الجمعة، 18 مارس 2011

لماذا قامت الثورة وكيف نحميها من الانحراف أو الاختطاف حتى لا تأخذنا مصالح داخلية ودولية إلى أماكن لم نكن نقصدها؟

1.      الاعتبارات التاريخية الحديثة
كان الوعي حاضرا دائما لم يغب أبدا عن المصريين المتحضرين منذ أن اكتشفوا بفراستهم محمد علي باشا الكبير، القائد الألباني المسلم القادم مع قوات الخلافة العثمانية، فالتفوا حوله وطالبوا الخليفة العثماني بتوليته حكم مصر فقاد تحديث مصر وبدأ نهضتها الحديثة. وأرسى محمد علي قواعد دولة مدنية حديثة ترتكز على الكفاءة والعلم، فأرسل الشباب المصري في بعثات تعليمية للخارج واستقدم الخبراء والمستشارين الأوروبيين ومصرهم وأسند لهم المناصب الكبرى، وأرسى قواعد التعليم والصحة والزراعة وأنشأ الجيش المصري وقاعدة صناعية لدعمه، حتى أصبحت مصر القوة العسكرية الكبرى في المنطقة. وانطلقت الدولة الحديثة إبان حكمه (1805 - 1848) على أساس من الكفاءة والعلم وبصرف النظر عن الانتماءات الدينية، فكان من بين الوزراء وقواد الجيش في مصر على امتداد عمر الدولة العلوية مسيحيين ويهود وأوروبيين وذوي أصول أجنبية. وكان اهتمام محمد علي بالبعد الأفريقي وتوجهه لاستكشاف وتأمين منابع النيل مؤشرا بفهم عميق للأبعاد الاستراتيجية لأصول مصر وموقعها الجغرافي وطبيعتها الصحراوية ولأهمية النيل كمصدر وحيد للحياة فيها. إلا أن نجاح محمد علي وتزايد قوته ونفوذه أدت إلى انتزاعه لحق توريث ولاية مصر لذريته، التي لم ترق - بعد وفاة ابنه طوسون ومن بعده إبراهيم باشا - إلى مستويات قدرته وحكمته. وإذا كان الخديوي إسماعيل قد قاد النقلة الكبرى إلى الدولة العصرية في مصر، فإن قدراته على الإدارة المالية للانطلاقة لم تكن على القدر المناسب فتجاوزت طموحاته ورغباته مصادره وقدراته وسقط في فخ الديون الأجنبية التي استتبعت التدخل الأجنبي، كما أدى توريث الحكم لذرية محمد علي إلى استهانتهم بالمصريين وأدى إلى التورة الأولى في التاريخ المصري الحديث التي قادها أحمد عرابي باشا ضد الخديوي توفيق في 1881، ثم إلى التدخل البريطاني واحتلال مصر في 1982. إلا أن دروس فساد التوريث وتجاوز الطموحات للقدرات لم تكن كافية لأجيال تبعت من الحكام المعاصرين منذ انقلاب الجيش على الملك في 1952.
وقد حافظ المصريون على وحدة الأمة في زمن الدولة العثمانية قبل الاحتلال البريطاني، ثم حتى عندما أصبحت مصر مستعمرة تحت الاحتلال يحكمها المندوب السامي - ثم السفير - البريطاني، ولا رأي فيها ولا حكم لملك أو لفرد أو جماعة من أبنائها وكان الأمر كله للحكومة البريطانية ومندوبها في القاهرة، الذي أدار البلد كمزرعة للتاج البريطاني والمصريين كعمال سخرة لخدمة مصالح التاج. ومع ذلك، فقد قاوم المصريون الاحتلال البريطاني، وتتابع على قيادة الحركة الوطنية المصرية منذ مطلع القرن العشرين زعماء عظام كان أبرزهم مصطفي كامل باشا ومحمد فريد بك وسعد زغلول باشا وغيرهم، وقاد الوفد بزعامة سعد زغلول باشا - ومن بعده مصطفي النحاس باشا - نضالا شعبيا طويلا لتحقيق الاستقلال ودعا إلى فصل الدين عن السياسة وإقامة دولة مدنية حديثة، وواجه بنضج ووعي سياسة التفرقة والوقيعة الكلاسيكية التي استخدمها الاستعمار البريطاني دائما للتفريق بين الطوائف في المستعمرات وإثارة الفتن فيها لتسهيل حكمها، فرسخت مصر ثورة 19 الواعية المتحضرة السمحة مفهوم الدولة المدنية والمواطنة ورفعت شعار "الهلال والصليب" وجاء دستور 1923 ليعبر عن حضارة ووعي ويؤسس لدولة ملكية دستورية، ثم انتخب المصريون - مسلمين ومسيحيين - في عشرينات القرن الماضي مجلسا نيابيا ربعه من المسيحيين الأقباط، ليعطوا العالم كله درسا في الوسطية والسماحة والعيش المشترك، الذي بدأ - ولم ينقطع - منذ دخول الإسلام إلى مصر وأسلم من الأقباط من شاء وبقى على دينه من أراد.
ومع ذلك، فقد جاء ظهور حسن البنا[1] وتأسيسه لجماعة "الإخوان المسلمين[2]" في مصر في نهاية العشرينات من القرن الماضي، ليستجيب لدعوة المحتل البريطاني وليخترق مصر الوسطية وليستحضر الطائفية الدينية بكل مشاكلها وتناقضاتها وخطاياها إلى المقدمة. ولقيت الجماعة الجديدة المساندة وتلقت التمويل من بريطانيا - التي سعت دائما لدق إسفين في الوحدة الوطنية - ومن المملكة السعودية الوليدة (1926) - التي بدأ حكامها السلفيون سعيهم إلى خلافة إسلامية أصولية سلفية، كما استطاعت أن تستغل الخلافات السياسية فيما بين الأحزاب وبينهم وبين القصر. وبظهور الإسلام السلفي الذي أدخلته الجماعة إلى مصر في 1928، بدأ تاريخ ممتد لعنف مستمر يعكس عقيدة راسخة لجماعة تفرق بين أبناء الوطن الواحد، وتظهر بوضوح في شعاراتها الدائمة - السيفان والآية الكريمة "وَأَعِدُّواْ لَهُم ما اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ"، وشعائرها - القسم بالولاء للجماعة والسمع والطاعة للمرشد، وممارساتها - الاغتيالات على مدى سنوات قوتها وضعفها، وتنظيماتها السرية والعسكرية[3] التي بدأت بها منذ نشأتها لامتلاك الأرض وفرض الإرادة باستخدام القوة. إلا أن رفض القوى السياسية - وعلى رأسها الوفد - لدعوة الإخوان المسلمين للدولة الإسلامية الأصولية السلفية أطلق يد المرشد والإخوان الذين بدأوا موجة من العنف والاغتيالات في مصر في الأربعينات من القرن الماضي[4]،[5]،[6]. ومضت الجماعة في تنفيذ مخططها التآمري لهز الاستقرار في مصر فتحالفت مع "الضباط الأحرار" وضمت بعضهم للجماعة ولنظامها الخاص[7] ليس حبا فيهم ولكن سعيا إلى السلطة، ثم ما لبثوا أن انقلبوا على بعضهم البعض، فانتصر الجيش واحتفظ النظام الثوري بالسلطة وبدأ عهد جديد بمصر.
وعندما أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بحل جميع الأحزاب السياسية في البلاد، استثنى جماعة الإخوان المسلمين "كجماعة دينية دعوية". وكانت الجماعة - التي ضمت عددا كبيرا من الضباط المنتمين لها - الهيئة المدنية الوحيدة التي علمت بموعد قيام الثورة التي قام بها تنظيم الضباط الاحرار في مصر. وعندما طالبت الجماعة «بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله» ثمنا لتأييدها للثورة، رفض جمال عبد الناصر الأمر قائلا: «لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل أي وصاية من الكنيسة أو ما شابهها، وإنني أكررها اليوم مرة أخرى.» وتم حظر جماعة الإخوان المسلمين بعد أن حاول أحد المنتمين إلى الجماعة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954، مما أدى لإصابة بعض الحضور بينهم وزير سوداني، وتم اعدام عدد من قيادات الجماعة المؤثرة مثل الدكتور عبد القادر عودة وهو فقيه دستوري وأستاذ جامعي. كما تم إعدام الشيخ محمد فرغلي وهو من علماء الازهر وقد رشح ليكون شيخاً للأزهر في فترة حكم جمال عبد الناصر ولكنه رفض. ووفقاً للأرقام الرسمية فإن 55 من الاخوان المسلمين لقوا حتفهم في تلك الاعتقالات غير المفقودين. وكان ازدواج ولاء جماعة الإخوان وطبيعة نشاطها وقسمها بالسمع والطاعة لمرشدها وتنظيمها السري وممارستها للعنف لتحقيق أهدافها وللتخلص من خصومها سببا رئيسيا ومباشرا لتمكن النظام من التحول إلى الحكم الشمولي والبطش بالجماعة. ففي 1964، قام جمال عبدالناصر باعتقال من تم الإفراج عنهم من الإخوان مرة أخرى - وبالأخص سيد قطب وغيرهم من قيادات الإخوان - بدعوي اكتشاف مؤامرتهم لاغتياله وأعدم سيد قطب مفكر الجماعة في عام 1966 ومعه خمسة من قيادات الإخوان الذين ذاقوا خلال تلك الفترة أنواع من التنكيل والتعذيب داخل السجون مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 350 إخواني جراء التعذيب. وقد أدى ذلك إلى هجرة معطم قيادات وكوادر الجماعة إلى السعودية والخليج حيث تلقوا دعما ونشروا دعوتهم بين أعضاء الجاليات المصرية.
وبعد أن خلف الرئيس السادات جمال عبدالناصر في رئاسة الجمهورية، وعد بتبني سياسة مصالحة مع القوى السياسية المصرية فتم إغلاق السجون والمعتقلات التي أنشأت في عهد جمال عبد الناصر وإجراء إصلاحات سياسية مما بعث بالطمأنينة في نفوس القوى السياسية المصرية - تعززت بعد حرب أكتوبر 1973 - حيث أعطي السادات للإخوان وغيرهم مساحة أوسع من الحرية، زادت بعد تبنيه سياسات الانفتاح الاقتصادي، فعاد الإخوان - ومعهم تنظيمات سلفية انبثقت عنهم - ولكن بعد أن جاءهم المدد الوهابي وازدادوا تنظيما وثروة وطوروا خطابهم ومقاريتهم ليستغلوا مناخ الحرية الذي هيأه السادات، ولكنهم أبقوا على سريتهم ولم يتخلوا عن استعدادهم للجوء للعنف لتحقيق أهدافهم. إلا أن اتساع مساحة الحرية لم يستمر طويلاً، بعد أن شهدت مصر في تلك الفترة معارضة شديدة لسياسات السادات بعد إبرامه معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1977، انتهت باعتقال عدد كبير من كل القوى السياسية - بما فيها الإخوان - فيما سمي إجراءات التحفظ في سبتمبر 1981. وبعد اغتيال الإسلام السلفي للسادات في أكتوبر 1981، اتبع حسني مبارك الذي خلفه - في بدايات حكمه - سياسة المصالحة والمهادنة مع جميع القوى السياسية ومنهم الإخوان. وفي التسعينيات ظهرت حركات معارضة لحكم مبارك، ولاعتراف حكومته - مثل حكومة السادات - بالصلح مع إسرائيل والاعتماد على الولايات المتحدة في تسليح القوات المسلحة مما أضعف بشدة قوتها النسبية أمام إسرائيل. وقد بدأ مبارك ولايته للسلطة في 1981 بقانون الطوارئ الذي يتيح لأجهزة الامن المصرية متابعة المشكوك بهم ووضعهم تحت المراقبة إلي الوصول للجاني الحقيقي. ويتعرض الإخوان في ظل قانون الطوارئ - الذي امتد العمل به حتى الآن - لحملات اعتقال موسمية ومنتظمة من قبل أجهزة وزارة الداخلية في مصر، وهي الحملات يصفها الاعلام الرسمي بأنها ضربات إجهاضيه، ومكن هذا القانون السيئ الأجهزة من القبض، من آن لآخر، على مجموعات وأفراد من الإخوان المسلمين ومصادرة أموال وأجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم وغلق شركات ومحال تجارية المملوكة لمنتمين للجماعة ووضعهم تحت الحبس الاحتياطي أو رهن الاعتقال.
وقد عاودت الجماعات الإسلامية السلفية نشاطها في مصر وتسارعت وتنوعت واستمرت أعمال العنف السياسي والإرهاب التي مارسها الإسلام السياسي اعتبارا من سبعينات القرن الماضي وتوجها بقتل الرئيس أنور السادات في أكتوبر 1981، وذلك على النحو الذي أورده موقع كل الطلبة Cairo University Students Forum:
2.      ظاهرة العنف السياسي الذي مارسته الجماعات الإسلامية المتطرفة في مصر[8]
ينصرف مفهوم العنف السياسي، حسب أغلب التعريفات النظرية، إلى “توظيف آلية العنف بشكل منظم لتحقيق أهداف سياسية، قد تتمثل في الوصول إلى السلطة السياسية أو على الأقل التأثير عليها، وهنا نكون إزاء عنف منظم من جانب المعارضة. كما قد تكون تلك الأهداف هي ضمان السيطرة على السلطة السياسية والتشبث بها، وهنا نتحدث عن عنف من جانب النظام نفسه". وبتعبير آخر يشير مفهوم العنف السياسي إلى "مختلف السلوكيات التي تتضمن استخداما فعليا للقوة أو تهديدا باستخدامها، لإلحاق الأذى والضرر بالأشخاص والإتلاف بالممتلكات، وذلك لتحقيق أهداف سياسية مباشرة أو أهداف اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية لها دلالات وأبعاد سياسية.".
وأيا كان الطرف الفاعل في ممارسة العنف (عنف رسميا أم غير رسمي أو شعبيا) فان اللجوء إلى العنف يعبر عن وجود أزمة في المجتمع ترتبط درجة حدتها بمستوى ممارسة العنف على الصعيدين الكمي والكيفي . والواقع أن ظاهرة العنف السياسي تعتبر ظاهرة عالمية، لا يكاد يخلو أي مجتمع معاصر منها، وينحصر الفارق بين المجتمعات في هذا المضمار في درجة ممارسة العنف وفي نسبية أسباب الظاهرة .ونظرا لتعقد ظاهرة العنف السياسي وتعدد متغيراتها، تعددت الاتجاهات والمدارس في تفسير أسباب هذه الظاهرة، وتباينت باختلاف المنطلقات الفكرية والسياسية بل والتخصصات العلمية للباحثين .
وقد عانى المجتمع المصري خلال العصر الحديث من ظاهرة العنف السياسي بدرجات متفاوتة ولأهداف متباينة، ومن أطراف وقوى متعددة، وفقا لطبيعة وتوجهات النظام السياسي القائم ونمط العلاقات السائدة بينه وبين القوى الاجتماعية والسياسية . إلا أنه من المتفق عليه ان ظاهرة العنف السياسي، وخاصة الذى تمارسه الجماعات الإسلامية المتطرفة، أخذت في التطور على نحو غير مسبوق بداية من منتصف السبعينيات مع بروز عدد من التنظيمات الإسلامية المتشددة التي اتخذت العنف "أداة" للوصول إلى أهدافها. وهناك عدة محطات فارقة في مسيرة تطور العنف كأحداث "الفنية العسكرية" عام 1974 التي ارتكبها "حزب التحرير الإسلامي" بقيادة صالح سرية، واختطاف وقتل الشيخ الذهبي عام 1977 من قبل "جماعة المسلمين" المعروفة إعلاميا باسم "التكفير والهجرة". وارتبطت نقطة التحول الكبرى في ممارسة ظاهرة العنف السياسي من قبل بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة بظهور تنظيم "الجهاد " الذي نفذ عملية اغتيال الرئيس السابق أنور السادات وأحداث أسيوط عام 1981 التي أعقبتها وشكلت تحديا كبيرا للنظام . كما ظهر خلال عقد الثمانينيات عددا آخر من التنظيمات الإسلامية المتشددة، كان أخطرها على الإطلاق تنظيم "الجماعة الإسلامية" بقيادة الشيخ عمر عبد الرحمن الذي انشق عن تنظيم "الجهاد"، ويتحمل تنظيم الجماعة الإسلامية المسئولية عن معظم أعمال العنف السياسي التي مارستها الجماعات الإسلامية المتشددة منذ منتصف الثمانينيات وحتى الآن، وبخاصة في محافظات صعيد مصر.
والى جانب تنظيم "الجماعة الإسلامية" ظهرت أيضا عدة تنظيمات إسلامية متشددة، كانت في معظمها انشقا قات أو إمدادات لتنظيمات موجودة بالفعل، ومن أمثلتها تنظيم "الناجون من النار" المسئول عن محاولة اغتيال اللواءين حسن أبو باشا والنبوي إسماعيل وزيرى الداخلية السابقين، وكذا محاولة اغتيال الصحفي مكرم محمد احمد . وتنظيم "الشوقيين" بالفيوم نسبة إلى زعيمه شوقي الشيخ الذي قتل أثناء إحدى المواجهات المسلحة مع قوات الشرطة . وقد الذي انشق هو الآخر عن تنظيم الجماعة الإسلامية ويعتبر هذا التنظيم هو المسئول عن أحداث العنف التي شهدتها محافظة الفيوم عام1990. وتنظيم "الجماعة السماوية" التي كان يتزعمها طه السماوي والذي انشق بدوره عن تنظيم "جماعة المسلمين"، واشتهر هذا التنظيم بارتكابه أحداث حرائق نوادي الفيديو في حي شبرا عام 1986، وجماعة طلائع الفتح التي جاءت امتدادا لتنظيم الجهاد الذي عانى من ظاهرة التفتت والانقسام ،وبخاصة بعد انفصال " الجماعة الإسلامية، واعتقال ابرز قيادات التنظيم.
وبداية من العام 1993 شهدت عمليات العنف السياسي التي ترتكبها الجماعات الإسلامية المتطرفة، وبخاصة الجماعة الإسلامية والجهاد، نموا كميا ونوعيا وارتفاعا ملحوظا في مستوى المهارة والتقنيات المستخدمة. وقد أسفرت المواجهة الدامية بين الجماعات المتطرفة وأجهزة الأمن منذ بدايات العام 1991 وحتى نهاية العام 1998 عن مصرع نحو(1369) شخصا من بينهم 399 من أفراد قوات الأمن 509 من أعضاء الجماعات المتطرفة و368 من المواطنين الأبرياء.
ومن خلال المتابعة والرصد لعمليات العنف السياسي، يمكن تحديد أبرز سمات وأهداف عنف الجماعات الإسلامية المتشددة فيما يلي:
1.        اغتيال الرئيس السادات 1981 ومحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا 1995
2.        اغتيال الرموز السياسية والأمنية للدولة، ومن ذلك اغتيال د. رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب في 1990، ومحاولات اغتيال رئيس الوزراء السابق عاطف صدقي ووزير الإعلام صفوت الشريف عام 1993، ووزراء الداخلية السابقين النبوي إسماعيل وحسن أبو باشا عام 1987 وزكي بدر عام 1989 وحسن الألفي عام 1993.
3.        اغتيال بعض الكتاب العلمانيين الذين دأبوا على انتقاد الجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل الدكتور فرج فوده في 1992، وكذا محاولة اغتيال الصحفي مكرم محمد أحمد في 1987 والأديب نجيب محفوظ في 1994.
4.        السعي إلى تدمير الاقتصاد المصري وإضعاف هيبة الدولة أمام المجتمع الدولي، وذلك عبر استهداف السائحين الأجانب والقطارات والمنشآت السياحية، حيث اغتالت الجماعات الإسلامية المتطرفة 93 سائحا من جنسيات مختلفة منذ العام 1992 بنسبة 6.67 % من اجمالي ضحايا العنف، وقد سقط هذا العدد من الضحايا في عدة عمليات، أبرزها ثلاث عمليات هي: عملية فندق أوربا في أبريل 1996 والتي أسفرت عن مقتل 18 سائحا يونانيا وعملية تفجير أتوبيس سياحي بالمتحف المصري بالقاهرة في سبتمبر 1997 والذي قتل فيها 9 سائحين أجانب فضلا عن إصابة العشرات من المواطنين والسائحين، وأخيرا مذبحة الدير البحري بمدينة الأقصر في نوفمبر 1997 والتي أسفرت عن مصرع 58 من السائحين الأجانب وخمسة من المواطنين المصرين وإصابة العشرات من الجانبين . وباستثناء عملية تفجير الأتوبيس السياحي بالمتحف المصري تبنى تنظيم " الجماعة الإسلامية " عمليات العنف ضد السائحين الأجانب. وقد فسرت بعض الآراء الهدف من تنفيذ العمليات ضد السياحة بتوجيه ضربة للنظام في عزيز لديه، وذلك باعتبار السياحة أحد المصادر الهامة للدخل القومي.
5.        اغتيال رجال الشرطة (الضباط والجنود والمخبرين السريين والخفراء النظاميين) بهدف ترويع رجال الأمن والحصول على الأسلحة والذخائر، وكذا اغتيال المواطنين المتعاونين مع أجهزة الأمن أو المشتبه في تعاونهم، وقد وقعت معظم تلك العمليات في محافظات الصعيد . وتمثل واقعة اغتيال اللواء رءوف خيرت رئيس قطاع مكافحة التطرف الديني علامة بارزة في عنف تلك الجماعات، بما عكسته من دلالات بشأن قدرة جماعات التطرف على اختراق جهاز أمن الدولة واغتيال رموزه .
6.        استهداف المواطنين الأقباط بغرض بث الفرقة والشقاق بين عنصري الأمة من المسلمين والأقباط، وإظهار ضعف الدولة وأجهزتها الأمنية عن حماية الأقباط أمام المجتمع الدولي. ومن أبرز عمليات العنف السياسي ضد المواطنين الأقباط، أحداث سوهاج (مارس1984)، وأحداث أبو قرقاص (مارس 1990 وفبراير 1997) وأحداث صنبو (1992) وأحداث قرية بهجورة بمحافظة قنا (مارس 1997) . وقد أسفرت أعمال العنف السياسي ضد المواطنين الأقباط عن مصرع نحو 96 منهم بنسبة بلغت 7,01 % من إجمالي ضحايا العنف، وبنسبة 25.27 % من ضحايا العنف من المواطنين.
7.        وقد تم توسيع النطاق الجغرافي لممارسة أعمال العنف لتشمل القلب (القاهرة والجيزة) والأطراف، ولكن تركزت أعمال العنف بوجه خاص في محافظات الصعيد وبالتحديد داخل محافظتي المنيا وأسيوط . وإذا كانت الجماعات الإسلامية أرادت بارتكاب أعمال العنف في نطاق محافظات القاهرة الكبرى أن تثبت أن لها ذراعاً طويلة قادرة على تهديد قلب النظام . وقد تمركز نشاط الجماعات الإسلامية المتطرفة داخل محافظات القاهرة الكبرى في الأحياء الفقيرة الهامشية والعشوائية، مثل أحياء إمبابة وعين شمس وبولاق الدكرور وشبرا والزاوية الحمراء، ولهذا التركيز دلالاته التي سوف نتناولها فيما بعد.
3.      الاعتبارات الداخلية وانعكاساتها على الموقف الإقليمي
سرعان ما انحسر وعي المصريين - الذي كان مرتبطا بالهوية الأجنبية للمستعمر خلال النصف الأول من القرن العشرين - فلم يعد المصريون في حاجة للحرص بعد 1952 واستبدال المحتل الأجنبي بابن البلد الذي شاركهم أحلامهم ورفع شعاراتهم وردد هتافاتهم، ولكنه شرطها بزعامته وبولائهم، وكان دخول المصريون بإرادتهم - بعد أن أسقطوا حرصهم - محبسهم في قمقم الدكتاتورية خلال السنوات التالية لعام 1952 وحتى 2011 نقطة التحول من المشاركة - في ظل دستور حديث - إلى الاستبعاد من الحياة السياسية والعزوف عنها، وجاءت السيطرة على المعلومة بما سمي "بالإعلام القومي" لتفقد المصريين الوعي والقدرة على الحكم على الأمور والرغبة في المشاركة.
وتوالى عل مصر - منذ 1952 - ثلاثة رؤساء دكتاتوريين حكموا مصر لستين عاما بعد الرئيس محمد نجيب الذي سرعان ما غدر به وعزل وأخرج من التاريخ، كان أولهم الرئيس عبد الناصر الذي كان زعيما وطنيا بالفطرة، ولكنه طبق المعادلة الناصرية: «مصر = جمال عبد الناصر» وانشغل بزعامته عن مصلحة مصر أو تصور أنها تحققها، وقادته زعامته إلى صراع مميت مع القوى العظمى فأضاع مصر. وكان ثانيهم الرئيس السادات وطنيا أصيلا ذو رؤية وفطنة حرر البلد من الاحتلال الإسرائيلي، وخانه ذكاؤه عندما أعاد السلفيين إلى المسرح فقتلوه، ويجاهرون اليوم "بصحة قتله في سياق المرحلة." وكان الرئيس مبارك - ثالث الرؤساء وأسوأهم - شخصا محدودا متسلطا لا صديق له حولته أنانيته إلى طاغية فاسد حكم بدستور معيب ومكن الفساد وأظهر على مدى سنوات حكمه نقصا في الإحساس باحتياجات الطبقات المتوسطة والفقيرة، وانحيازا هائلا - وصل إلى الفساد - للطبقة الاجتماعية العليا التي أغدق عليها العطايا من أملاك الدولة وطبق سياسة ضريبية تتجاهل محاسبتهم ضريبيا على الأرباح الرأسمالية وتكرس تركيز الثروة وتزيد الهوة بين الغنى والفقر.
وكان للحكم في مصر دائما - الملك المصري قبل 1952 ثم الرئيس المصري بعد 1952 - طموحا عظيما لتنمية مصر وتحويلها - كالعادة - إلى قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية فاعلة على المسرح الإقليمي. وكان هذا من أسباب وأهداف الثورة التي قام بها الجيش ضد الملك، إلا أن أنها لم توفر العمق والنضج اللازمين لترجمتها إلى استراتيجيات وآليات وبرامج لتحقيق قدرات ومن ثم نتائج اقتصادية أو عسكرية محددة، حيث اقتصرت الرؤية على افتراض خاطئ بأن القوة الاقتصادية والعسكرية تتحقق بمجرد تكوين الأصول بشراء المصانع والمعدات للتصنيع أو الدبابات والطائرات والأسلحة والذخائر للتسليح، بينما القياس الحقيقي يكون بمعاملات كفاءة الاستخدام ومؤشرات الأداء المبنية على كفاءة إدارة المنظومة الصناعية أو العسكرية. ولذلك فاقت قدرات المقاتلة الإسرائيلية في حرب يونيو 1967 عشر مقاتلات مصرية، وظن الرئيس أن العالم كله - وليس إسرائيل - قد هاجم مصر، على خلاف ما حدث في حرب أكتوبر 1973. وفي التنمية، توازت مراحل التطور في مصر - التي بدأت بالتصنيع ثم الخصخصة ثم الانفتاح والعولمة - معها بالدولة الصهيونية. وإذا كانت نقطة البداية قد تميزت في مصر فقد تميزت الإدارة في إسرائيل، ولذلك جاءت النتائج لصالح الدولة الصهيونية بشكل حاسم، وهو ما يسجل على النظام في مصر.
كذلك، شكلت الاعتبارات "الشخصية" للرئيس المصري المرتكز الأهم في رسم السياسات الخارجية وتطوير علاقات مصر مع العالم، وخصوصا دول المحيطين الإفريقي والعربي منذ 1952. وفي البداية، ساندت ثورة 1952 - كحركة ثورية - الحركات التحررية لكل الشعوب حول العالم ووجهت انتباها خاصا لمساندة الشعب الفلسطيني والحركات التحررية لكل الشعوب الإفريقية والعربية التي رزحت تحت الاستعمار القديم. إلا أن النظام الجديد لم يكن مؤهلا لتطوير الأهداف والاستراتيجيات الناضجة المتسقة مع المصالح المصرية على المديين القصير والطويل، فلم يستثمر في علاقات وشراكات مستدامة تحقق المصالح المشتركة وتزيد قوة الارتباط على مستوى القارة أو حتى في نطاق حوض النيل الحيوي، واقتصر على لعب دور "المحرض الثورجي المفسد" وعلى التأييد المعنوي ببعض مواقف للرئيس عبد الناصر في مرحلة التحرير وما تيسر من التأييد المادي بتوفير الملاذ وبعض السلاح للثوار، وهو ما اسفر في حينه عن قفزة هائلة في شعبية الرئيس عبد الناصر محليا وإقليميا وحوله إلى شخصية عالمية أسطورية، ولكنه أدى أيضا إلى اعتباره نظاما معاديا للقوى العظمى وأسفر عن إجراءات مضادة أهمها تسريع دعم إسرائيل عسكريا بتوفير السلاح المتطور والتكنولوجيا المتقدمة بما فيها التكنولوجيا النووية العسكرية، ثم العمل العسكري المشترك والعدوان الثلاثي في 1956.
وقد أسفرت القفزة الهائلة في شعبية الرئيس عبد الناصر عربيا بعد عام 1956 عن تحول في اهتمامات وتوجهات النظام في مصر لخدمة أهداف الرئيس في الزعامة العربية وتراجع الاهتمام بالمصالح المشتركة مع الدول الإفريقية، بما في ذلك المصالح الحيوية مع دول المنابع في حوض النيل. وفي نفس الوقت الذي كرس فيه الرئيس الوقت والجهد والمال لدفع مفهوم القومية العربية تأسيسا على وحدة اللغة والدين، لم تحظ الدول الإفريقية أو دول حوض النيل أو حتى إثيوبيا التي تنبع منها تسع أعشار مياه النيل التي تصل دولة المصب، والتي انتمت أغلبتها المسيحية للكنيسة القبطية ومسلموها للأزهر كان من الممكن أن تؤسس - مع وحدة الجغرافيا والمصالح - لعلاقات خاصة للغاية مع مصر، عوضا عن تباعدها الحثيث وعملها الدؤوب مع إسرائيل ضد مصالح مصر المائية. واليوم، لا يجد الأخوة الأفارقة في دول المنابع - الذين فطنوا أخيرا إلى قيمة المياه لمشروعهم التنموي - أثرا لمصالح مشتركة مع مصر أو حتى دورا لها في حياتهم إلا بعض شعارات عن الاستعمار غير مجدية وغير مستدامة للرئيس عبد الناصر في زمن مضى وولى قد لا تدركه ذاكرة هذا الجيل أصلا. وبينما مارست مصر لسنوات طويلة ترفا مائيا علنيا استنادا إلى اتفاقيات وقعها الاستعمار القديم، يموت أبناءهم جوعا وعطشا دون أن توفر مصر - لعشرات السنين - دعما فنيا تستطيعه أو مشاركة أو تكاملا مع دول الإقليم لتفيد وتستفيد، ولتجد إسرائيل منفذا صنع في مصر لإيذاء مصر في أعز ما تملك؛ المياه.
أي أن مصر لم تكن أبدا في موقف أشد حرجا مما هي فيه اليوم في الإطار الدولي الجديد، تحيط بها من كل اتجاه أخطار وأطماع غير مسبوقة، سببتها سياسات النظام القاصرة تجاه المحيط الإقليمي. ففي الجنوب يستمر التآمر على وحدة ما بقي من السودان بعد انفصال الجنوب لتفتيته وتقسيمه، وتنازع دول حوض النيل - متعددة الموارد المائية - السودان ومصر - الصحراوية غير المطيرة على مياه النيل التي تشكل المصدر المستدام الوحيد للحياة فيها، خصوصا بعد أن أصابت مشكلة التضخم السكاني مصر بالفقر المائي للمرة الأولى في التاريخ - بينما رأيناها دائما مجرد مشكلة اقتصادية واجتماعية - وانخفض نصيب الفرد انخفاضا كارثيا من ~4000 م3/سنة في 1950 إلى ~700 م3/سنة في 2010، فحل بها الفقر المائي (< 1000م3/فرد) ويستمر التراجع مع الانفجار السكاني بحيث يتهددها الآن الجفاف والعطش والمجاعات، أو حروب مياه مدمرة. وفي الشرق أضيفت الأطماع الحمساوية في أرض مصر - برعاية إيرانية وإسرائيلية وأوربية وأمريكية وإخوانية - إلى الحالة الصومالية وإلى ضغوط وأطماع إسرائيل، التي ما زالت تمثل القاسم المشترك لمشاكل مصر الإقليمية بالرغم من اتفاق السلام الموقع بينهما.
وكأنما لنزيد مشاكلنا تعقيدا، تكاسلنا وأهملنا وأهدرنا وأسأنا الاختيار عندما انفجرنا سكانيا في ظل نظام غافل، فاستمر التكدس السكاني والتزاحم في الأرض القديمة - أرض الأجداد والأحفاد - فتآكلت الأرض الطيبة أمام التوسع العمراني العشوائي، بحيث أصبحت دلتا النيل للناظر من السماء كرئة أصابها درن! وضاق بنا الوادي فاتجهنا إلى قلب الصحراء وتركنا الساحل حيث الرطوبة وحيث الأمطار - على قلتها - وبينما تعاني مصر من الفقر المائي الذي سببه الانفجار السكاني، وجهنا مياه النيل بالرفع بإحدى أكبر محطات الضخ إلى توشكى الأكثر قسوة وقحولة وهشاشة في العالم بدلا من أن توجهها إلى الساحل الشمالي الغربي وسيناء بالانسياب بالانحدار الطبيعي لاستكمال الري بمياه الأمطار القليلة المتساقطة على الشمال التي لا تكفي حصيلتها الزراعة المنتظمة فتضيع - مع ما يضيع من مخزون المياه في صحراء توشكى - وتطرح من حصيلتنا المائية عاما بعد عام، وتبقى سيناء مطمعا بغير سكان يدرؤون عنها الغزاة والطامعين. إلا أن ترفنا المائي - الذي لم تتوقف فضائياتنا عن الإعلان عنه - كان الخطيئة الكبرى التي أثارت حفيظة الأخوة في دول المنابع الذين رأوا في استخدامنا للمياه تفريطا في المستقبل فرفضوه ووقعوا الاتفاق الإطاري لحوض النيل في غيبة مصر والسودان.
ومن داخلنا، لم تقدم التنظيمات الدينية والأحزاب السياسية - التي انشغلت بالصراعات بداخلها وفيما بينها بعد أن أعادها الرئيس السادات مع إطلاقه للحزب الوطني الديموقراطي - بديلا فاعلا أو مقبولا للحزب الحاكم الذي ترأسه والذي ظفر منفردا بالأصول والأموال التي منحها النظام للحزب الواحد الذي تغير اسمه دون مضمونه على مر السنين من هيئة التحرير إلى الاتحاد القومي إلى الاتحاد الاشتراكي، فاستمرت شموليته وبقي مكبلا بالفكر المَحدود والمٌحَدِد لأعضاء انتهازيين سيطروا عليه حتى بداية العقد، فمنع انطلاق البلد وأنتج طبقة من أثرياء جدد - لا تعرف مصادر ثرواتهم ومشكوك في التزامهم المالي للدولة ولا تحاسبهم الدولة ولا تقتضي حقوق الناس منهم - ضاعفوا حجم الهوة بين الغنى والفقر فتعاظم التفاوت الاقتصادي لحدود أثارت السخط العام وأصبحت تهدد الأمن الاجتماعي وتنذر بانفجار. وكأنما لم يكفي الحاكم كل التوتر الاجتماعي الذي أنتجته الهوة بين الغنى والفقر فتناسى درس الثورة العرابية واتجه إلى توريث الحكم، فأصبحت الدعوة إلى التغيير في مصر قاسما مشتركا بين فرقاء مختلفين لا تجمعهم رؤية مشتركة، وانطلقت ثورة 25 يناير التي قادها الشباب المتعلم لتوقظ مصر من غيبوبة مصطنعة.
4.      هـل تختطــف الثـورة؟!
شكلت الثورة التي أطلقها شباب مصري متعلم - بما مثلته من وطنية ونقاء وشجاعة وشهامة وتضحية - زلزالا تجاوز كل ما عرفته مصر، ونجحت في إطلاق التغيير ووضعت مصر على مفترق طرق يقودها إلى مستقبل واعد إذا ما تمت المحافظة على الثورة وحمايتها من الاختطاف أو الانحراف واستكمال بناء وتثبيت النظام الجديد وإعادة الالتزام إلى الشارع والبلد إلى العمل والإنتاج، أو يأخذها إلى انتكاسة كبرى تهدد وجود مصر التاريخي من أساسه إذا أهملنا في حمايتها من المخاطر الخارجية والداخلية المحدقة بها، فغفلنا عن فهم الإطار الدولي ورؤى وأهداف واستراتيجيات ومخططات وأدوات القوى الدولية وتشابكاتها وتفاعلاتها، أو قصرنا في إعداد دستور جديد وقوانين جديدة لدولة مدنية برلمانية ديموقراطية تكفل حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية لكل المصريين وتمنع التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو العقيدة وتضمن الشفافية والمساءلة وتتيح محاسبة ومحاكمة الرئيس وأعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والحكم المحلي. ولذلك، يبقى الحكم النهائي بنجاح أو فشل ثورة 25 يناير من منظور وطني كلي مرهونا بانتباهنا وأدائنا وبقراءتنا لملابسات وتقاطعات المصالح الداخلية والإقليمية والدولية في هذه المرحلة الحرجة.
وقد جاء ظهور جماعة الإخوان والجماعات المنبثقة عنها في ميدان التحرير ليؤذن بخطف الثورة التي بدأت سلمية بريئة، ثم جاءت أحداث أطفيح لتسلط الضوء على النوايا نحو مصر ولتستحضر إلى المقدمة كل المشاكل والتناقضات والخطايا، ثم انطلق متطرفون في قنا ليولوا أنفسهم الأمر ويقيموا حدودهم على الأمة، وانطلقت فضائياتهم بالوعيد لسافرات الشعر بحرقهن بماء النار ليفصحوا عن رغبة في منع العودة للاستقرار ودفع مصر إلى الفوضى. وأخيرا، وبعد إطلاق المشاركين في قتل الرئيس السادات ومجاهرتهم "بصحة قتله في سياق المرحلة،" تم الإعلان عن رفع أسماء 3000 قيادي بجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية من قوائم ترقب الوصول إلى مصر، وبدء عودتهم بالفعل من أفغانستان والشيشان والبوسنة والصومال وكينيا وإيران والمملكة المتحدة. وفي نفس الوقت الذي انطلقت فيه حملات هدم الأضرحة واتهام شخصيات مسيحية ومسلمة "بالإفك والبهتان،" وتهديدهم والتصريح باستخدام القوة والعنف ضدهم لمجرد الاختلاف مع توجهات التيار الأصولي العنفية. وأخيرا، أظهرت كل الفصائل الأصولية إصرارا على السيطرة على كل أحداث الميدان واستعدادا متصاعدا للتصادم مع الشباب الذي أطلق الثورة لتحقيق هذه السيطرة.
ولكن لماذا يجب أن يشغلنا ظهور الإسلام السلفي في ميدان التحرير، بينما من الطبيعي أن يشارك كل المصريين في التخلص من نظام مستبد وفاسد؟ هل لأن مصر كانت أول أهداف الإرهاب الديني الذي لم يقتصر على استهداف رموز النظام المستبد الفاسد وامتدت يده إلى الأهداف العامة لتنال من المواطن العادي ومن ضيوف مصر، وما تزال مذبحة سياح الأقصر ونتائجها الاقتصادية المدمرة في الذاكرة؟ أم لأن عنف التسعينات من القرن الماضي لم يكن – كما أسلفنا - أول عهد الجماعات الإسلامية بالعنف، ولأن لها تاريخ ممتد لعنف مستمر يعكس عقيدة راسخة للجماعة الأم "الإخوان المسلمون،" والجماعات المنبثقة عنها والمنشقة منها وتلك المبنية على فكرها المتشدد التي بدأت بها منذ نشأتها واستمرت حتى اليوم، وقسمها بالولاء والسمع والطاعة، وسلوكياتها بالتأييد والتهليل لغير مصريين من فروعها الأجنبية اقتحموا الحدود المصرية وقتلوا أبناء مصر بدم بارد ورفعوا أعلامهم على أراضيها؟
فلبس سرا أن جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم دولي عابر للحدود لا يدخل مصلحة مصر الوطنية كأولوية في حسابات الجماعة التي داومت منذ نشأتها على مطالبة أعضائها بأداء قسم "الولاء للجماعة والسمع والطاعة لمرشدها" الذي يعطي الولاء للجماعة وليس للوطن، والذي قام الأعضاء في البداية، بأدائه أمام المرشد المؤسس حسن البيا نفسه، وما زال الأعضاء يؤدون القسم في الوقت الحاضر. ويظهر الفيديو: www.youtube.com/watch?v=ev-IDlrw8WQ://http القسم الذي أداه فرع الجماعة في غزة في ديسمبر 2008، والذي يجب أخذه في الاعتبار عند تقييم دوافع ونتائج قتل الجنود المصريين بدم بارد على الحدود مع قطاع غزة واجتياح الأعضاء الغزاويين للحدود المصرية، وإرهاب المواطنين المصريين الآمنين، ورفع علم أجنبي على الشيخ زويد وباقي مناطق الأراضي المصرية، ثم استمرار قنص وقتل الجنود والضباط المصريين بدم بارد بعد انسحاب مئات الألوف من الغزاويين من سيتاء. هذا السلوك لأعضاء في الجماعة أدوا في العلن قسم "الولاء للجماعة والسمع والطاعة لمرشدها" يؤكد أن حرب الجماعة على مصر “الكافرة” التي بدأها تنظيمها الخاص السري باغتيال المستشار الخازندار في الأربعينات لم تنتهي وأن ما تبدل هو استراتيجيتهم، وأنهم ما فتئوا يهزون أعمدة مصر ليسقطوها وينقضوا على ما بقي منها ليقيموا عليه إمارتهم في مصر بعد أن أقاموها في غزة. وهم يستخدمون - ولهم في المرشد المؤسس أسوة وقدوة - وهو الذي سبق أن أمر بالقتل ثم أنكر في كل مرة أية صلة
وليس غريبا على "الجماعة الأم" وعلى حماس أن يتناغما فهما كل وجزء يكملان بعضهما البعض ولا يريدان بمصر السوية والقوية خيرا، وهما يمارسان عنفا يعرفه عنهما كل المصريين منذ أربعينات القرن الماضي، ولعل في هجمة فرعهم بغزة على أرض مصر وقتلهم لأبنائها -بعد استيلائهم على السلطة بالقطاع بقوة وقسوة، - دليلا يكفي. وهم، وما زال على أيديهم دماء مصرية، إن تمكنوا سيقيمون في مصر حكومة التطرف، ليغترب مصريون في وطنهم. وفي الواقع فإن أداء الأعضاء للقسم - وما ترتب عليه حتى الآن - يثير تساؤلات حول حق جماعة الإخوان والتنظيمات السلفية المنبثقة عنها في مصر في ممارسة حقوق المواطنة - وعلى رأسها الحقوق السياسية - قبل إعلان تخليها عن أهدافها العابرة للحدود وإعلان ولاءها الحصري للوطن. ولذلك، فقد حان الوقت لأن يأمر المرشد - وهو من له السمع والطاعة - فرع غزة بتسليم المتهمين - المعروفين بالاسم - الذين قاموا والذين طلبت مصر من حكومة الإخوان المسلمين في غزة تسليمهم للسلطات المصرية تمهيدا لمحاكمة عادلة، ولأن يعلن المرشد - حتى لا يكون الولاء لغير الوطن في إطار خصوصية علاقة الإنسان بربه - تخلي جماعة الإخوان - والتنظيمات السلفية المنبثقة عنها في مصر - عن أهدافها العابرة للحدود وانضمامها للمشروع الوطني المصري وولاءها الحصري للوطن واعترافها بالدولة المدنية وبحقوق المواطنة الكاملة والمتساوية لكل المصريين بلا تمييز بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العقيدة، وأن تتوقف دعوتها لتمايز المصريين على أسس دينية.
لقد عاد السلفيون - ولكن بعد أن جاءهم المدد الوهابي - فازدادوا تنظيما وثروة، وطوروا خطابهم ومقاريتهم، دون أن تدخل مصلحة مصر الوطنية في حساباتهم. إلا أن ما لا تدركه جماعة الإخوان والتنظيمات السلفية المنبثقة عنها والمتحالفة معها هو أنها تُستَخدم - بإرادتها أو بغير إرادتها - كمُفَجر للمنطقة وجزء أساسي من آليات المُخَطط الذي يجري تنفيذه الآن على الأرض لتفتيت المنطقة وإعادة تقسيمها إلى دويلات دينية وطائفية صغيرة وغير قادرة على إزعاج القوى العظمى أو إسرائيل في المستقبل القريب أو البعيد، وأنها تعمل - كأمر واقع - على تأمين إسرائيل وتحقيق نهائيتها كالقوة العظمى بالمنطقة والمركز الدائم للسيطرة عليها. ولذلك، فإن استمرارهم في ممارسة العنف السياسي الذي مارسوه حتى الآن لفرض الرأي على المجتمع على مدى العقود الماضية يسقط في أيديهم ويقود بكل تأكيد إلى صراع طائفي مسلح بكل ويلاته ونتائجه، فيُسلم مُسلمي ومَسيحيي المنطقة معا لقوى معادية لتنفذ إرادتها فيهما وتستعبدهما إلى أجل غير مسمى.
لا شك في أن المخطط الدولي المعقد والخطير الذي ندير الموقف الوطني الحرج في إطاره يتطلب مواجهة المصريين لتداعيات وتحديات ثورتهم بكل فصائلهم مجتمعين ومتوافقين في إطار مصري وطني خالص وبغير استبعاد لأي طرف من الأطراف، حتى يستمدوا من اجتماعهم ووفاقهم ووحدة هدفهم قوة تتطلبها خطورة المرحلة وصعوبة المهمة. إلا أن هذا الوفاق لا يمكن أن يتحقق في ظل الاستقطاب الديني المسيحي والإسلامي والأيديولوجيات المتطرفة والأجندات المخبأة والأفكار التكفيرية والتنظيمات العابرة للحدود الناكرة لحقوق المواطنة ولوحدة النسيج الوطني المصري. وقد كان الداعية الإسلامي الدكتور مصطفي محمود صاحب برنامج "العلم والإيمان" بعيد النظر ومدركا لما ينتظر مصر والمنطقة عندما كتب بالأمس عن الدولة المدنية، وكأنه بيننا اليوم:
"لقد حاربنا إسرائيل وحطمنا خط بارليف وعبرنا سيناء دون أن ننقلب إلى حكومة إسلامية ..
وحاربنا التتار وهزمناهم ونحن دولة مماليك ....
وحاربنا بقيادة صلاح الدين القائد الكردي وكسرنا الموجة الصليبية ودخلنا القدس ونحن دولة مدنية لا دولة إسلامية..
ولم تقم للإسلام دولة إسلامية بالمعنى المفهوم إلا في عهد الخلفاء الراشدين ثم تحول الحكم الإسلامي إلى ملك عضوض يتوارثه خلفاء أكثرهم طغاة وفسقة وظلمة.
وكنا مسلمين طوال الوقت وكنا نحارب دفاعا عن الإسلام في فدائية وإخلاص بدون تلك الشكلية السياسية التي اسمها حكومة إسلامية..
لا تخدعونا بهذا الزعم الكاذب بأنه لا إسلام بدون حكم إسلامي فهي كلمة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والإسلام موجود بطول الدنيا وعرضها وهو موجود كأعمق ما يكون الإيمان بدون حاجة الى تلك الأطر الشكلية..
أغلقوا هذا الباب الذى يدخل منه الانتهازيون والمتآمرون والماكرون والكذبة إنها كلمة جذابة كذابة يستعملها الكل كحصان طروادة ليدخل الى البيت الإسلامي من بابه لينسفه من داخله وهو يلبس عمامة الخلافة ويحوقل ويبسمل بتسابيح الأولياء.
إنها الثياب التنكرية للأعداء الجدد ..
إنها الطريق إلى جهنم"
كذلك، كتب الدكتور طارق عبد الحميد من واشنطن عن "ذلك" الإسلام الوسطي - إسلام الأزهر الشريف - الذي أراده المصريون دائما لمصر تصديقا لقوله تعالى "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا". كتب الدكتور عبد الحميد:
"قالوا لي هل تريد أن يكون الإسلام مصدراً من مصادر التشريع، فقلت لهم نعم ولكنى أريد ذلك الإسلام الذى أعطى للإنسان حرية الفكر واختيار العقيدة فقال ”فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” قرآن كريم (18- 29). قلت لهم إني أُريد إسلاما لا يُكره أحد على أداء شعائره كما قال القرآن الكريم ”لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى” قرآن كريم (2- 256). أُريد إسلاما يُقِيّم الناس بالمحبة التي في قلوبهم وليس ذلك الإسلام الذى يُقيمهم بما يلبسون فالله تعالى قال في كتابه العزيز ”يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم” قرآن كريم (26- 88).
نعم أُريد ذلك الإسلام الذى يحنوا على المسكين واليتيم والأسير أيّاً كان دينهُ أو عرقه أو عقيدته فقد قال تعالى ”ويطعمون الطعام على حبهِ مسكيناً ويتيما وأسيراً" قران كريم 76 – 8) ولم يقل ويطعمون المسكين المسلم أو اليتيم المسلم أو الأسير المسلم فقط.
نعم أُريد إسلاما يُدافع أتباعه عن كنائس ومعابد غير المسلمين كما يدافعون عن المساجد فالله تعالى هو القائل ”ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها أسم الله كثيراً” قرآن كريم (2- 251).
نعم أُريد إسلاما يعلوا بالتواضع ويسموا بالرحمة والمغفرة لا باللعنات والكبر فالله تعالى هو القائل ”وقل ربى اغفر وارحم وأنت خير الراحمين” قرآن كريم (23 – 118).
نعم أُريد ذلك الإسلام الذى يتعبد أتباعه مع أهل الديانات الأخرى ويصلون معهم كما قال تعالى ”وأصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى ولا تعدوا عيناك عنهم” قرآن كريم (18 – 28) فلم يقل القرآن وأصبر نفسك مع الذين يدعون ”ربك” بل قال ”ربهم.”
نعم أُريد ذلك الإسلام الذى يشهد أتباعه بالحق والصدق ولو حتى على أنفسهم كما قال ربى ”كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين” قرآن كريم (5- 8).
نعم أريد ذلك الإسلام الذى تسموا فيه الروح فوق الأحرف والكلمات كما قال ربى ”وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان نوراً نهدى به من نشاء من عبادنا” قرآن كريم (42 -52).
نعم أُريد ذلك الإسلام الذى يجعل أتباعه ”ربانيين” كما قال ربى ”ولكن كونوا ربانيين” قرآن كريم (3- 79) أي أولئك الذين يرى الناس أعمالهم الحسنه فيقدسوا وجه خالقهم ومبدعهم.
نعم أُريد ذلك الإسلام الذى يجعلنا نُقدس الإبداع فالله تعالى هو "بديع السماوات والأرض" قرآن كريم (2 – 117) ونحترم الفكر المخالف ونرى فيه جمالا لأهميته فقد قال ربى ”ولوشاء ربك لجعل الناس أُمةً واحده ولايزالون مختلفين” قرآن كريم (11 – 118).
نعم أُريد إسلاما تزرف أعيُن أتباعه دمعاً حينما يسمعون آيات الله في القرآن والإنجيل والتوراة وتقشعر جلود من آمن بهِ حينما يرون جمال الله في الورود والفراشات وقواقع البحار فالله تعالى كما قال في حديثه القدسي "جميل يحب الجمال.”
نعم صدقوني إني أُؤيد ذلك الإسلام الذى هجره ونسيه الكثيرون كما قال ربى في يوم الدين ”وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا" قرآن كريم (25 – 30).
فإن كانت تلك الصفات والتي تسمح باحترام الفكر والتنوع والاختلاف وتقدس الجمال والأبداع هي مرجعيه الإسلام فأهلا وسهلا بها. وإن كان مفهوم المرجعية عند البعض هي إكراه الناس على شعائر الدين وقمع بناء كنائسهم ومعابدهم وإصدار الأحكام على البشر وينعتهم بالكفر والزندقة فلا أهلا ولا سهلا بتلك المرجعية."
لا يخفي على أحد أن الجماعة - كتنظيم دولي عابر للحدود لا يدخل مصلحة مصر الوطنية كأولوية في حساباته - لم تغير أهدافها، ولكن ما تبدل هو استراتيجيتها، فهم لم يغيروا شعاراتهم أو شعائرهم ولم يتخلوا عن فكرهم المتشدد، ولكنهم يستخدمون الآن "ديموقراطية الثورة" ليسقطوا مصر ويقيموا فيها إمارتهم تحت مظلة "الفوضى الخلاقة"، ولعل في انقضاض فرع غزة على القطاع بالسلاح وهجمته على أرض مصر وقتله لجنود مصريين دليلا يكفي. وهم، وما زال على أيديهم دماء مصرية، وكما يشهد تاريخ الجماعة على مدى 83 عاما، إن تمكنوا "ديموقراطيا" سيقيمون في مصر حكومة التطرف والانفراد والتسلط، لتحكم البلد بحد السيف وتختزل الحضارة المصرية في تطرفهم، ولتثور الفتنة وتتحول مصر إلى دولة فاشلة أخرى قابلة للتفتيت وإعادة التقسيم برعاية دولية. فهل لهذا قام الشباب بثورتهم وسقط شهداؤهم من أبنائنا؟ وهل يمثل وصول هذه الجماعة من المجاهدين المدربين المحترفين جزءا من التعبئة لمهمة وشيكة بالداخل المصري؟ وهل يؤذن بقرب إسقاط مصر في فتنة دينية - هي الخطوة الأخيرة في آلية[9] الفوضى الخلاقة - لتنتهي بهزيمة نهائية لمصر من الداخل وتقسيم هذه الدولة ذات المقومات العظيمة التي استحالت عليهم بالحروب إلى دويلات على المقاس الصهيوني تصلح لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ولتصل رحلة القرن الصهيونية التي بدأت في 1897 إلى نهايتها وأهدافها طبقا للمخطط بنجاح؟
لقد آن للجماعة وفصائلها أن تتقي الله في وطنها ومواطنيها فتعود إلى الوسطية التي أرادها الله للمسلمين، وأن تفكر في مدلولات التطور في علاقة الجماعات الإسلامية والمسيحية بالغرب - الولايات المتحدة التي قبلت مؤخرا مشاركة جماعة الإخوان في الحكم وإسرائيل التي أعلنت فجأة استعدادها للتعامل مع حكومات إسلامية - وأن تدرك أن بريطانيا هي من ابتكر "آلية" الدول الدينية والإثنية لاستقطاب شعوب المستعمرات السابقة وإثارة الفتن فيها لمنع نهوضها، وأنها أطلقت - بمباركة الصهيونية العالمية - آليتها الخبيثة بإسرائيل وباكستان ويمزقون الآن بها السودان "مركز حوض النيل" إلى جنوب مسيحي وشمال مسلم وغرب إفريقي، ويسعون لتطبيقها في مصر والمنطقة، ولذلك يحتضنون قلة من مسيحيي المهجر في أوروبا وأمريكا، ويطلبون الديمقراطية للسلفيين بالداخل والخارج الذين قادوا الإسلام في مصر من الوسطية إلى الوهابية، وأطلقوا الإرهاب الديني في مصر منذ أربعينات القرن الماضي، واستخدموا الدين بلا حدود في السعي إلى السيطرة على الناس لخدمة أجندات سياسية غريبة على مصر، فحل بمصر استقطاب ديني يكاد يقسم البلد ويثير الفتنة، بينما هم يشرعون ضد الإرهاب في بلدهم ويسنون "Patriot Act" ويطلقون إجراءات إستثنائية وجهازا أمنيا بلا مثيل لمحاربته، وهو ما يثير تساؤلا هاما حول مفهوم الديموقراطية الانتقائية الذي يصلح للمنطقة ولكنه يستقطب الطوائف ويدعم الانفراد الطائفي بالسلطة.


[1]رفض حسن البنا رفضا باتا الحزبية وأعلن عدائه للأحزاب السياسية إذ اعتبرها ماهى إلا نتاج أنظمة مستوردة ولا تتلاءم مع البيئة المصرية ووصفت جريدة (النذير) الأحزاب المصرية بأنها أحزاب الشيطان مؤكدة على أنه لا حزبية في الإسلام في حين أعلنوا ولاءهم وأملهم في "ملك مصر المسلم".
[2]أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية عام 1928م كجمعية دينية تهدف إلى التمسك بالدين وأخلاقياته وفى عام 1932م نقل نشاطها إلى القاهرة وبدأت الجماعة نشاطها السياسي في عام 1938م فعرضت حلا إسلاميا لكافة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعانى منها البلاد في ذلك الوقت و رفضت الدستور والنظام النيابي على أساس أن دستور الأمة هو القران كما أبرزت الجماعة مفهوم القومية الإسلامية كبديل للقومية المصرية.
[3]"النظام الخاص" بجماعة الإخوان المسلمين أو التنظيم الخاص أو التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين، هو نظام عسكري أسسته الجماعة في العام 1940 وهدفه إعداد نخبة منتقاة من الإخوان للقيام بمهمات خاصة والتدريب على العمليات العسكرية ومحو الأمية العسكرية للشعب المصري. وقد عهد حسن البنا قيادة النظام الخاص إلي صالح عشماوي وكان آنذاك وكيلا للجماعة وحظي محمود عبد الحليم بمساحة تنفيذية واسعة في بداية إنشاء هذا التنظيم حيث يقول " عند مباشرة عملية الإنشاء وجدت نفسي أشبه بالعضو المنتدب لهذه القيادة " فهو كان مندوبا عن الطلبة في القاهرة واستطاع أن يجعل من الطلاب العنصر الأساسي في تكوين هذا التنظيم العسكري الذي تم تقسيمه لمجموعات عنقودية صغيرة لا تعرف بعضها مع تلقينهم برنامجا إيمانياً وروحياً مكثفاً إضافة إلي دراسة مستفيضة للجهاد في الإسلام وكذلك التدريب علي استعمال الأسلحة والأعمال الشاقة والمبالغة في السمع والطاعة في المنشط والمكره وكتمان السر، غير أن محمود عبد الحليم ترك هذه المسئولية بعد أن عهد إلى عبد الرحمن السندي بها بسبب انتقاله للعمل في دمنهور في 16/6/1941م.
[4]في صباح يوم 22 مارس 1948 خرج القاضي أحمد بك الخازندار من منزله بشارع رياض بحلوان ليستقل القطار المتجه إلى وسط مدينة القاهرة حيث مقر محكمته. وكان في حوزته ملفات قضية "تفجيرات سينما مترو"، والتي اتهم فيها عدد من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وما أن خرج من باب مسكنه حتى فوجئ بشخصين هما عضوي جماعة الإخوان حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم يطلقان عليه وابلا من الرصاص من مسدسين يحملانهما. أصيب الخازندار بتسع رصاصات ليسقط صريعا في دمائه بينما حاول الجناة الهرب سريعا والتصرف بهدوء، ولكن سكان الحي أسرعوا لمطاردتهما لدى سماع صوت الرصاصات التسع وطاردوا المجرمين، فقام أحدهما بإلقاء قنبلة على الناس فأصاب البعض، لكن الناس تمكنوا من القبض عليهما.
[5] قام "عبد المجيد أحمد حسن" المنتمي إلي النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين باغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في 28 ديسمبر 1948 في القاهرة، بعد أن أصدر قرارا بحل الجماعة في نوفمبر 1948. وكان القاتل متخفيا في زي أحد ضباط الشرطة وقام بتحية النقراشي حينما هم بركوب المصعد ثم أفرغ فيه ثلاث رصاصات في ظهره، وتبين من التحقيقات وجود شركاء له في الجريمة.
[6]قام محمود العيسوي عضو الجماعة المنتمي أيضا للحزب الوطني باغتيال أحمد ماهر باشا رئيس وزراء مصر في البرلمان المصري في 24 فبراير 1945م، وهو الأخ الشقيق لعلي ماهر باشا، الذي انتمى لحزب الوفد في بداياته ثم كون كتلة السعديين مع النقراشي باشا وتولى الوزارة سنة 1944 بعد النحاس باشا.
[7]كان جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين عضوا مجلس قيادة الثورة من أشهر أعضاء النظام الخاص للجماعة الذي انضما إليه عام 1943 وفق شهادة خالد محيي الدين نفسه.
[8]هذا الجزء منقول عن موقع كل الطلبة Cairo University Students Forum: http://www.alltalaba.com/board/index.php?showtopic=38473،
[9]تعتمد آلية "الفوضى الخلاقة" على تمكين ومساندة أنظمة دكتاتورية مستبدة وفاسدة لاستدعاء غضب الجماهير، واستخدام الطبيعة الانفعالية الحماسية للجماهير الغاضبة لإطلاقها ذاتيا "لتحريك" الاحتجاجات ضد الأنظمة، ثم استغلال التناقضات والاختلافات بين التنظيمات السياسية لبدء الصراعات ونشر الفوضى، وإزكاء النعرات الدينية والطائفية والتعصب واستقطاب المجتمع لإثارة الفتنة وإشعال المنطقة وتفجيرها ليسهل تقسيمها إلى كيانات ضعيفة وإعادة ترتيبها في نهاية الأمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق