الخميس، 7 أبريل 2011

انتبهوا يا شباب: إنهم يخطفون الثورة!

شكلت الثورة التي أطلقها شباب مصري متعلم - بما مثلته من وطنية ونقاء وشجاعة وشهامة وتضحية - زلزالا تجاوز كل ما عرفته مصر، ونجحت في إطلاق التغيير ووضعت مصر على مفترق طرق يقودها إلى مستقبل واعد إذا ما تمت المحافظة على الثورة وحمايتها من الاختطاف أو الانحراف واستكمال بناء وتثبيت النظام الجديد وإعادة الالتزام إلى الشارع والبلد إلى العمل والإنتاج، أو يأخذها إلى انتكاسة كبرى تهدد وجود مصر التاريخي من أساسه إذا أهملنا في حمايتها من المخاطر الخارجية والداخلية المحدقة بها، فغفلنا عن فهم الإطار الدولي ورؤى وأهداف واستراتيجيات ومخططات وأدوات القوى الدولية وتشابكاتها وتفاعلاتها، أو قصرنا في إعداد دستور جديد وقوانين جديدة لدولة مدنية برلمانية ديموقراطية تكفل حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية لكل المصريين وتمنع التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو العقيدة وتضمن الشفافية والمساءلة وتتيح محاسبة ومحاكمة الرئيس وأعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والحكم المحلي. ولذلك، يبقى الحكم النهائي بنجاح أو فشل ثورة 25 يناير من منظور وطني كلي مرهونا بانتباهنا وأدائنا وبقراءتنا لملابسات وتقاطعات المصالح الدولية والإقليمية والداخلية في هذه المرحلة الحرجة.
وقد جاء ظهور جماعة الإخوان في ميدان التحرير ليؤذن بخطف الاحتجاج الذي بدأ سلميا بريئا، ثم جاءت أحداث أطفيح لتسلط الضوء على النوايا نحو مصر ولتستحضر إلى المقدمة كل المشاكل والتناقضات والخطايا، ثم انطلق متطرفون في قنا ليولوا أنفسهم الأمر ويقيموا حدودهم - عوضا عن حدود الله - على الأمة، وانطلقت فضائياتهم بالوعيد لسافرات الشعر بحرقهن بماء النار ليفصحوا عن رغبة في منع العودة للاستقرار ودفع مصر إلى الفوضى. وأخيرا، وبعد إطلاق المشاركين في قتل الرئيس السادات ومجاهرتهم "بصحة قتله في سياق المرحلة،" تم الإعلان عن رفع أسماء 3000 قيادي بجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية من قوائم ترقب الوصول إلى مصر، وبدء عودتهم بالفعل من أفغانستان والشيشان والبوسنة والصومال وكينيا وإيران والمملكة المتحدة. وفي نفس الوقت الذي انطلقت فيه حملات هدم الأضرحة واتهام شخصيات مسيحية ومسلمة "بالإفك والبهتان،" وتهديدهم والتصريح باستخدام القوة والعنف ضدهم لمجرد الاختلاف مع توجهات التيار الأصولي العنفية. وأخيرا، أظهرت كل الفصائل الأصولية إصرارا على السيطرة على كل أحداث الميدان واستتعدادا متصاعدا للتصادم مع الشباب الذي أطلق الثورة لتحقيق هذه السيطرة.
ولكن لماذا يجب أن يشغلنا ظهور الإسلام السلفي في ميدان التحرير، بينما من الطبيعي أن يشارك كل المصريين في التخلص من نظام مستبد وفاسد؟ هل لأن مصر كانت أول أهداف الإرهاب الديني الذي لم يقتصر على استهداف رموز النظام المستبد الفاسد وامتدت يده إلى الأهداف العامة لتنال من المواطن العادي ومن ضيوف مصر، وما تزال مذبحة سياح الأقصر ونتائجها الاقتصادية المدمرة في الذاكرة؟ أم لأن عنف التسعينات من القرن الماضي لم يكن أول عهد الجماعات الإسلامية بالعنف، ولأن لها تاريخ ممتد لعنف مستمر يعكس عقيدة راسخة للجماعة الأم "الإخوان المسلمون،" تظهر بوضوح في شعاراتها الدائمة - السيفان والآية الكريمة "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ"، وشعارها السياسي المعاصر "الإسلام هو الحل" الذي يضع المصريين في مواجهة "مع الله تعالى أو ضده" ويضع الله سبحانه محل النجاح أو الفشل إذا ما عجزوا هم عن الحل، وشعائرها - القسم بالسمع والطاعة لمرشد الجماعة، وممارساتها - الاغتيالات على مدى سنوات قوتها وضعفها وتنطيماتها السرية والعسكرية والجماعات المنبثقة عنها والمنشقة منها وتلك المبنية على فكرها المتشدد التي بدأت بها منذ نشأتها واستمرت حتى اليوم، وسلوكياتها بالتأييد والتهليل لغير مصريين من فروعها الأجنبية اقتحموا الحدود المصرية وقتلوا أبناء مصر بدم بارد ورفعوا أعلامهم على أراضيها، وهم أيضا أصحاب الدعوة إلى الدولة الدينية الذين تحالفوا في خمسينات القرن الماضي مع "الضباط الأحرار" ليس حبا ولكن سعيا إلى السلطة، ثم ما لبثوا أن انقلبوا على بعضهم البعض، فانتصر الجيش واحتفظ النظام الثوري بالسلطة وبدأ عهد جديد بمصر.
ما أشبه اليوم بالبارحة! أليس هذا ما يحدث اليوم في مصر تماما؟ لقد عاد السلفيون المتربصون - ولكن بعد أن جاءهم المدد الوهابي - فازدادوا تنظيما ومكرا وثروة، وطوروا خطابهم ومقاريتهم إلى حين يتمكنون، دون أن تدخل مصلحة مصر الوطنية في حساباتهم. لقد آن للجماعة وفصائلها أن تعود إلى قوله تعالى "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا" وأن تدرك أن بريطانيا هي من ابتكر "آلية" الدول الدينية والإثنية لاستقطاب شعوب المستعمرات السابقة وإثارة الفتن فيها لمنع نهوضها، وأنها - بمباركة الصهيونية العالمية - أطلقت آليتها الخبيثة بإسرائيل وباكستان ويمزقون الآن بها السودان "مركز حوض النيل" إلى جنوب مسيحي وشمال مسلم وغرب أفريقي، ويسعون لتطبيقها في مصر والمنطقة، ولذلك يحتضنون قلة من مسيحيي المهجر في أوروبا وأمريكا، ويطلبون الديمقراطية للسلفيين المتربصين بالداخل والخارج الذين قادوا الإسلام في مصر من الوسطية إلى الوهابية، وأطلقوا الإرهاب الديني في مصر منذ أربعينات القرن الماضي، واستخدموا الدين بلا حدود في السعي إلى السيطرة على الناس لخدمة أجندات سياسية غريبة على مصر، فحل بمصر استقطاب ديني يكاد يقسم البلد ويثير الفتنة، بينما هم يشرعون ضد الإرهاب في بلدهم ويسنون "Patriot Act" ويطلقون إجراءات إستثنائية وجهازا أمنيا بلا مثيل لمحاربته، وهو ما يثير تساؤلا هاما حول مفهوم الديموقراطية الانتقائية الذي يصلح للمنطقة ولكنه يستقطب الطوائف ويدعم الانفراد الطائفي بالسلطة. ألم يحن لنا أن نتساءل عن كيف يمكن لمن ينكر الآخر ويقسم بالولاء والطاعة لغير الوطن أن يكون ديموقراطيا ووطنيا؟!
لا يخفى على أحد أن الجماعة - كتنظيم دولي عابر للحدود لا يدخل مصلحة مصر الوطنية كأولوية في حساباته - لم تغير أهدافها، ولكن ما تبدل هو استراتيجيتهم، فهم لم يغيروا شعاراتهم أو شعائرهم ولم يتخلوا عن فكرهم المتشدد، ولكنهم يستخدمون الآن "ديموقراطية الثورة" ليسقطوا مصر ويقيموا فيها إمارتهم تحت مظلة "الفوضى الخلاقة"، ولعل في انقضاض فرع غزة على القطاع بالسلاح وهجمته على أرض مصر وقتله لجنود مصريين دليلا يكفي. وهم، وما زال على أيديهم دماء مصرية، وكما يشهد تاريخ الجماعة على مدى 83 عاما، إن تمكنوا "ديموقراطيا" سيقيمون في مصر حكومة التطرف والانفراد والتسلط، لتحكم البلد بحد السيف وتختزل الحضارة المصرية في تطرفهم، ولتثور الفتنة وتتحول مصر إلى دولة فاشلة أخرى قابلة للتفتيت وإعادة التقسيم برعاية دولية. فهل هذه هي مصر العظيمة المتحضرة السمحة التي رفعت شعار "الهلال والصليب" وانتخب مسلموها في عشرينات القرن الماضي - بلا "كوتا" أو "قوائم نسبية" - مجلسا نيابيا ربعه من المسيحيين الأقباط، ليعطوا العالم كله درسا في الوسطية والسماحة والعيش المشترك؟! وهل لهذا قام الشباب بثورتهم وسقط شهداؤهم من أبنائنا؟ وهل يمثل وصول هذه الجماعة من المجاهدين المدربين المحترفين جزءا من التعبئة لمهمة وشيكة بالداخل المصري؟ وهل يؤذن بقرب إسقاط مصر في فتنة  دينية - هي الخطوة الأخيرة في آلية[1] الفوضى الخلاقة - لتنتهي بهزيمة نهائية لمصر من الداخل وتقسيم هذه الدولة ذات المقومات العظيمة التي استحالت عليهم بالحروب إلى دويلات على المقاس الصهيوني تصلح لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ولتصل رحلة القرن الصهيونية التي بدأت في 1897 إلى نهايتها وأهدافها طبقا للمخطط بنجاح؟

[1]تعتمد آلية "الفوضى الخلاقة" على تمكين ومساندة أنظمة دكتاتورية مستبدة وفاسدة لاستدعاء غضب الجماهير، واستخدام الطبيعة الانفعالية الحماسية للجماهير الغاضبة لإطلاقها ذاتيا  "لتحريك" الاحتجاجات ضد الأنظمة، ثم استغلال التناقضات والاختلافات بين التنظيمات السياسية لبدء الصراعات ونشر الفوضى، وإزكاء النعرات الدينية والطائفية والتعصب واستقطاب المجتمع لإثارة الفتنة وإشعال المنطقة وتفجيرها ليسهل تقسيمها إلى كيانات ضعيفة وإعادة ترتيبها في نهاية الأمر.

هناك تعليق واحد: