ليس من الغريب أن تتزامن كل مظاهر الإثارة والتحريض والتهييج السياسي والديني التي تعيشها مصر، أو أن يتقاطع مخطط اليمين الأمريكي الصهيوني للمنطقة مع مخططات التطرف الإسلامي والمسيحي ومع الإرهاب ومع الدور الذي لعبه ويلعبه طلاب سلطة فوضويون، فالعلاقة بينهم ثابتة تاريخيا وإن تغيرت وتطورت أدوارهم، كما أن أجنداتهم معلنة والعنف والتدمبر والتفتيت والتفسيم يحدث بالفعل من حولنا. ولكن الغريب حقا هو أداء الدولة في مصر واقترابها الحثيث من الفشل، وغفلة المصريين عن توابع الفوضى التي يمكن أن تقود إليها هشاشة الهيكل الاجتماعي المتوتر بفعل مؤثرات داخلية وتدخلات خارجية، وقلة حيلة المجتمع الذي حبس في قمقم الديكتاتورية لستين عاما ليفقد مناعته وليستجيب لمزيد من الإثارة والتحريض والتهييج السياسي والاستقطاب الديني - فلم يعد يعي بأن لحلزون الفوضى مدخل واحد ومخارج كثيرة فلا يعلم أحد إلى أين ينتهي الداخل إليه.
ويعتبر ما حدث حتى الآن زلزالا يتجاوز كل ما عرفته مصر وبلغت خسائره المادية حتى الآن عشرات المليارات، وهو ينذر بالتصاعد لعدم كفاية الحلول وتأخرها بحيث تفقد تأثيرها، ولعدم كفاية تناولنا للموقف في ضوء المعطيات المعروفة لنا والمخاطر المحدقة بمصر والتي تهدد بشكل حقيقي وجودها التاريخي، وتتطلب اليقظة والتعامل الفوري بيد قوية وحازمة وحاسمة وعاقلة وهادئة مع ما يدبر لها خارجيا وداخليا، قبل أن يدفعنا الفوضويون، فنسقط في هاوية الفوضى الخلاقة فيضيع البلد، ونعمه فوضى مدمرة فينجحوا في تفتيته وتقسيمه على خرائط أعدتها الصهيونبة العالمية وتم عرضها في جلسة سرية بالكونحرس الأمريكي. فالصهيونية العالمية - التي قادت بتركيز وثبات لأكثر من قرن كامل، وما زالت، عملا مخططا ومنظما ودؤوبا ومكثفا لإنشاء وتأمين إسرائيل كوطن نهائي ليهود العالم أينما كانوا - ستفعل كل ما يلزم لتحقيق ما بقي تحقيقه من أهداف الحركة الصهيونية، بما في ذلك التخلص من الدول القادرة بالمنطقة وعلى رأسها مصر.
والآن، جاء إطلاق دور الداخل المصري في إثارة الفتنة بتفجيرات الإسكندرية، ثم جاءت مظاهرات 25 يناير في أعقاب - وقبل إنقضاء شهر - على تفجيرات الإسكندرية، ثم التحولات في أحداثها بخطف جماعة الإخوان الاحتجاج الذي بدأ سلميا بريئا - إن لم تكن قد خططت له أصلا - وجاءت أحداث أطفيح لتدق النواقيس وتسلط الضوء على النوايا نحو مصر، ولتستحضر إلى المقدمة كل المشاكل والتناقضات والخطايا، ثم انطلق متطرفون في قنا ليولوا أنفسهم الأمر ويقيموا حدودهم - عوضا عن حدود الله - على الأمة، وانطلقت فضائياتهم بالوعيد لسافرات الشعر بحرقهن بماء النار، ليفصحوا عن رغبة شريرة في منع العودة للاستقرار ولاستمرار دفع مصر إلى الفوضى، لتصبح الأرض ممهدة لتحقيق أهداف مخطط خارجي خبيث لزعزعة مصر. وأخيرا، وبعد إطلاق المشاركين في قتل الرئيس السادات ومجاهرتهم "بصحة قتله في سياق المرحلة"، تم الإعلان عن رفع أسماء 3000 قيادي بجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية من قوائم ترقب الوصول إلى مصر، وبدء عودتهم بالفعل من أفغانستان والشيشان والبوسنة والصومال وكينيا وإيران والمملكة المتحدة. فهل لهذا قام الشباب بثورتهم وسقط شهداؤهم من أبنائنا؟ وهل يمثل وصول هذه الجماعة من المجاهدين المدربين المحترفين جزءا من التعبئة لمهمة وشيكة بالداخل المصري؟ وهل يؤذن بقرب إسقاط مصر في فتنة دينية - هي الخطوة الأخيرة في آلية الفوضى الخلاقة[1] - لتنتهي بهزيمة نهائية لمصر من الداخل وتقسيم هذه الدولة ذات المقومات العظيمة التي استحالت عليهم بالحروب إلى دويلات على المقاس الصهيوني تصلح لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات؟
وتوجه الأجهزة المعادية الأحداث وتسيطر عليها بكل الوسائل، وخصوصا بالتكنولوجيا كقوة مؤثرة غير منظورة. وليس خافيا على أحد - وبصفة خاصة الشباب الوطني المتعلم والمتمكن من التكنولوجيا - أن مواقع الإنترنت[2] التي استخدمها الشباب لإطلاق الثورة قادرة تماما على استخدام قواعد البيانات والمعلومات التي تملكها الآن عن البلد وعن الشباب، وتشمل تفاصيل عن حياته وحياة أفراد أسرته ومعلومات عن وظيفته وأصدقائه والمحيطين به وصور شخصية له ومعلومات يومية تشكل مصدراً مهما لأي جهة ترغب في معرفة أدق التفاصيل عن عالم الشباب العربي. كما أنها قد تمكن أجهزة القوى المعادية أو الحركات المناوئة من اختراق مجموعات الشباب المنظمة للثورة بواسطة عملاء مدسوسين لإعادة توجيه الحركة الوطنية والانحراف بها إلى أهداف خارجية غير وطنبة وإلحاق الضرر بمصر والمنطقة في أي وقت في المستقبل. وينسجم هذا التطور مع تجربة الأجهزة الأمنية والمخابراتية الصهيونية في الاستفادة من التكنولوجيا المعلوماتية التي تعطيها القدرة على جمع ما تريد من معلومات ويتيح لإسرائبل والقوى الصهيونية الاستفادة من كم هائل من المعلومات المتاحة عن المشتركين من العالم العربي وتحليلها وتكوين صورة مخابراتية عن الشباب العربي المسلم والمسيحي تستطيع من خلالها تحريك الشارع العربي في أي وقت.
[1]تعتمد آلية "الفوضى الخلاقة" على دعم ومساندة أنظمة دكتاتورية مستبدة وفاسدة لاستدعاء غضب الجماهير، واستخدام الطبيعة الانفعالية الحماسية للجماهير الغاضبة لإطلاقها ذاتيا "لتحريك" الاحتجاجات ضد الأنظمة، ثم استغلال التناقضات والاختلافات بين التنظيمات السياسية لبدء الصراعات ونشر الفوضى، وإزكاء النعرات الدينية والطائفية والتعصب واستقطاب المجتمع لإثارة الفتنة وإشعال المنطقة وتفجيرها ليسهل تقسيمها إلى كيانات ضعيفة وإعادة ترتيبها في نهاية الأمر.
[2]تشكل الإنترنت الآن - بعد أن حولت ثورة الاتصالات والمعلومات العالم إلى قرية صغيرة تسيطر عليها قوة غير منظورة تؤثر في الواقع ولا تتأثر به - إحدى أهم الأذرع المخابراتية للقوى العظمى ووسيلة مؤثرة جديدة لإحداث التغيير والسيطرة، وللانتشار بسرعة مذهلة بعد أن أوجدت للشباب متنفسا للتعبير من خلاله عن مشكلات الفراغ والتغييب والخضوع والتهميش، ليقدم الشباب دون أن يعرفوا معلومات مهمة للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية. ولذلك فلا يستبعد - مثلا - أن يستخدم موقع "الفيس بوك" الذي أسسه ويملكه ويديره يهود (Zuckerberg/Moskovitz/Saverin) لصالح إسرائيل وجهات صهيونية تقف وراءه للحصول على معلومات باستخدام أحدث طرق للجاسوسية من أشخاص عاديين لا يعرفون أنهم يقومون بمثل هذه المهمة الخطيرة، ولكنهم يعتقدون بأنهم يقضون الوقت أمام صفحات الدردشة الفورية في أمور تبدو غير مهمة، أو أنهم في خلوة يتواصلون مع ثقاة لهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق