرق الأوسط بالكامل من حبوب وخضروات وفاكهة.
إهمال العسكر للزراعة وقوانينهم التي فتتت المساحة المزروعة اصابت الزراعة التقليدية بالضمور وجرفت الارض الخصبة لصالح المباني الخرسانية وما تبقى لم يجد ما يكفي من ماء فاستخدم مياه الصرف الصحي لنأكل منتجات تم ريها بالمجاري وتسميدها بالحمأة التي تحتوى على الطفيليات والمعادن الثقيلة المؤدية للتخلف العقلي.
هل الإسلامجية لديهم حل لمشكلة اخفاق الزراعة في تلبية احتياجات شعب يتزايد بمتوالية هندسية؟! أم هم سيعتمدون على تسول الحبوب من السعودية والدعاء لرب العالمين أن يجعل قلوب أسيادهم بهم حانية بعد كل صلاة؟!
نحن لم نعد نصنع، لقد تخلفت المعدات والمصانع وأساليب الادارة لدرجة أن القماش والملابس القطنية التي اشتهرنا بها توقف انتاجها لعجزها عن منافسة المستورد كنوع وسعر. لقد أغلقت الفترة المباركية الألف مصنع التي كان عبد الناصر يطمع في أن يجعلها تغطى احتياجات المصريين من الإبرة للصاروخ وضربت الفوضى الصناعة حتى تلك التي انشأها أباطرة الانفتاح لإنتاج الصابون ومعجون الأسنان والشامبو والسيراميك والسجاد جاء انتاجها رديئا ولا يسمح بتداوله إلا في مصر وتحول عنه معظم المستهلكين لمثيله المستورد الأرخص والأفضل.
الصناعة الكثيفة العمالة كإنتاج الألومنيوم والحديد والصلب والكيماويات مثل السماد والمبيدات والاسمنت تخلصت منها معظم دول الأرض الصناعية وتركتها لدول العالم الثالث تدمر البيئة وتسبب الأمراض للبشر ويكفي أن تمر من الطريق حول حلوان لترى ماذا فعلت بها مداخن مصانع الاسمنت والحديد والصلب.
هل الإسلامجية لديهم حل لمشاكل البيئة والصناعة وتحويل مصر من مستهلك لصناعات الغير إلى مصدر لمنتجات معاصرة كما تفعل الصين وجنوب شرق آسيا.. وهل في إسلامهم الذى هو الحل كيف يمكن المنافسة في الصناعات الالكترونية وبرامج الكمبيوتر التي أصبحت الكنز الذى يدر ذهبا على الهنود.
الفنون التي تعاديها جحافل السلفيين والاخوان: سينما، مسرح، موسيقى، قصص، روايات، أغاني، رسم، ونحت والتي كانت مصر رائده فيها تصدر إنتاجها لجميع الناطقين باللغة العربية روائع لام كلثوم وعبد الوهاب وفريد الاطرش ونجيب محفوظ وراغب عياد وفاتن حمامة ونجيب الريحاني ومختار... وتخرج من مدينة الفنون عشرات المبدعين المعاصرين الذين يتناولون الفن كما يبدعه عالم اليوم ..ماذا سيحدث له اذا ما استبدل بغثاثات فنون السلف الصالح والطالح...هل سنطفئ الانوار ونضع قيود السعودية على الفنون فنمنع أن يجلس رجل على كرسي كانت تجلس عليه امرأة في الفيلم أو المسلسل، خسارة مصر في انهيار الفن أثناء حكم العسكر لن يقارن أبدا بما سيحدث لفن المصريين عندما يحكمهم أصحاب الزبيبة واللحى أعداء الابداع.. وهكذا سيكون التعليم والطب والصيدلة والأبحاث وعلوم الادارة والقانون والثقافة والإعلام اما السياحة فهي لدى السلفيين أو الإخوان بشقيها التثقيفي والتاريخي حرام.. حرام.. حرام؛ فهم ضد الشواطئ التي يُرتـَدى المايوه فيها حتى لو كانت المرتدية أجنبية والفنادق التي يتم تداول الخمور فيها حتى لو كان من يخدم عليها من غير المسلمين، واللحوم التي لم يقرأ عليها عدية ياسين وحتى زيارة الأولياء والموالد ممنوعة، كل شيء حرام في حرام وخصوصا آثار تلك الحضارة السامقة التي كانت للمصريين فهي تذكرهم بدونيتهم وانخفاض قيمتهم البدوية فوجب القضاء عليها وسبحان الله الذى هداهم للإسلام ليدمروا حضارة مصر القديمة وتماثيلها ومتاحفها ومعابدها وأهراماتها...السلفيون والإخوان بينهم وبين الحضارات القديمة (تار بايت) فعندما قـُِرئت طلاسمها فضحتهم وبينت أنهم قد أقاموا عقائدهم على أفكار تم تداولها بين الذين كانوا في يوم ما نور العالم.
السلفيون والإخوان سيغلقون كل ما يتصل بالسياحة من مسارح وكباريهات وسينمات ومعارض ويبنون مكانها مساجد يذكر فيها اسم ربهم رغم أن معظم الغانيات لبسن النقاب ويعملن في حراسة أصحاب اللحى من مشايخ ودعاة.
أما الأخوة المثقفون والاقباط فسيدعونهم بالموعظة الحسنة لترك فسطاط الباطل وسلوك الدرب الإسلامي السلفي الوهابي، كل قبطي مسلم أو مسيحي عليه أن ينضو تحت رايات السلف، لا يبول واقفا حتى ولو كان أمام المبولة، ولا يرتدى الملابس الافرنجية ويطلق لحيته ويصر على أن ترتدى حرماته الحجاب والنقاب ويترك ما يعمل به عند سماع الآذان ليصلي ويتوقف عن الانتاج طول شهر رمضان وسيتحرك كل جند الله ميليشيات السلف والإخوان المسلمين بالعصى والكرابيج للتأكد من أن تعليماتهم يتم اتباعها، هكذا رأيناهم في افغانستان وغزة والسودان والصومال والعراق.. فلتسقط الثقافة .. فلتسقط المعاصرة .. فلتسقط الديموقراطية بعد أن تصل بهم إلى كراسي الحكم.
لم نسمع من هؤلاء المتخلفون عقليا وحضاريا طوال تسعة أشهر رفع عنهم فيها الحظر وسمح لهم بأن يتكلموا الا كل سخف وخلط وغباء...ما معنى أن ترشح سيدة مغطاه بملاءة سوداء ولا يمكن تفريقها عن رجل متخفي نفسها لمجلس الشعب أو الشورى على الا تكلم أو تخالط زملاء لها من الذكور.
ما هو السبب الذى يجعل طلاب جامعة القاهرة (أول جامعة في مصر) من متخلفي الإخوان يدعون إلى فصل الشباب عن الشابات في المدرجات والسكاشن وتحويل الجامعة إلى جامعة أزهرية بعد مائة سنة من انشائها مدنية هروبا من تعليم الأزهر الديني، هل يخافون المنافسة؟! هل الآنسات أفضل منهم في التحصيل فيريدون ابعادهم؟! وما مشكلة الزواج العرفي الذى يتشدقون به، أليس هو اختراع إسلامي ضمن عشرات أنواع النكاح المتداولة بين السلف الصالح والطالح؟!
ان التعليم كما عرفناه سينطفئ نوره بفضلهم ويعود بنا إلى الكتاتيب وساحات الجوامع لتحفيظ القرآن والسنة والتفسير.
أما أعلى درجات السخف والقصور الذهني فهو ما اشاعوه بأن على المسيحي والغير مسلم أن يدفع الجزية صاغرا حتى يتمتع بحمايتهم، اصلاح الاقتصاد بالغزو واسترقاق العبيد، تحطيم الكنائس والمزارات والقبور تخاريف كنا قد تجاوزناها منذ عدة عقود حتي هلت علينا جموع من المتنطعين لتهدى المصريين إلى الإسلام فكان هذيانهم أن أطلقوا اللحي والبسوا قصير الجلاليب .
أي إسلام هذا الخارج من الكهف لتوه بعد ان نام لقرن كامل؟ هل قرر المصري إهدار جهد كل التنويريين الذين بدأوا مع محمد على ولازالوا يكافحون ويعود ببلاده إلى ظلمات القرون الوسطى والمماليك ؟ هل ضاع جهد محمد عبده، وخالد محمد خالد والشيخ شلتوت وجمال الدين الأفغاني ونصر حامد ابو زيد لتبقى سخافات عبدة الريال السعودي.
النداء الأخير للمصريين .. قبل أن تذهب إلى صندوق الاقتراع كون معلومات دقيقه عن أهداف من ستعطيه صوتك؟.. ماذا قدم لمصر؟.. وماذا بمقدوره أن يقدم؟.. ومن أين حصل على الدعم المادي؟ ..ومن الذى يسانده دعائيا؟
النداء الأخير للذاهبين على صناديق الاقتراع.. حياتك وحياة عائلتك وأطفالك وأحفادك كلها ستتأثر باختيارك، ليكن لصالح الزراعة والصناعة والسياحة والفنون والعلوم والابتكار والفلسفة والتطور قبل أن يكون لكيف تبول شرعا وكيف تلزم بأن تستسلم للحاكم دون أن تثور على ظلمه وتهميشه وجعلك في اسفل الطابور البشرى.
النداء الاخير للمرأة والقبطي.. لا تثقوا فيمن يحاول إذلالكم وقفل الأبواب أمامكم وجعلكم مواطنين من الدرجة الثانية مهما قدموا من وعود للطمأنة.
أما أنا فلن أذهب إلى صناديق الاقتراع أو أشارك (حتى بالسلب) أن يتولى عرش مصر سلفي منحط الاهتمامات والتفكير ويقيدها إلى صاروخ فقهى يعود بها القهقرى لأربعة عشرة قرنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق