الثلاثاء، 8 أبريل 2014

لمن نعطي مسئولية المرحلة... المشير السيسي أم السيد صباحي؟



لا شك أن علينا أن ندافع عن حق كل منا - بما في ذلك السيد حمدين صباحي - في التصدي لمسئولية الوطن إذا ما استشعر القدرة على إنجاز أهداف المرحلة والمهمة. إلا أن الظرف التاريخي الذي تمر به مصر، والذي يهدد بقاء مصر التاريخية من أساسه، يحتم علينا أن نفهم أن العبرة في اختيار المرشح يجب أن تكون باستيعابه لأبعاد الأزمة وأولوياتها، وبرؤيته للمستقبل وقدرته على "الإدارة بأهداف المرحلة والمهمة" التي تعرف بسابقة أعماله وخبراته، وليس بمواقفه السياسية التاريخية وقدرته على حشد الأنصار حوله بكلام مكرر عن اعتبارات ما كان في أنظمة سابقة لم تعد قائمة أصلا. ولذلك فلا يمكن أن يكون تاريخ النضال السياسي ومعارضة النظام ودخول السجن لمواقف سياسية وطنية أساسا لتوقع نجاح أي مرشح في مهمة خطيرة ومعقدة، تشمل، بل تغلب عليها، الجوانب الاستراتيجية والتنفيذية وتتطلب معرفة كاملة بأدواتها. إلا أن هذا الحق في التصدي للمسئولية الوطنية الخطيرة في مرحلة شديدة الحرج من تاريخ الوطن يجب أن يتأسس فقط على القدرة المبرهنة على الإنجاز، ولنا في أداء "مغرضي وعواجيز" المرحلة السابقة عبرة. من هنا، فإن التقييم الموضوعي المنصف لخبرات المرشح حمدين صباحي وتاريخه الوظيفي والعملي لا يمكن أن يؤسس لاستقراء فرصة لنجاحه في مهمته إذا ما اكتفينا بتاريخ النضال السياسي لانتخابه، بل أنها ترجح فشله في المهمة المعقدة شبه المستحيلة لأكثر الناس خبرة، فما بالنا بالأقل خبرة.

ولأن الجيوش هي من طورت واستخدمت علوم الإدارة، ولأن إدارة الجيوش الحديثة ترتكز على استخدام القدرات العلمية التي تم تطويرها على مستوى العالم، ولأن من المفروغ منه أن القوات المسلحة المصرية قد استوعبت الدرس وقامت بتطوير قدراتها بعد هزيمة 1967، واستخدمت قدراتها العلمية والإدارية الجديدة، في الإعداد والتخطيط لمعركة العبور، وشنت الحرب وحققت انتصارا مذهلا على عدو يملك التفوق تحصينا وكما وكيفا، وكان الإعداد النفسي للقوات، واختيار وقت وأسلوب العبور، وتنسيق الأسلحة، وتحريك الإمدادات، والابتكار الهندسي غير المسبوق لتدمير واقتحام خط بارليف الحصين. لكل ذلك كان في نجاح العبور وتحقيق السيطرة على الضفة الشرقية بالرغم من التفوق العسكري والمساعدات الأمريكية غير المحدودة شهادة للقوات المسلحة المصرية باستكمال تطويرها العلمي والمؤسسي، وانضمامها للمؤسسات العسكرية الحديثة المصنفة على المستوى العالمي، التي طورت واستخدمت - بحكم احتياجاتها - كل علوم الإدارة، بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي وبحوث العمليات وإدارة سلاسل التموين والتحريك، وإن ضمنت الولايات المتحدة التفوق لإسرائيل.

ولأن مصر لا تملك في هذه المرحلة رفاهية التجربة والخطأ، ولأننا في موقف استثنائي يتطلب قدرات استثنائية مجربة، ولأن حالنا لا يمكن أن يكون في هذه الظروف المستحيلة "عمل كالعادة business as usual" فليس أمامنا ثمة اختيار لنجاح عبور جديد أخطر وأصعب من عبور 1973 المظفر - الذي صنعته بأدوات الإدارة وأنجزته بالتضحية والفداء والدماء القوات المسلحة المصرية - إلا تولية المشير السيسي المسئولية. إلا أن الحمل الذي ينتظر المشير هو حمل مستحيل تنوء به الجبال، ولا يمكن أن يحمله فرد بمفرده مهما بلغت شجاعته وعبقريته في هذه الأنواء الدولية المصحوبة بهجمة إرهابية ليس على مصر فقط، ولكن على الإقليم بأكمله في تكرار تاريخي لتقسيم المنطقة في 1916، وهو ليس بطبيعة الحال ساحرا قادرا على تحقيق المستحيل، ولذلك فعلينا أن نفهم أن علينا جميعا أن نعينه عليه، وأن الوقت قد حان للعودة إلى شعار "الاتحاد والنظام والعمل" العبقري لثورة 1952، الذي لم نكن أبدا في حاجة أكثر لمعانيه، حتى في يوليو 1952.

وعلى أي حال، فإن توجيه الإهانات وتسفيه القوات المسلحة والتقليل من شأنها واستعداء الناس عليها لا يفيد التقييم الموضوعي للموقف الوطني، وإذا كان المشير السيسي، وهو خريج وقائد لمؤسسة عسكرية مصنفة، لن يحل أزمة البطالة، ولن يحل مشكلات الأجور وسوف يعتمد على المزيد من الاقتراض الخارجي والاستثمارات الخارجية كما يقول المغرضون، فكيف ولماذا يستطيع السيد حمدين صباحي وهو مجرد مناضل سياسي وسجين رأي بلا أي خبرات أن يحقق أي شيء؟


دكتور مدحت بكري
مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا


الأربعاء، 26 مارس 2014

هل حان الوقت لإلغاء تأجيل التجنيد لمرتكبي العنف ومخالفي القوانين السارية؟

لأن القوى العظمى لا تغير أهدافها - حتى بعد هزيمة كبرى كتلك التي ألحقتها بها ثورة 30 يونيو - ولكنها تغير استراتيجياتها وتستبدل آلياتها لتحقيق ذات الهدف، فمن المنتظر أن تسعى القوة الأعظم إلى بدائل لإعادة إنتاج السيناريو السوري في مصر، وهو ما يبدو في تصاعد الإرهاب واستمرار التأييد الأمريكي الذي يصل لدرجة حماية الإرهابيين، مقابل تردد الدولة المصرية وتقاعسها عن فرض إرادتها تحقيقا للمصلحة الوطنية، وهي الأمور التي يمكن أن تؤدي إلى إطالة وجود الجماعة الإرهابية العميلة وإكسابها وزنا والتصاقا على الأرض، وفي نهاية الأمر إلى تكرار السيناريو السوري في مصر إذا لم تتم مواجهتها وتوجيه ضربة شاملة وخاطفة وفعالة لكل عملاء القوة الأعظم بالداخل.
من الواضح أن استمرار مظاهر العنف في الجامعات وقطع الطريق العام هو انعكاس للإرادة الأمريكية الاستعمارية ونتاج للسياسة المتخاذلة للحكومة السابقة التي أمعنت في مهادنة معتصمي الجماعة المسلحين في تقاطع رابعة وميدان النهضة، ثم لإهمال وزير التعليم العالي لواجباته وإصراره غير المسئول - بخلاف كل الدنيا التي تعرف بوليس الجامعة campus police - على إلغاء الحرس الجامعي حتى اقتنع الإرهابيون بغياب الدولة وبقدرتهم على ممارسة الإرهاب بلا رادع أو حتى إجراءات تأديبية كالفصل من التعليم الجامعي المجاني أو الطرد من المدن الجامعية المدعومة أو إلغاء تأجيل التجنيد لمثيري الشغب ومرتكبي العنف ومخالفي القوانين السارية.
بل أن تخاذل الحكومة السابقة - الذي ما زال مستمرا حتى الآن بعد تولي الحكومة الجديدة - ومازالت توفر لهم السكن والطعام والملاذ ومراكز التخطيط والقيادة ومخازن الأسلحة والقنابل الحارقة ليستمروا في إرهابهم دون رادع، حتى ظهر للعالم أن في مصر قوتان متكافئتان، وأننا في حالة "باطا." لم يعد مقبولا أن تستمر الدولة في دعم الإرهابيين من أموال المصريين ليحرقوا الجامعات والممتلكات العامة والخاصة وليقتلوا الأبناء من أبطال الشرطة والجيش. بل أن الوقت قد حان لطردهم من الجامعات وإلغاء تأجيل تجنيدهم - بدلا من تركهم في الشوارع - والدفع بهم لتأدية الواجب الوطني كمجندين في مواقع العمل في أماكن نائية طال إهمالها تحتاج لعمل وعرق كثير، مثل "توشكى والوادي الجديد" لإعادة تأهيلهم وليتحولوا إلى أدوات للبناء بدلا من معاول للهدم وقنابل للحرق وأسلحة للقتل!
 دكتور مدحت بكري
مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا
http://medhatbakri.blogspot.com/2014/03/blog-post_26.html
https://www.facebook.com/groups/840761929283900/member_suggestion/
https://www.facebook.com/medhat.bakri
 

الأحد، 23 مارس 2014

كيف نعظم عائد "حدث المليون وحدة سكنية"؟



ليس هناك شك فيما حققته المساندة المالية الخليجية للاقتصاد وللمجتمع المصري وإنها قد أعادت الحياة إلى الجسد المصري المعتل في لحظة فارقة لن ينساها المصريون لأشقائهم في الخليج. وللأسف استخدمت هذه الأموال الطائلة لمجابهة الأزمات. إلا أن للمشروع الإماراتي لبناء مليون وحدة سكنية للمصريين في خمس سنوات مردودا دائما وتأثيرا مضاعفا multiplier effect لما يمكن أن يبنى عليه من قيم مضافة إذا ما لم يقتصر على توفير السكن وحل أزمة الإسكان ونشيط الاقتصاد بصفة عامة، وامتد إلى تنمية البشر بتحقيق هذا "الحدث الاستثنائي" لفرص عمل وتدريب للشباب في إطار المشروع، وتحفيزهم للإتقان، وخلق الوعي المجتمعي بقيمة العمل والمحافظة على أصول البلد ونظافتها ورونقها.

ولأن من الذكاء أن نستفيد من كل ما يمكن من الأحداث المهمة التي لا تتكرر، وحتى لا نعيد أساليب الماضي ويقتصر عائد المشروع على توفير وحدات سكنية متدنية النوعية تعاني من مشاكل تدني مواصفات الجودة والتنفيذ، وحتى يتحقق التعاضد synergy المأمول والممكن وليصبح طريقة حياة ويمثل نقلة نوعية للشباب - المستفيد من المشروع - ثم للمجتمع، أرى أن يتم تخصيص هذه الوحدات لشباب الحرفيين والمهنيين الذين نشركهم في برامج مشتركة لوزارات التنمية الإدارية والتعليم والصناعة والإسكان "لبناء القدرات" الحرفية والمهنية والإدارية، ليقوموا بعمليات الإدارة والتطوير والبناء الفعلية لوحدات يعرفون مسبقا أنها بنوها بأنفسهم لأنفسهم، بعد أن أتموا تدريبهم. وبذلك نكون قد أضفنا إلى قيمة وقيم الشباب، ويكون المشروع قد أدى دوره في تنشيط الاقتصاد وخلق فرص عمل وتشغيل وبناء قدرات لمليون شاب، وحفز الشباب للعمل المنتج المنضبط عالي الجودة، وأنتج القدرات اللازمة لحسن إدارة وصيانة المستفيدين للمباني وللمواقع والمحافظة على رونقها ونظافتها، وأذكى الشعور بحقوق وواجبات المواطنة. 
دكتور مدحت بكري
مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا
 


 

الجمعة، 21 مارس 2014

انتبهوا... فالمشير السيسي ليس ساحرا!


صحيح أن المشير السيسي يكاد أن يكون الشخص الوحيد في قائمة المرشحين المحتملين لرئاسة مصر الذي يملك سابقة الأعمال والمؤهلات والخبرات والتدريب التي ينتظر معها أن يحقق نجاحا على عدة جبهات في موقف بالغ التعقيد، فهو خريج وقائد للمؤسسة العسكرية المصرية التي استوعبت درس الهزيمة في 1967 فاستعدت واستخدمت  - بحكم احتياجاتها - كل علوم الإدارة الحديثة التي طورتها المؤسسات العسكرية العالمية، بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي وبحوث العمليات وإدارة سلاسل التموين والتحريك.

بينما المرشح الآخر الوحيد حتى الآن الأخ حمدين صباحي، فهو ممن قال فيهم الرسول الكريم "رَحِمَ اللهُ امرئ عرِفَ قدْرَ نْفسه". رجل حالم حلو الكلام، طموح على غير أساس، ليس له خبرة تنفيذية يعتد بها، لم يحقق في حياته إنجازا، ولا يملك خبرة واحدة تبشر بأن في استطاعته تحقيق أي شيء لمصر في هذه المرحلة الحرجة شديدة التعقيد من تاريخ الوطن.

ولأن مصر لا تملك في هذه المرحلة رفاهية التجربة والخطأ، ولأننا في موقف استثنائي يتطلب قدرات استثنائية مجربة، ولأن حالنا لا يمكن أن يكون في هذه الظروف المستحيلة "عمل كالعادة business as usual" فليس أمامنا ثمة اختيار لنجاح عبور جديد أخطر وأصعب من عبور 1973 المظفر - الذي صنعته بأدوات الإدارة وأنجزته بالتضحية والفداء والدماء القوات المسلحة المصرية - إلا تولية المشير السيسي المسئولية.

إلا أن الحمل الذي ينتظر المشير هو حمل مستحيل تنوء به الجبال، ولا يمكن أن يحمله فرد بمفرده مهما بلغت شجاعته وعبقريته في هذه الأنواء الدولية المصحوبة بهجمة إرهابية ليس على مصر فقط ولكن على الإقليم بأكمله في تكرار تاريخي لتقسيم المنطقة في 1916، وهو ليس بطبيعة الحال ساحر قادر على تحقيق المستحيل، ولذلك فعلينا أن نفهم أن علينا جميعا أن نعينه عليه، وأن الوقت قد حان للعودة إلى شعار "الاتحاد والنظام والعمل" العبقري، الذي لم نكن أبدا في حاجة أكثر لمعانيه، حتى في يوليو 1952.

فلنتحد وننتظم ونعمل ونؤجل رغباتنا ومطالبنا الشخصية والفئوية، وليلتف حوله رجال دولة وأصحاب خبرات تنفيذية ودبلوماسية وقدرات فكرية وسياسة ودينية وقانونية من أمثال السيد عمرو موسى والدكتور طارق حجي والأستاذ رجائي عطية لنعين الرجل على ما ابتلاه الله... وإلا!!!

دكتور مدحت بكري
مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا

 

الأربعاء، 26 فبراير 2014

انتبهوا... فربما نكون قد خسرنا وزيرا للإسكان بغير أن نكسب رئيسا للوزراء!

لعل أسوأ ما نعاني منه منذ ثورة 30 يونيو هو عدم إدراكنا بأن حالنا لا يمكن أن يكون "عمل كالعادة business as usual" وأن أهم دور للحكومة الانتقالية بعد ثورة 30 يونيو هو وقف انزلاق الاقتصاد وتثبيته، وإعداد الدولة للانطلاق بإحداث التغيير المطلوب لإطلاق قدرات مصر الكامنة من خلال "مشروع وطني شامل للتغيير" يديره في المرحلة الانتقالية رئيس مجلس الوزراء شخصيا باعتباره جزءا رئيسيا من رؤية الدولة، يتجاوز الجزر المنعزلة التي تعاملنا معها في الماضي، ويمتد إلى إعادة هيكلة الدولة للتأكيد على قدرة الهياكل على تحقيق الوظائف، والتخلص من المعوقات التنظيمية والإجرائية، ووضع الاستراتيجيات القادرة على تحقيق الأهداف، وإعادة تصميم وتطبيق دورات العمليات بإدارات الدولة وميكنتها لتحقيق كفاءتها وتواصلها، ولينتهي الإعداد للانطلاق خلال الفترة الانتقالية وليبدأ الانطلاق بمجرد انتهاء الفترة الانتقالية، وهو ما لم - ولن - يتحقق إلا إذا نظر رئيس المجلس وأعضاء الوزارة إلى مهمتهم من خارج الصندوق الذي طال استخدامه لإنتاج نفس النظم وإدارتها بنفس الشخصيات من" العواجيز" الذين أخفقوا في إحداث أي تقدم في مسيرة الوطن على مدى أكثر من ستين عاما منذ ثورة يوليو 1952.

ويعتبر ضم حقيبتي التنمية الإدارية والتنمية المحلية ذات الطبيعة والمهام المختلفة، في الحكومة الجديدة برئاسة المهندس إبراهيم محلب، مؤشرا خطيرا بالإفراط في تبسيط توجهات الوزارة الجديدة للمرحلة بحيث تدمج أجزاء من الهيكل الوظيفي لتشابه التسميات وليس لمتطلبات المهمة، أو لطبيعة الوظائف أو تكاملها، أو محورية الدور وأهميته لتحقيق أهداف الاستراتيجية، فلا يبدو أن التغيير الشامل المطلوب أن تحققه الوزارة الجديدة خلال الفترة الانتقالية، باعتبارها جزءا من "حكومة ثورة"، سيتحقق، وأن الوزارة الجديدة ستكون مجرد تكرار للوزارة المستقيلة. ولكن لماذا؟ مع التسليم بأن المهندس إبراهيم محلب كان، بحكم خبراته، واحدا من أنشط وأكفأ مجموعة صغيرة من وزراء الوزارة المستقيلة وأكثرهم حرفية، فقد يمثل اختياره لرئاسة الوزارة الجديدة إهدارا لخبراته وكفاءته وقدراته كمهندس ومقاول ومدير على إدارة المشروعات، وخسارة لنشاطه المشهود له به في وزارة الإسكان، عوضا عن كسب الدولة لرئيس وزراء بنفس المواصفات والقدرات في المنصب الجديد، ونكون بذلك قد رقيناه بحسب "مبدأ بيتر The Peter Principle" إلى مستوى "عدم كفاءته،" وتكون البلد قد فقدت وزيرا كفؤا ولم تكسب رئيسا للوزراء متميز عن سابقه، قادر على إحداث الانطلاق بمجرد انتهاء الفترة الانتقالية، أو على الأقل جهز البلد للانطلاق.
 
دكتور مدحت بكري
مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا

 

 
 
 
 
 



 
 
 

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

هل أصبح إعادة رسم السياسة الضريبية ضرورة لإنقاذ وانطلاق مصر؟

هل تتيح الضرائب التصاعدية على الدخل الموارد لتحديد حد أدنى عادل للأجور؟ وهل تحقق الضرائب على الأرباح الرأسمالية عدالة توزيع الثروة ووصول نتائج التنمية لكل طبقات الشعب واسترداد حقوق الدولة في الأصول المبددة؟ 

أظهرت الحكومة - منذ مبارك وحتى الآن - قصورا في إدراك دور السياسة الضريبية - كأحد أهم أدوات السياسة الاقتصادية - في تحقيق انطلاقة مصر، ونقصا في الإحساس باحتياجات الطبقات المتوسطة والفقيرة وانحيازا هائلا - وصل إلى الفساد - للطبقة الاجتماعية العليا، فاتبعت سياسة ضريبية مختلة وغير عادلة تعتمد أسلوب الجباية الذي عبرت عنه الضريبة العقارية المتخلفة التي أدخلها الوزير بطرس غالي - الذي تجاهل تماما الفجوة الهائلة في مستويات الدخل - وأكدتها الحكومة الحالية كأسلوب لتحقيق إيرادات الدولة وتمويل أعمالها، وهو ما أدى إلى اختلالات اجتماعية كبرى وإلى لجوء الحكومة للتمويل بالعجز وعدم قدرتها على توفير احتياجات التعليم والصحة والبحث العلمي بالنسب السليمة اللازمة للانطلاق ولتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد أدى انحياز الحكومة للطبقة الاجتماعية العليا - التي أغدقت عليها العطايا من أملاك الدولة - وتطبيقها لسياسة ضريبية منحازة تتجاهل محاسبتهم ضريبيا على الأرباح الرأسمالية الهائلة التي حققوها من هذه العطايا بغير حق، إلى منع وصول نتائج النمو الاقتصادي إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة، وأدي إلى التضخم وكرس تركيز الثروة في الطبقة العليا وزاد من اتساع الهوة بين الغنى والفقر، لتحتل مصر المركز 110 من 160 طبقا لمؤشر معامل توزيع الثروة GINI Coefficient، ووفر كل ذلك الأرضية لانطلاق احتجاجات الشباب في 25 يناير، ولنجاح الثورة.
من هنا، تأتي ضرورة الإعلان عن إصلاحات رئيسية فورية في السياسة الضريبية ليس فقط لزيادة الموارد السيادية وتوفير التمويل لبرامج التنمية وغيرها، ولكن لتحقيق عدالة توزيع الثروة ولضمان وصول نتائج التنمية لكل طبقات الشعب وعدم اقتصارها على الشريحة الأغنى ولاسترداد حقوق الدولة في الأصول المبددة، وتتضمن الإعلان عن إلغاء ضرائب الجباية مثل الضريبة العقارية غير المقبولة منطقيا وشعبيا، والانتقال من الضرائب على المبيعات إلى الضرائب على القيمة المضافة الأكثر كفاءة وعدالة، ومطابقة تسديدات الممولين من الضرائب على ثرواتهم لتحصيل ما فات الدولة تحصيله، وتطبيق الضرائب على الأرباح الرأسمالية المختلفة المطبقة بالفعل بالدول المتقدمة - وخصوصا تلك المتعلقة بالتصرفات في الأراضي التي خصصها النظام السابق لمحاسيب طفيليين فحولتهم بين ليلة وضحاها إلى بليونيرات - والضرائب التصاعدية على الدخل وعلى المرتبات والمكافآت الاستفزازية للإدارة العليا المطلوب تطبيقها بالدول المتقدمة ضمن الإجراءات التصحيحية في أعقاب الأزمة المالية العالمية سيكون مؤشرا بالجدية وبصدق النوايا في الإصلاح وتحقيق العدل الاجتماعي وسيؤدي إلى استعادة فورية للثقة - ومن ثم التواصل - بين الدولة والشعب، كما ستهدئ من المطالب والاحتجاجات الفئوية الجارية.
دكتور مدحت بكري
مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا

 

 

 

 


الأحد، 17 نوفمبر 2013

مقاربة هيكلية-وظيفية للسلطة القضائية في مشروع الدستور الجديد

 كان طبيعيا بعد أن سهلنا للجماعة سرقة ثورة 25 يناير أن يتولى مثل محمد مرسي العياط حكم مصر لينتج حكما فاشيا فاق كل ما أنتجته مصر من استبداد على مدى ستون عاما من الدكتاتورية. ولذلك يجب ألا تعيد لجنة الخمسين إنتاج الفرعون الذي أسقطه الشعب مرتين في أقل من ثلاث سنوات بإعادة إنتاج النظام الرئاسي مطلق السلطة، أو بالسماح باستمرار حقيبة العدل في الحكومة لتتيح للسلطة التنفيذية الاستمرار في التغول على السلطة القضائية والتدخل في شئون القضاء، أو باستمرار العمل بالبناء التاريخي للدولة والقوانين التاريخية التي امتد العمل بها لأكثر من قرن ويزيد في زمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. من هنا فلا بديل عن "دستور جديد" لدولة مدنية برلمانية ديموقراطية يقيد سلطة الرئيس، ويكفل حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية لكل المصريين ويمنع التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو العقيدة، ويضمن الشفافية والمساءلة ويتيح محاسبة ومحاكمة الرئيس وأعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويمنع تدخل السلطة التنفيذية بأي شكل في أي من شئون السلطة القضائية، ثم إعادة هيكلة الدولة وترتيب علاقات مكوناتها والنظم ودورات العمل والقوانين المعمول بها، لتحقيق الفصل الكامل بين السلطات، ولإعداد مصر للانطلاق.

عندما يتحدث مجتمع عن ضرورة تحقيق الفصل الكامل بين السلطات لمنع تغول إحداها والعودة إلى الحكم المطلق، فلا بديل عن "دستور جديد" لدولة مدنية برلمانية ديموقراطية يعيد هيكلة الدولة وترتيب علاقات مكوناتها والنظم ودورات العمل والقوانين المعمول بها لتحقيق الفصل الكامل بين السلطات، ويكون على هذا المجتمع أن يبدأ بإنتاج الدستور الجديد، وأن يعيد هيكلة الدولة وترتيب علاقات مكوناتها والنظم ودورات العمل والقوانين المعمول بها، وإنتاج بناء structures وتطوير عمليات processes لتحقيق وظائف functions، فإذا لم يكن البناء متوافقا مع الدستور ومناسبا لتحقيق هذه الوظائف، أو لم تكن العمليات محبوكة والمجتمع منضبطا، أو إذا اختلت معايير الاختيار والإسناد، أو تعددت "الأجندات" وتداخلت وتاهت الأهداف، أو اختلت قدرة الإدارة على تقدير الموقف واتخاذ القرار السليم في الوقت المناسب، تكون المفارقة والمعضلة ويفشل المجتمع في تحقيق أهدافه. وللأسف، فقد أظهر الأداء الوطني بخلاف الأمن - أداء الحكومة ولجنة "تعديل" الدستور - منذ ثورة 30 يونيو وحتى الآن في كل هذه الجوانب ما ينذر بكارثة إذا لم يتم تدارك الموقف على وجه السرعة.

وبالطبع فإن الدستور الجديد يجب أن يلتزم بتعهدات مصر في المعاهدات والاتفاقات الدولية، ويضمن الشفافية والمساءلة، ويقيد سلطة الرئيس ويتيح محاسبته ومحاكمته وعزله، ومحاسبة ومحاكمة أعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويكفل حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية لكل المصريين، ويمنع التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو العقيدة، ويحقق الفصل الكامل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في مصر - يصرف النظر عن من يحكم - ليشكل ضمانة لمنع تغول السلطة على المواطن ولشيوع العدل وحماية الحقوق، ولخلق نظام للضوابط والتوازنات checks and balances يتفادى العيوب الهيكلية والتنظيمية في الأنظمة السابقة، ويمنع تدخل السلطة التنفيذية بأي شكل في أي من شئون السلطة القضائية.

إلا أن الحاكم في مصر قد حرص دائما على السيطرة على السلطة التشريعية واختراق السلطة القضائية، وكان وزير العدل - وهو جزء من السلطة التنفيذية - أداة الحاكم للتدخل في السلطة القضائية والسيطرة عليها والتأثير على سير العدالة وأحكام القضاء. ولذلك، فإن استقلال القضاء ومنعته ووقف تغول السلطة التنفيذية والتشريعية على السلطة القضائية لا يتحقق إلا بنقل اختصاصات وزير العدل العدلية والقضائية وشئون المحاكم وجميع أجهزة "الخبرة والرقابة" بأنواعها إلى مجلس القضاء الأعلى لتحقيق انضباط الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية، وليصبح وزير دولة للشئون القانونية والأحوال المدنية يختص بهيئة قضايا الدولة باعتبارها محامي السلطة التنفيذية، وبجميع السجلات المدنية المسندة حاليا لوزارات العدل والداخلية والصحة.

ولأن المجتمع قد أصدر حكمه في شأن أداء الحكومة، ولأن ما بقي من ولايتها يقل عما فات، فقد أصبح الحديث عن سوء أدائها من قبيل تحصيل الحاصل، بينما ما زال للحديث عن أداء "لجنة الخمسين لتعديل الدستور" ضرورة وجدوى لتأثيرها الجوهري على الانتهاء من "خريطة المستقبل" الحيوية. وللأسف فقد ظهر فعلا أن لجنة الخمسين تعاني قصورا في الأداء لميلها للمواءمات والتنازلات فيما لا يجوز، والسكوت على تجرؤ المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية العليا، ولنقص خبراتها ودرايتها بعلوم الإدارة والتنظيم اللازمة لحسن أدائها وقدرتها على إنتاج دستور متكامل قادر على تحقيق وظيفته بفعالية.

وقد كشف صراع هيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية على السلطة القضائية في لجنة الخمسين عن نواقص خطيرة وسلوكيات نقابية غير وطنية مثيرة للاشمئزاز لأعضاء الهيئتين المذكورتين تنم عن أنانية وانتهازية ورغبة في قنص المكاسب الخاصة على حساب المصلحة الوطنية دون التفات إلى خطورة المرحلة التي تمثل تهديدا غير مسبوق لوحدة الوطن وسلامته، أو لاعتبارات علوم الإدارة والتنظيم، وهو ما كان يجب أن تلقى الهيئتين عنه توبيخا من رئاسة اللجنة التي يبدو أنها - شأنها شأن الحكومة صاحبة البالين التي أنتجتها  هي الأخرى الثورة - لا تفهم الدور المسند لها وتفضل المواءمة وعدم المواجهة، بحيث تجرأت الانتهازية الفئوية لتحاول الآن الخطف و"الهبش" قبل أن ينفض المولد أو يظهر له صاحب.  

وبالطبع فإن مجرد مناقشة مطالب الهيئتين لا يتعدى ان يكون مسألة عبثية مضيعة لوقت اللجنة والبلد. فالمغالطة المنطقية في مطالب الهيئتين لا يمكن أن تكون أكثر وضوحا ولا تحتاج إلى شرح، وكان على رئيس اللجنة رفض مناقشتها أصلا. فلأن هيئة قضايا الدولة هي محامي ْالسلطة التنفيذية التي يجب أن تقتصر مسؤوليتها على تمثيل الدولة في القضايا المرفوعة منها أو عليها، وتقديم الاستشارات القانونية لأجهزتها، وإعداد العقود التي تبرمها مع الغير، ولذلك يجب تكون تبعيتها للسلطة التنفيذية حصريا، وهي لذلك لا يمكن أن تكون جزءا من السلطة القضائية أصلا، وإنما هي تمثل أمامها شأنها شأن أي محام. أما هيئة النيابة الإدارية، فهي نظير النيابة العامة التابعة لمجلس القضاء الأعلى والتي تمثل جزءا لا يتجزأ منه، ولذلك يجب أن تتبع النيابة الإدارية مجلس الدولة، لتمارس في القضاء الإداري نفس دور النيابة العامة في القضاء العادي.  

دكتور مدحت بكري
مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا