الأقباط وردة في جبين مصر
دكتور
محمد أبو الغار | ٣/ ٧/ ٢٠١٢
هناك قطاع كبير من الشعب المصري ومن بينهم الأقباط كان عندهم هلع
شديد من نجاح الإخوان في انتخابات الرئاسة، وأنا أقول للجميع مسلمين
وأقباطاً إننا في مركب واحد وإذا غرقنا سنغرق معاً وإذا نجونا سننجو معاً.
الأقباط هم أبناء الأرض الطيبة وملح التربة المصرية، هم أبناء الحضارة
الفرعونية العظيمة التي أدى انهيارها إلى احتلال مصر بجيوش مختلفة كان أشدها
بطشاً حكم الرومان، ثم جاء عمرو بن العاص بجيشه إلى مصر، وتغيرت لغة أهلها
إلى العربية وتغير دين الأغلبية إلى الإسلام.
وبالتدريج أصبح الأقباط أقلية وعانوا في مراحل لاحقة من الاضطهاد
العنيف في العصر العثماني وعصر المماليك، وكانت ثورة ١٩١٩ العظيمة وزعماء
حزب الوفد القديم الوطنيون هم الذين أفسحوا المجال للمساواة بين المصريين جميعاً
في الحقوق والواجبات، وتاريخ مكرم عبيد ثم إبراهيم فرج كثاني شخصية في
الحزب يؤكد الطفرة التي قام بها الوفد. وكانت الفترة الليبرالية
١٩٢٣/١٩٥٢ هي أكثر الفترات ازدهاراً في تحقيق المساواة والتجانس.
وجاءت الفترة الناصرية ١٩٥٤/١٩٧٠ لتؤكد مدنية الدولة والمساواة،
لكنها أغفلت إشراكاً حقيقياً ومؤثراً للأقباط في الحياة السياسية، وتأثر
الأقباط بالقوانين الاشتراكية والتأميم، لأن نسبة المشتغلين منهم في التجارة
والصناعة كانت كبيرة، وبالرغم من كل ذلك كانت المواطنة شعاراً حقيقياً في مصر.
وعندما جاء السادات ١٩٧٠/١٩٨١ تغير وجه مصر حين أطلق الرئيس الجماعات
الإسلامية المختلفة لمحاربة التيارات اليسارية القوية آنذاك، وصاحب ذلك ذهاب
ملايين المصريين إلى الخليج وعادوا بأفكار مختلفة أهمها تحولهم من الإسلام
المصري الوسطى المتسامح والراقي الذى استمد أفكاره وتفاسيره من حضارة
وادى النيل إلى الإسلام الوهابي الصحراوي القاسي، وأدى ذلك عبر عقدين من
الزمان إلى تغيير ملابس المصريين وطريقة تفكيرهم وصاحب ذلك تغيير في طريقة
معاملة الأقباط، وبالتدريج اختفي التسامح والحب، الذى كان يجمع كل
المصريين رغم اختلاف دينهم، وبدأ تمييز واضح وصريح ضد الأقباط، وانتهي
باعتداءات على الكنائس، ووصل إلى ذروته حين سيطرت الجماعة الإسلامية على بعض
المناطق في الصعيد وفرضت الجزية على أغنياء الأقباط إلى أن أعادت الدولة
السيطرة، عليها بعد معارك كبيرة.
خلال هذه الفترة من حكم مبارك الديكتاتوري استمر عدم المساواة في
تولى الوظائف العامة، وزاد انقسام الشارع بين مسلمين وأقباط، واستمر
الاعتداء على الكنائس، وشهدت مصر موجات كبيرة من الهجرة إلى أمريكا وأستراليا،
وكانت الغالبية العظمى منها من الأقباط، وكان الدافع هو البحث عن مستقبل
اقتصادي أفضل، والبحث عن الأمان لأجيال جديدة، وتسبب ذلك القهر في احتماء
الأقباط بالكنائس التي أصبحت هي الراعية للجانب الديني والروحي وأيضاً الجانب
السياسي، وساعد على ذلك وجود البابا شنودة الذى كانت له كاريزما كبيرة
وتاريخ ارتبط فيه بالشعب والوطن قبل الرهبنة عن طريق عمله كصحفي
وتأديته الخدمة العسكرية كضابط احتياط، وظهر ثنائي الدولة ممثلين في القصر
الرئاسي وأمن الدولة من ناحية والبابا شنودة والكنيسة من ناحية
أخرى، وأصبحت مشاكل الأقباط حتى الصغيرة والبسيطة في أصغر قرية في الصعيد
تحل عن طريق العلاقة بين القسيس ومأمور المركز.
وقبل الثورة بدأت إرهاصات اشتراك بعض شباب الأقباط إيجابياً في
الحركات الاجتماعية ضد النظام الديكتاتوري، وأثناء الثورة شارك الأقباط بقوة كبيرة،
وأسماء شهداء الثورة شاهدة على ذلك، وبدأ التغيير الإيجابي الكبير في الشخصية
القبطية التي بدأت تمارس العمل السياسي بعيداً عن الكنيسة، وأدى ذلك إلى
مشاركة واسعة من الأقباط في الأحزاب السياسية، التي خرجت من رحم الثورة،
وأصبح لهم دور قيادي كبير فيها ذكرنا بأيام الوفد في عهد النحاس باشا، وكذلك
إنشاء جماعات شبابية سياسية مثل شباب ماسبيرو، وهي مجموعة شديدة الوطنية
والحب لمصر، ثم ظهور أهمية الصوت القبطي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية
والنقابية بعد ابتعاد كامل عن المشاركة السياسية لعقود طويلة، وبعد أن أصبحت الأغلبية
في البرلمان للإسلاميين، وفوز الإخوان بمنصب الرئيس أصاب ذلك قطاعاً من
المصريين بالخوف الشديد، وكان الخوف القبطي كبيراً وقد شاهدته بنفسي في
عيون مجموعة كبيرة من صديقات ابنتي د. منى من الأقباط، ورأيتها هي وصديقاتها في
حالة حزن وفزع حقيقي، لأن تاريخ الإسلام السياسي في الاضطهاد والتمييز ضد
الأقباط والتدخل في الحريات الشخصية ومصادرة الفن والأدب معروف،
وبدأ الكثيرون منهم يفكرون في الهجرة، وأنا أريد أن أقول لهم إن مصر
ملك للأقباط كما هي ملك للمسلمين.
أصدقائي الأقباط لا تخافوا نحن جميعاً في «الهوا سوا». إرهاصات
اتحاد القوى الوطنية في تيار مدنى كبير بدأت باجتماعات صغيرة وانتقلت إلى
فندقين في أسبوع واحد، ويلزمها التنسيق وتحَمُل بعضنا البعض، فإن اتحاد واتفاق
القوى المدنية أصعب بكثير من وحدة القوى الشمولية، سواء كانت إسلامية أو
ماركسية. إن المصريين بطبعهم وسطيون وإن عدم مشاركة الشعب المصري كله في
العمل السياسي المنظم ترك الساحة فارغة للإسلام السياسي.
يا أقباط مصر أنتم مكون أساسي أصيل ومهم من هذا الوطن وفي
تاريخه، وأنا أجلكم وأحترمكم وسوف تبقون معنا وسوف نبقى معكم في هذا الوطن،
ندافع عن ترابه وعن تاريخه، الشعب هو الوحيد القادر على الحفاظ على مصر الوسطية
ومستقبلها. إن لكم في قلوبنا مكانة كبيرة وحباً وتقديراً، فأنتم جزء
منا ونحن جزء منكم، فلا تخافوا وحاربوا معنا في سبيل بلدنا وبلد أجدادنا.
قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك
د. محمد أبو الغار
|
كيف برهن المسيحيون الأقباط في الحركة الوطنية وحدة النسيج
الوطني
دكتور مدحت بكري | مصر أولا ودائما | الاثنين،
7 نوفمبر، 2011
عندما
اختلف سعد زغلول مع عدلي يكن حول "مشروع ملنر"، انفض السبعة المسلمون
من حول سعد ولم يبق معه متمسكا بالحق الوطني غير واصف غالي وسينوت حنا. وعندما
أنذر المحتل الإنجليزي سعد في 7 ديسمبر 1921بضرورة إيقاف نشاطه أو النفي، لم
يرفض الإنذار غير مصطفي النحاس وويصا واصف وسينوت حنا وواصف غالي ومكرم عبيد.
وعندما حاول المحتل الإنجليزي دق الإسفين الديني بين المسلمين
والمسيحيين، ارتفع على الوطن من ساحل البحر إلي أقصي الجنوب شعار "الدين
للديان والوطن للجميع" وظهر "الهلال مع الصليب"، ثم واجه
المصريون المشروع الصهيوني مجتمعين، فامتزج الدم المسيحي مع الدم المسلم على أرض
مصر. وهكذا لعب المسلمون والمسيحيون الأقباط دورهم في الحركة الوطنية في مواجهة
المحتل وفي الذود عن الوطن وأثبتوا وحدة النسيج الوطني على مدى القرن الماضي.
وكان مكرم عبيد باشا (25 أكتوبر 1889 - 5 يونيو 1961) الذي وُلد
لعائلة من أشهر العائلات المسيحية القبطية بمحافظة قنا بصعيد مصر، ودرس القانون
في أكسفورد، أحد أهم المفكرين المصريين المقربين من الزعيم سعد زغلول باشا وأشهر
الخطباء في التاريخ السياسي المصري الحديث الذين لعبوا دورا محوريا في الحركة
الوطنية المصرية وفي مقاومة الاحتلال، وهو صاحب المقولة الشهيرة "إن مصر
ليس وطناً نعيش فيه بل وطناً يعيش فينا" وهو القائل أيضا "اللهم يا رب
المسلمين والنصارى اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصاراً، واجعلنا نحن نصارى
لك، وللوطن مسلمين".
وقد كان من الطبيعي - وهذا شأنه - أن تقربه سلطة الاحتلال،
فعينوه سكرتيراً خاصا للمستشار الإنجليزي لوزارة العدل طوال مدة الحرب العالمية
الأولى، ولكنهم استغنوا عنه عندما كتب رسالة في معارضة المستشار الإنجليزي
"برونيات" شارحاً فيها مطالب الأمة المصرية وحقوقها إزاء الإنجليز،
فغادر منصب سكرتير المستشار الإنجليزي لينضم للثورة دون أن يدعوه أحد،. وعمل في
مجال الترجمة والدعاية في الخارج ضد الحكم والاحتلال الإنجليزي وكان له دعاية
نشطة في إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وانضم إلى حزب الوفد في عام 1919 ولما نُفي
سعد زغلول ثار مكرم عبيد وقام بإلقاء الخطب والمقالات مما تسبب في القبض عليه
ونفيه.
وكان المنفى هو فعلا النقطة المحورية في حياته، فكان يرى في نفيه
مع سعد زغلول إضفاء لشرف الوطنية عليه وعلى زملائه، فقال “لم نشعر في حياتنا أننا مصريون، عاشقون لمصر، بمقدار ما شعرنا في
المنفى، ما أحسست طوال عمرى أن الوطن قريب إلى قلبي وفكري إلا عندما أبعدوني عنه
في سيشل، فكانت أداة الفصل هي هي أداة الوصل” ووصف علاقته بسعد زغلول
في المنفي بقوله “لعلى لم أعرف سعدا، ولم أعرف مبلغ حبى له ذلك الحب النادر الذى
يغذيه القلب والعقل معا إلا عندما أتاح الله لي أن أخلو به في سيشل في انتظار
قدوم إخوتنا من عدن، في تلك الفترة القصيرة الحلوة التي كان لها أثر حاسم في
تطور فكري والتي مازالت أعدها كحقبة من أهم حقبات عمرى، في تلك الفترة علمني سعد
أن أحبه وأحترمه”
وعندما توفي سعد أصبح مصطفي النحاس باشا رئيسا لحزب الوفد ومكرم
عبيد باشا سكرتيرا للحزب. وفي عام 1928 عندما شكل النحاس باشا وزارته عين مكرم باشا وزيراً للمواصلات، وفي عام 1935 أصبح سكرتير عام الوفد فكان من أبرز أعضاء الحزب والجبهة
الوطنية وأكثرهم شعبية. وبعد معاهدة 1936 عُين مكرم عبيد وزيراً للمالية، وشارك في
الوزارات الثلاثة التي تشكلت برئاسة كل من أحمد ماهر والنقراشي في عام 1946.
ونذر مكرم باشا - الذي عمل بالمحاماة - وقته كله للدفاع عن
المقبوض عليهم في تهم سياسية، ولا زالت أصداء مرافعاته معروفة في تاريخ المحاماة
في مصر، وقد اُختير نقيباً للمحامين ثلاث مرات وكان هو الذي قام بالدفاع عن عباس
العقاد حين اتهم بالسب في الذات الملكية، وكان الرجل الوحيد - بجانب والده -
الذي شيع جنازة حسن البنا مؤسس ومرشد جماعة الإخوان المسلمين بعد أن منع البوليس
السياسي آنذاك الرجال من المشاركة في الجنازة.
وبقى مكرم عبيد باشا مقاتلا لمصر حتى بعدما أزاحه فؤاد سراج
الدين باشا - بمعاونة زينب الوكيل هانم - من قيادة حزب الوفد، ليصبح الطريق
ممهدا لفؤاد سراج الدين في خلافة النحاس، فأسس بعد خلافه مع النحاس حزب الكتلة
الوفدية كما ألف الكتاب الأسود واتهم النحاس باشا بالفساد وتلقي الرشاوى وعدم
مراعاة مصالح الشعب، واعتقله النحاس باشا أثناء الحرب العالمية الثانية.
لو صدق إيمان قادة الإسلام السياسي الأصوليين ودعاواهم يصدق
القصد والعمل لوجه الله لرأوا في أداء المسيحيون الأقباط في الحركة الوطنية على
مدى التاريخ الحديث قياسا صحيحا للولاء لشركاء الوطن، وبرهانا قاطعا على وحدة
النسيج الوطني، ودافعا لرأب الصدع والتلاقي لدفع الخطر المحيق بوطن واحد
تشاركناه لخمسة عشر قرنا، عوضا عما يدعون إليه من استقطاب بغيض يؤدي إلى تفرق
"أهل الكتاب" من الأقباط المسلمين والنصارى ويخترق صفوفهم ويخدم فقط
أهداف من يضمرون لمصر ولنا جميعا شرا ويسعون لتفتيت الوطن والمنطقة ليحققوا
نهائية دولتهم التي كانت "مزعومة."
لنتوحد لنواجه معا ما يهدد
وجودنا كله، ولنعي حقيقة أن قوة مصر النسبية إلى قوة الطامعين فيها لم تكن
على مدى التاريخ بمثل هذا الخلل المميت، فلا ننساق بمواقف سياسية عنترية إلى
مواجهات تودي بمصر التاريخية إلى نهايتها لا قدر الله.
دكتور مدحت بكري
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق