الخميس، 8 مارس 2012

من روائع "جبران خليل جبران"

لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل.. إذا صمتّ.. فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت.. فتكلّم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت. 

إذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها، وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك، النصف هو أن تصل وأن لاتصل، أن تعمل وأن لا تعمل، أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت.

النصف هو أن لا تعرف من أنت.. ومن تحب ليس نصفك الآخر.. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه !!.. نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك، نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة.. النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان. أنت إنسان.. وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة !!

"جبران خليل جبران"

الأربعاء، 15 فبراير 2012

دكتور أحمد البغدادي: عجيبة العجائب!

عجائب الدنيا سبع كما نعلم، ولكن هناك "عجيبة العجائب" التي لا تحتسب ضمن عجائب الدنيا، ألا وهي الأمة المسلمة، ولا أقول الإسلامية، ففي هذه الأمة المسلمة من عجائب الأمور ما لم تشهده أمة من الأمم منذ أن خلق الله سبحانه آدم عليه السلام، وإليكم بعضا من هذه العجائب:

1.       الأمة الوحيدة التي ترى أنها الوحيدة بين الأمم على حق وفي كل شيء، وأن الآخرين على باطل.
2.       الأمة الوحيدة التي تطلق سراح أو تخفف العقوبة الجنائية للمجرم إذا كان مسلما وتمكن من حفظ بعض سور القرآن الكريم.
3.       الأمة الوحيدة التي يمكن لرجل الدين فيها الإفلات من عقوبة التحريض على القتل إذا وصف أحد الخصوم بالمرتد.
4.       الأمة الوحيدة التي لا تقتل القاتل إذا أثبت أنه قتل مرتدا.
5.       الأمة الوحيدة التي تعامل القاتل بالحسنى بالعقوبة المخففة إذا قتل أخته أو زوجته من أجل الشرف.
6.       الأمة الوحيدة التي ورد في كتابها المقدس كلمة " أقرأ"، ومع ذلك تعد من أقل أمم الأرض قراءة للكتب. أو بالأصح لا تقرأ.
7.       الأمة الوحيدة التي لا تزال تستخدم كلمة التكفير ضد خصومها المعارضين لرجال الدين والجماعات الدينية.
8.       الأمة الوحيدة التي تضع حكم الفتوى فوق حكم القانون، وتدعي بكل صفاقة أنها دولة قانون.
9.       الأمة الوحيدة التي لا تساهم ولا بصنع فرشاة أسنان في العصر الحديث، ومع ذلك تتشدق بحضارتها البائدة.
10.   الأمة الوحيدة التي تشتم الغرب وتعيش عالة عليه في كل شيء.
11.   الأمة الوحيدة التي تضع المثقف في السجن بسبب ممارسته حرية التعبير.
12.   الأمة الوحيدة التي تدعي التدين وتحرص على مظاهره رسميا وشعبيا ومع ذلك لا يوجد بها أمر صالح.
13.   الأمة الوحيدة التي تعطي طلابها درجة الدكتوراه في الدين.
14.   الأمة الوحيدة التي لا تزال محكومة بكتب الموتى من ألف عام.
15.   الأمة الوحيدة التي يداهن فيها رجال الدين الحكام ويسكتون عن أخطائهم حتى ولو كانت شرعية وضد الدين.
16.   الأمة الوحيدة التي لا تعترف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
17.   الأمة الوحيدة التي تحرم جميع الفنون الإنسانية، ولا تعترف سوى بفن الخط
18.   الأمة الوحيدة التي تشترك في دين واحد ومع ذلك لا تتفق الجماعات الدينية فيها على رؤية واحدة لأحكام هذا الدين.
19.   الأمة الوحيدة التي يهذر فيها رجل الدين كما يشاء ثم يختم كلامه ب " والله أعلم"، وكأن الناس لا تعلم ذلك.
20.   الأمة الوحيدة التي لا تزال تؤمن بإخراج الجن من جسد الآدمي حتى ولو كان ذلك عن طريق القتل.
21.   الأمة الوحيدة التي لديها جيوش وأرضها محتلة وتخشى القتال.
22.   الأمة الوحيدة التي ينطبق عليها وصف الخالق سبحانه " تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى".
23.   الأمة الوحيدة التي تسأل في قضايا الدين وتبحث عن إجابات ترضيها منذ لا يقل عن ألف عام.
24.   الأمة الوحيدة التي لديها شهر صيام واحد في العام تتكرر فيه أسئلة الجنس أكثر من أسئلة العبادة.
25.   الأمة الوحيدة التي تصدق كل ما يقوله رجل الدين دون تحقيق علمي.

هذه الأمة وبكل هذه الصفات الفريدة، ألا تستحق أن توصف بأنها.. "عجيبة العجائب"؟

دكتور أحمد البغدادي - الكويت.    

السبت، 11 فبراير 2012

دكتور محمد عامر: الأولويات

تنادى كثير من الحركات الثورية للتظاهر والاعتصام والعصيان المدني لإنهاء حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل وضع الدستور وانتخاب الرئيس. وهذا ينم عن الحرص على أن يكون لمصر دستور ديموقراطي ورئيس قادر على قيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة

لكن أين هو هذا الدستور؟ ومن هو هذا الرئيس؟ أليس من الأجدر بهذه الحركات أن تتوافق أولا هي وكافة القوى الديموقراطية على مشروع دستور ديموقراطي وعلي شخص كفء لترشحه للرئاسة؟ ثم تقوم بحملة واسعة لكسب التأييد الشعبي لهما؟

ما الذى يمنع التحرك فورا لإنجاز هذه المهمة الملحة العاجلة؟ هل هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ أم الانقسام والتشرذم وإساءة ترتيب الأولويات؟

إذا ما شرعنا جادين في هذا العمل ثم وجدنا المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقبة في الطريق، فإن قطاعات كبيرة من الشعب ستسعى لإنهاء حكمه، وسنفتح معا المستقبل أمام مصر الديموقراطية

محمد عامر

الخميس، 19 يناير 2012

عاوزين نفوق بقى يا ناس!!!

كان أحسن ما وصلني هذا الأسبوع عن مجموعة من الناس مروا بامرأة تغرق في البحر
رفض السلفي مد يده لإنقاذها لأنه متوضئ
وأصر الإخوانجي على استئذان المرشد العام أولا
واشترط شاب من ٦ إبريل موافقة 130 ائتلاف من ائتلافات شباب الثورة على الأقل قبل انقاذها
ونصحها الليبرالي أن تخلع كل هدومها عشان تبقى خفيفة وتقب علي وش الميه
وطالب أحد ثوار التحرير بعمل مليونية الجمعة المقبل باسم "جمعة انقاذ الفتاه التي تغرق"
فيما أكد كل من في العباسية انها لو ماتت تبقى غريقة مش شهيدة و تساءلوا هي إيه إلي نزلها المية أصلاً ؟!
وأكد تامر بتاع غمرة إنه سمعها بتنادي بالإنجلش لانجويدج عشان حد ينقذها
وبكى الجنزوري وهو يعتذر لأن أبو العربي لسه ما بعتش العوامة
وانتفض البرادعي وأخرج "الآي باد" وكتب على حسابه على تويتر "كرامة المرأة في حقها في الحياة"
وقالت نواره نجم وأسماء محفوظ أن المجلس العسكري هو من قام بإغراق السيدة وهو المسئول عن انقاذها
وقال مرتضى منصور أنه يمتلك سي دي لهذه السيدة المنحلة وأنها على علاقة بممدوح عباس وأحمد شوبير
وأكد توفيق عكاشه أن نزولها للبحر هو أحد طقوس الماسونية العالمية وطالب زملائه البط بالتواجد في العباسية للتصدي للمؤامرة المدبرة من هذه السيدة
وأكد وزير الداخلية إن معندناش بحر أصلاً
أما المجلس العسكري فشكل لجنة تقصى حقائق لمعرفة الطرف الثالث إللي زقها في الميه
للأسف الشديد.. الست دي هي مصر!!!


السبت، 17 ديسمبر 2011

هل حان الوقت لمراجعة الحسابات وإعادة تموضع مصر وحمايتها من غفلتنا ومن غدرهم؟!

لم يعد خافيا أن الولايات المتحدة الأمريكية التي مارست "لعبة الأمم" لعقود، قد أطلقت العنان لقوتها الناعمة المستخدمة في المواقع الاجتماعية والفضائيات - التي أنتجتها النقلة التكنولوجية الكبرى المتمثلة في تكنولوجيا الحواسب وقواعد البيانات والإنترنت والاتصالات والفضاء - وأحلتها كلما أمكن محل القوة العسكرية التقليدية السافرة كطريقة العمل Modus Operandi - الأقل تكلفة ماليا وبشريا - التي تحقق لها إعادة تشكيل العالم طبقا لأهدافها ومصالحها، وأنها - وإن كانت قد بدأت بحرص في أوروبا الشرقية - فقد منهجتها وأطلقتها في الشرق الأوسط بتزامن وتراتبية في إطار مخطط أعد بعناية، بل وبدأت استخدامها ضد الدولتين الأكبر - الصين وروسيا - وهو ما أنتج مؤخرا ردود أفعال علنية من الدولتين الكبيرتين.
كما أن من المسلم به أن المخطط الدولي المعقد والخطير الذي ندير الموقف الحالي في إطاره ينطلق من حقيقة أن الشرق الأوسط هو منطقة لنفوذ القوى العظمى وأن إسرائيل - التي استأثرت لأكثر من قرن بدعم مطلق من كل قادة القوى الغربية الاستعمارية - هي مركز متقدم لسيطرة القوى العظمى على هذه المنطقة، كما أن قيام إسرائيل لم يكن حدثا وقع في أحد أيام العام 1948، ولكن عملية طويلة الأجل مطردة ومرنة وقابلة للتكيف مع الوضع السياسي الدولي خلال القرن الماضي المفعم بالأحداث والتغيرات الخطيرة للمنطقة والعالم، بدأت بالمؤتمر الأول للحركة الصهيونية العالمية في بازل منذ 114 عاما وشارك فيها بكل وضوح قادة الدول العظمى - بريطانيا وفرنسا، وفيما بعد أمريكا - وما زالت مستمرة.
إننا ندرك أن آلية "الفوضى الخلاقة" هي "عملية" طويلة الأجل من خطوات مطردة تستغرق سنوات لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، ارتكزت - قبل ذكاءهم - على غفلتنا وغبائنا وأنانيتنا والخيانة بيننا، وبدأت باستدعاء غضب الجماهير ضد دكتاتور مستبد وفاسد تم تمكينه ومساندته لسنوات، وأتاحت لقلة منتقاه تم دسها بين الشباب التدريب، وللشباب الوطني الغاضب المفتقد للعدالة والكرامة "القوة الناعمة[1]" اللازمة لإطلاق "الثورة"، ثم استغلت التناقضات والاختلافات بين القوى السياسية لاختراق المجتمع وتحريك قوته الذاتية ضده بإذكاء النعرات الدينية والطائفية والتعصب واستقطابه لزعزعة البلد ونشر الفوضى ومنع العودة للاستقرار. وهذه الآلية أيضا ليست جديدة علينا وسبق للولايات المتحدة أن استخدمتها ضدنا قبل أن يتم تطويرها وتدعيمها بالوسائل التكنولوجية المستحدثة.
كذلك فإن من البديهي أن الولايات المتحدة ليست الممارس الوحيد "للعبة الأمم" في مصر والمنطقة ولكنها بالتأكيد اللاعب الأكبر والأقدر. وإذا كانت إسرائيل قد نجحت في إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بتعيينها كمركز متقدم للسيطرة وحارس على مصالحها في منطقة نفوذها الهامة في الشرق الأوسط، فهي تستعد الآن - بعد أن استكملت حصارها لمصر في أفريقيا والبحر الأحمر - لاستعادة السيطرة على سيناء وربما أيضا اتمام عملية نقل الغزاويين “Transfer” إلى جزء منها، فإن حكومة الملالي في إيران تطل الآن على البحر الأبيض المتوسط مع حلفائها الشيعة العلويين والجعفريين في سوريا ولبنان - وللمفارقة - الإخوان المسلمين السنيين في غزة، وهم - كما نعرف بالتجربة - يثيرون المشاكل في سوريا ولبنان، وفي سيناء وفلسطين، وفي الخليج. كما أن بريطانيا هي من ابتكر "آلية" الدول الدينية والإثنية لاستقطاب شعوب المستعمرات السابقة وإثارة الفتن فيها لمنع نهوضها، وهي من ساندت الحركة الصهيونية بزعامة هيرتزل في فلسطين والحركة الإسلامية بزعامة جناح في الهند وجماعة الإخوان المسلمين بزعامة حسن البنا في مصر - ثم في المنطقة - وأطلقت بإسرائيل وباكستان - بمباركة الصهيونية العالمية - آليتها الخبيثة لإضعاف وتقسيم الدول ويمزقون الآن بها السودان "مركز حوض النيل" إلى جنوب مسيحي وشمال مسلم وغرب إفريقي، ويسعون لتطبيقها في مصر والمنطقة.
لذلك لا يجب أن نصدق رسائل الإعجاب والاستحسان القادمة من الخارج أو نظن للحظة أنهم قد فوجئوا بما أسموه قصدا "الربيع العربي،" فهذا كله جزء من "حيكة السناريو" ونحن بصدد اللعبة الكبرى "لعبة الأمم" وثوابت الأطماع والمصالح الخارجية والداخلية لا تسمح بذلك، والآلية تعتمد على التركيبة المجتمعية وعلى خصائص الفرقاء، وعلى الرغبة في منع عودة مصر للاستقرار ولاستمرار دفعها إلى الفوضى لتصبح الأرض ممهدة لتحقيق أهداف مخطط حقيقي ومعلن لزعزعتها. هذه الأهداف لم تزل كما هي - لم ولن تتغير وإن تغيرت الاستراتيجيات أو التحالفات والأدوات - وهي تؤذن بقرب إسقاط مصر في فتنة دينية هي الخطوة الأخيرة في آلية الفوضى الخلاقة - تبدأ بتولية متطرفين الحكم لتفجير الصراع الديني - وتنتهي بهزيمة نهائية لمصر من الداخل وتقسيم هذه الدولة ذات المقومات العظيمة التي استحالت عليهم بالحروب إلى دويلات على المقاس الصهيوني تصلح لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ولتصل رحلة القرن الصهيونية التي بدأت في 1897 إلى نهايتها وأهدافها طبقا للمخطط الصهيوني بنجاح.
إن من أشادوا بثورتنا وسارعوا إلى تأييدها ووعدونا - مع أتباعهم - بفيض من المساعدات، تبخرت الآن بعد أن نكصوا بوعودهم - وكذلك أتباعهم - يدبرون الآن - مع طابور خامس من قلة قليلة من المجندين المدربين الجدد المدسوسين على الشباب ولكنهم يعلمون بالمخطط ويشاركون في تنفيذه لينشروا الفوضى وينحرفوا بثورة السواد الأعظم من الشباب الوطني النقي العظيم المشارك بالثورة ولا يعلم بالمخطط أو يدرك المخاطر، ومن العملاء القدامى بالتنظيمات السياسية بالداخل الذين ركبوا أكتاف الثوار الشباب وخطفوا ثورتهم - ويسعون الآن - بينما نحن نتوخى أقصى درجات الحذر - لتدمير وتفتيت "مصر التاريخية" وتقسيمها إلى دويلات لا حول لها ولا قوة توفر العمالة الرخيصة وسوق الاستهلاك للاقتصاد الإسرائيلي!
هذا الإطار الدولي المعقد والخطير يتطلب استدعادء المصريين لوعيهم ومواجهتهم لتداعيات وتحديات ثورتهم بكل فصائلهم مجتمعين ومتوافقين في إطار مصري وطني خالص وبغير استبعاد لأي طرف من الأطراف، حتى يستمدوا من اجتماعهم ووفاقهم ووحدة هدفهم قوة تتطلبها خطورة المرحلة وصعوبة المهمة، وهو ما لا يمكن أن يتحقق في ظل الاستقطاب الديني المسيحي والإسلامي والأيديولوجيات المتطرفة والأجندات المخبأة والأفكار التكفيرية والتنظيمات العابرة للحدود الناكرة لحقوق المواطنة ولوحدة النسيج الوطني المصري والداعمة لازدواج الولاء أو تنازعه بين الوطن والدين، وما يصحبها من مظاهر الإثارة الإعلامية والتحريض والتهييج السياسي والديني والحديث عن الماضي وإغفال المستقبل التي يديرها الإعلام بشكل عام والفضائيات بصفة خاصة، والتي تستهدف الحالة النفسية للثائر المصري الغاضب والتركيبة النفسية للمتطرف الإسلامي والمسيحي وضحالة وانتهازية الإعلامي المصري وسهولة انقلابه وتلونه.
يواجه المشير طنطاوي - ومعه المجلس الأعلى الحاكم - الأعلم منا جميعا الآن بمعطيات الموقف الذي وجد نفسه فيه وشملت ما تعرض ويتعرض له من ضغوط خارجية وداخلية، مأزقا جميع معطياته خارج إرادته، سيخرج منه خاسرا مهما كانت قراراته - خصوصا إذا ما اختار طريق السلامة ولم تكن المخاطرة ضمن اختياراته - وهذا ما يسمونه “Catch 22” أو "المسكة 22"، أي المأزق الذي يخرج منه خاسرا أيا كان ما يفعله! ولذلك - ولأن هذا هو ما يجب أن يكون في كل الأحوال - يجب أن يكون الاعتبار الوحيد في اتخاذ القرار هو مصلحة مصر دون الرضوخ لأية ضغوط مهما كان نوعها أو قدرها أو مصدرها، ودون إدخال لأي اعتبارات شخصية أو داخلية أو خارجية - خصوصا ما يتعلق برأي الآخرين في كيفية علاج مصر لمشاكلها - فلا رأي يهم إزاء مصالح مصر وحياتها؛ وهذه مسألة حياة أو موت لهذه الأمة العريقة التي أودعها الله أمانة في عنق المشير والمجلس دونما اختيار.
ولأن المشير - ولا شك - يحاول بكل جهده ألا يخطئ، كان حرصه الشديد سببا في أخطاء قاتلة يجب أن يقوم هو شخصيا بتصحيحها مهما كانت المخاطرة، لأن المخاطرة هي السبيل الوحيد إلى الحلول الفعالة في مثل حالنا. فمن الواضح أن ما توفر للمشير من تحليل ونصح خلال هذه الفترة كان كارثيا، وكانت أهم مظاهر السنة الماضية استعجال القرارات الاستراتيجية ونقص الحزم والحسم في التعامل مع أعراض الفوضى، فجاءت القرارات متسرعة ومفتقدة للموضوعية أو منحازة ولا تحقق المصلحة العامة حين كان يجب أن تكون متأنية وهادئة وموضوعية، وجاءت بطيئة فاقدة لمفعولها ومعناها حين كان يجب أن تكون سريعة وحازمة لتحسم الموقف وتحفظ للدولة هيبتها ومن ثم فعاليتها. ولذلك، ولأننا في مواجهة مع أعتى خبراء وأدوات التحليل واتخاذ القرار، فلا مفر من تغيير فوري لكل من قام بالتحليل ووفر النصح وحيثيات القرار. لقد حان الوقت لمراجعة الحسابات وإعادة تموضع مصر وحمايتها من غفلتنا ومن غدرهم!
دكتور مدحت بكري

[1] وصف جوليان أسانج Julian Assange، مؤسس ويكيليكس Wikileaks المواقع الاجتماعية - فيس بوك على وجه الخصوص - بأنها "أبشع آلة تجسس تم اختراعها على الإطلاق" ووصف جيرالد نيرو Gerald Nero الأستاذ بجامعة بروفانس ومؤلف كتاب "مخاطر الانترنت Dangers of the Internet"، أحدث طرق التجسس التي قامت بها الاستخبارات الاسرائيلية ووكالة المخابرات المركزية على الإنترنت وكشف عن شبكة من مجندين إسرائيليين متخصصين في علم النفس لجذب الشباب من العالم الثالث منذ مايو 2001.

الأحد، 4 ديسمبر 2011

"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" صدق الله العظيم

يُرْوَى أن أحد اليهود عندما سمع بهذه الآية قال: "والله لو نزلت علينا آية كمثل هذه الآية لجعلنا يوم نزولها عيدا لنا". فلقد كان هذا الإعلان الإلهي حُلمَ كل الأديان من قبل، لكي تعلن تلك الأديان ألا ناسخ لها من بعدها، وأنها ستكون الدين الأخير الكامل المتكامل الذي يصلح للبشر في كل الأوقات.
وصدق الله العظيم، فقد أتم نعمته علينا وأعطانا ديناً سمحا وسطيا كاملاً متكاملاً، أعطى للإنسان حرية الفكر واختيار العقيدة، ديناً لا يُكره المسلم على أداء شعائره، خص به الله ذاته - بغير شريك - بحساب كل إنسان من عباده، وقال في كتابه الحكيم:
”وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” [الكهف]
"لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ." [البقرة]
"ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" [الأنبياء]
"فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ" [الغاشية]
"‏‏فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى" ‏[‏الأعلى‏]‏‏
‏‏"فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" ‏[‏الذاريات‏‏]‏
"وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء]
”فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" [الزلزلة]
وفي حين أمر  صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأن يبحثوا عن الحقيقة في ضمائرهم - وليس في اجتهادات الآخرين - بقوله في حديث صحيح، رواه أحمد والدارميُّ عن وابصةَ الأسديِّ: "اسْتَفْتِ قَلْبَك واسْتَفْتِ نَفْسَك، اسْتَفْتِ قَلْبَك واسْتَفْتِ نَفْسَك، اسْتَفْتِ قَلْبَك واسْتَفْتِ نَفْسَك؛ البِرّ ما اطْمَأنَّت إليه النَّفْس والإثْم ما حاك في النَّفْس وترَدَّد في الصَدْر، وإن أَفْتاك الناس وأَفْتوك"، فإننا نرى بيننا اليوم من يحتكرون الحكمة ويعتقدون أنهم وحدهم يفهمون كلام الله ورسوله، وأن عليهم واجبا دينيا بفرض فهمهم هم لكلام الله وتصورهم لشريعته على جميع المؤمنين، وحتى على الناس من أتباع الديانات الأخرى، - وأن عليهم في سبيل ذلك "امتلاك الأرض وفرض الرأي". هذا الفهم المستورد المغرض الذي يسيس الدين ويضفي عليه الصفة الجمعية ويولي البعض على الكل، ليس من الإسلام في شيء. فليس لجماعة من المسلمين أن تكره مسلما - أو غير مسلم - على ما لا يقبله قلبه وتطمئن إليه نفسه أو يخل بخصوصية علاقة العبد بربه ومسئوليته الحصرية يوم الحساب عن أعماله، فالله سبحانه يحاسب العبد ولا يحاسب الجماعة. ولكنهم يأخذون لأنفسهم حق تطبيق شرع الله كما يفهمونه هم - لا بل الحساب والعقاب - ويُقَوِّلون الله ما لم يقله، فيضعون المصريين في مواجهة افتراضية مصطنعة مع الله بينما هم - فيما يذهبون إليه - على النقيض من شرع الله، وهم يكادون أن يكونوا من نزلت فيهم الآية: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ(12)" [البقرة]، وهم الذين قال عنهم الصحابي سلمان الفارسي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يجئ أهل هذه الآية بعد"، فهل جاء أخيرا زمن أهل الآية الكريمة؟ وهل يأتون اليوم كطلاب سلطة محتكرين للعلم ممارسين للعمل السري وللعنف - يمتد تطرفهم لمدى واسع من فرض الرأي بالقوة في أكثرهم اعتدالا إلى التكفير وإهدار الدم في أكثرهم غلوا -  فيفسدون في الأرض ويحسبون أنهم مصلحون فيها؟!
لقد تَرَدّيْنا - في هذا الزمن الرديء - فأصبحنا نرى بين المسلمين ما نهى الله نبيه عنه، لنجد بيننا مَنْ هو مُسَيْطِرٍ ومَنْ هو مُصَيْطَر. فهم - كتنظيم أصولي عابر للحدود، ذو طبيعة عسكرية يقسم أعضاؤه على السرية والولاء والسمع والطاعة لغير الوطن لا يدخلون مصلحة مصر الوطنية كأولوية في حساباتهم وإنما تحركهم رغبة في فرض الرأي وشهوة للسلطة وأجندات مخفية - قادوا الإسلام في مصر من الوسطية إلى الوهابية، وأطلقوا الإرهاب الديني في مصر منذ أربعينات القرن الماضي، واستخدموا الدين بلا حدود في السعي إلى السيطرة على الناس لخدمة أجندات سياسية غريبة على مصر، وهم التنظيم الأم الذي انبثقت عنه كل التنظيمات السلفية بما فيها تنظيم القاعدة، الذي انتمى مؤسسه أسامة بن لادن للفصيل القطبي من الجماعة.
وهم - كما يشهد تاريخهم على مدى 83 عاما - لم يغيروا أهدافهم ولكن ما تبدل هو استراتيجيتهم كجزء من عملية تسويقية تستهدف قطاعات متباينة من المجتمع، فبينما أدخلوا مؤخرا ألفاظ "الديموقراطية والوطنية" على أدبياتهم "الأصولية" للتمويه، تزيد التنظيمات السلفبة المنبثقة عنهم من تشددها، وهم - ولهم كيانات منظمة في نحو 80 دولة - ما زال يراودهم حلم "دولة الإسلام العالمية" ويسعون لتحقيقه، ويستخدمون الآن ديموقراطية الثورة - كما أعلن قادتهم - "لامتلاك الأرض وفرض الرأي". ولذلك، فهم يتربصون الآن بعشرات الآلاف من مسئولي وموظفي الدولة الوطنيين - من بينهم قامات شاهقة خدمت وطنها في ظل الفساد ورغما عنه - لا يعرفون لهم انتماء آخر غير وطنهم فخدموا مصر بإخلاص واقتدار. وهم يسعون الآن للتخلص منهم - باعتبارهم "فلول" - وإحلالهم برفاق لهم من الجماعة لتحقيق "التمكين" ووأد الديموقراطية التي استشهد من أجلها الشباب الوطني وخرجت مصر كلها.
ما لا تدركه الجماعات الأصولية المتطرفة هو أنها تُسْتَخْدَم - بإرادتها أو بغير إرادتها - كمُفَجّر للمنطقة وجزء أساسي من آليات المخطط الصهيوني طويل الأجل الذي أطلق في بازل السويسرية في 1897، واستغرقت مرحلته الأولى خمسون عاما لإتمامها بإنشاء دولة ليهود العالم في فلسطين وإعلان استقلال إسرائيل، وتتم الآن على الأرض خطوته الأخيرة لتفريغ المنطقة من الدول القادرة على تهديد أمنها - أو حتى إزعاجها - باستخدام "القوة الناعمة" لتحريك الشباب الوطني الغاضب لإطلاق "الثورة" على حكام طغاة وفاسدين - صنعتهم ومكنتهم القوى الاستعمارية - ثم دفع القوى الداخلية المتطرفة لمنع الاستقرار وإطلاق "الصراع المدني" لتفجير المنطقة وتفتيتها وإعادة تقسيمها إلى دويلات دينية وطائفية صغيرة غير قادرة على إزعاج القوى العظمى أو إسرائيل في المستقبل القريب أو البعيد، وتعمل - كأمر واقع - على تأمين إسرائيل وتحقيق نهائيتها كالقوة العظمى بالمنطقة والمركز الدائم للسيطرة عليها كمنطقة نفوذ، ولتنتهي المنطقة كَمَوْرٍد للعمالة الرخيصة وسوق يقارب نصف مليار مستهلك لاقتصاد الإمبراطورية الإسرائيلية التي يكون لنا الفضل الأكبر في ظهورها بالمنطقة، وإلا فلماذا يعلن نتانياهو فجأة استعداد إسرائيل للتعاون مع حكومات إسلامية في المنطقة وهو الذي يرفض حكومة الإخوان المسلمين في غزة؟!
لا شك أن الإطار الدولي المعقد والخطير الذي يحيطنا يتطلب مواجهة المصريين لتداعيات وتحديات ثورتهم بكل فصائلهم مجتمعين ومتوافقين في إطار مصري وطني خالص وبغير استبعاد لأي طرف من الأطراف، حتى يستمدوا من اجتماعهم ووفاقهم ووحدة هدفهم قوة تتطلبها خطورة المرحلة وصعوبة المهمة. إلا أن هذا الوفاق لا يمكن أن يتحقق في ظل الاستقطاب الديني المسيحي والإسلامي والأيديولوجيات المتطرفة والأجندات المخبأة والأفكار التكفيرية والتنظيمات العابرة للحدود الناكرة لحقوق المواطنة ولوحدة النسيج الوطني المصري. ولذلك فإن هناك حاجة ملحة واضحة لأن تبادر الجماعات الأصولية إلى نبذ العنف وفرض الرأي، والاعتذار عن الماضي، وأن تعود إلى الوسطية التي أُمِرْنا بها بقوله تعالى "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا" [البقرة]، وإلى الاصطفاف الوطني في مواجهة خطر محدق عظيم، وأن يعمل جميع المصريين - بكل فصائلهم- معا في هذا المفترق الحرج للغاية لإنقاذ "مصر التاريخية" من خطر داهم لم يسبق لمصر أن تعرضت لمثله أبدا.
دكتور مدحت بكري

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

هل يستعيد المصريون الوعي بعد أن أيقظ الاستبداد والفساد مصر من غيبوبة مصطنعة؟!

Will Egyptians regain awareness after tyranny and corruption awoke Egypt from an induced coma?!
كان الوعي حاضرا دائما لم يغب أبدا عن المصريين المتحضرين منذ أن اكتشفوا بفراستهم محمد علي باشا فالتفوا حوله وطالبوا الخليفة العثماني بتوليته حكم مصر فقاد تحديث مصر وبدأ نهضتها الحديثة، وحافظوا على وحدة الأمة حتى عندما أصبحت مستعمرة تحت الاحتلال يحكمها المندوب السامي - ثم السفير - البريطاني، ولا رأي فيها ولا حكم لملك أو لفرد أو جماعة من أبنائها وكان الأمر كله للحكومة البريطانية ومندوبها في القاهرة، الذي أدار البلد كمزرعة للتاج البريطاني والمصريين كعمال سخرة لخدمة مصالح التاج. وقاوم المصريون الاحتلال البريطاني، وواجهوا بوعيهم سياسة التفرقة والوقيعة الكلاسيكية التي استخدمها الاستعمار البريطاني دائما للتفريق بين الطوائف في المستعمرات وإثارة الفتن فيها لتسهيل حكمها، فرفعت مصر ثورة 19 الواعية المتحضرة السمحة شعار "الهلال والصليب" وانتخب مسلموها في عشرينات القرن الماضي مجلسا نيابيا ربعه من المسيحيين الأقباط، ليعطوا العالم كله درسا في الوسطية والسماحة والعيش المشترك، الذي بدأ - ولم ينقطع - منذ دخول الإسلام إلى مصر وأسلم من الأقباط من شاء وبقى على دينه من أراد.
إلا أن هذا الوعي - الذي كان مرتبطا خلال النصف الأول من القرن العشرين بالهوية الأجنبية للمستعمر - سرعان ما انحسر، فلم يعد المصريون في حاجة للحرص بعد استبدال المحتل الأجنبي بابن البلد الذي شاركهم أحلامهم ورفع شعاراتهم وردد هتافاتهم، ولكنه شرطها بزعامته وبولائهم، وكان دخول المصريين بإرادتهم - بعد أن أسقطوا حرصهم - محبسهم في قمقم الدكتاتورية خلال السنوات التالية لعام 1952 وحتى 2011 نقطة التحول من المشاركة - في ظل دستور حديث قبل 1952 - إلى الاستبعاد من الحياة السياسية والعزوف عنها، وجاءت السيطرة على المعلومة بما سمي "بالإعلام القومي" لتفقد المصريين الوعي والقدرة على الحكم على الأمور والرغبة في المشاركة. وتوالى عل مصر ثلاثة رؤساء دكتاتوريين بعد الرئيس محمد نجيب الذي سرعان ما غدر به وعزل وأخرج من التاريخ، كان أولهم الرئيس عبد الناصر الذي كان زعيما بالفطرة، ولكنه انشغل بزعامته عن مصلحة مصر أو تصور أنها تحققها، وقادته زعامته إلى صراع مميت مع القوى العظمى فأضاع مصر. وكان ثانيهم الرئيس السادات وطنيا أصيلا ذو رؤية وفطنة حرر البلد من الاحتلال الإسرائيلي، وخانه ذكاؤه عندما أعاد السلفيين إلى المسرح فقتلوه، ويجاهرون اليوم "بصحة قتله في سياق المرحلة."
وكان الرئيس مبارك - ثالث الرؤساء وأسوأهم - شخصا محدودا متسلطا لا صديق له حولته أنانيته إلى طاغية فاسد حكم بدستور معيب وسعى لتوريث الحكم ومكن الفساد وأظهر على مدى سنوات حكمه نقصا في الإحساس باحتياجات الطبقات المتوسطة والفقيرة، وانحيازا هائلا - وصل إلى الفساد - للطبقة الاجتماعية العليا التي أغدق عليها العطايا من أملاك الدولة وطبق سياسة ضريبية تتجاهل محاسبتهم ضريبيا على الأرباح الرأسمالية وتكرس تركيز الثروة وتزيد الهوة بين الغنى والفقر، فأصبحت الدعوة إلى التغيير في مصر قاسما مشتركا بين فرقاء مختلفين لا تجمعهم رؤية مشتركة، وانطلقت ثورة 25 يناير التي قادها الشباب المتعلم لتوقظ مصر من غيبوبة مصطنعة. فهل يسترد المصريون البلد ويحمون الثورة من الاختطاف أو الانحراف ويستكملون بناء وتثبيت النظام الجديد ويعيدون الالتزام إلى الشارع والبلد إلى العمل والإنتاج، قبل أن تجرفنا رغبتنا المحقة في "تغيير تأخر كثيرا" إلى أماكن لم نكن نقصدها بفعل متغيرات داخلية وخارجية كثيرة، أو تأخذنا المؤامرات الخارجية والداخلية المحدقة بنا إلى انتكاسة كبرى تهدد وجود مصر التاريخي من أساسه؟!
لا شك أن على الشباب - في ضوء المخاطر المحدقة بمصر وبعد كل مأ أظهره من وطنية وشجاعة وتضحية - أن يأخذ حذره من أن تستخدم رغما عنه نفس التكنولوجيا ومواقع الإنترنت[[1 - التي أنجحت تحركات شباب الثورة في المقام الأول - في تنفيذ "مخططات معلنة" لقوى خارجية لإعادة ترتيب المنطقة وإلحاق الضرر بمصر، وأن يفطن إلى الانقلاب الإعلامي الكامل الذي اتجه - بنفس مروجي النظام الساقط - لشيطنة ورجم الرئيس السابق وتأليه شباب 25 يناير 2011 على غرار ما حدث لشباب 23 يوليو 1952، وألا يفرط الآن فيما حققه فتختطف ثورته، وألا يبالغ في تقدير علمه وخبرته وحكمته فيقع في فخ الغرور والوهم ويأخذ مصر إلى طريق سبق إليه شباب ثورة 1952 وأضاع مصر. على الشباب أن ينظر إلى أوروبا ليدرك أن الدول أيضا تفلس، وأن يعيد تقدير الموقف ومراجعة الحسابات في ضوء التأثيرات القاتلة لتوقف البلد ومعطيات خارجية وداخلية بالغة التعقيد تنذر باختطاف ثورتهم وإفلاس وتدمير مصر خصوصا مع الزيادة المنتظرة في البطالة وعشرات المليارات من الأعباء الجديدة المترتبة على عودة العمالة المصرية من ليبيا والمنطقة. وعلى الشباب أن يدرك، أنه بخلاف الإنجاز لتنحي الرئيس في 11 فبراير، يبقى أن إسقاط النظام لم يكتمل بعد وأن الحكم النهائي بنجاح أو فشل ثورة الشباب في 25 يناير 2011 من منظور وطني كلي يظل مرهونا بفهمنا للإطار الدولي واستيعابنا لطبيعة ورؤى وأهداف واستراتيجيات ومخططات وأدوات القوى الدولية وتشابكاتها وتفاعلاتها، وبزيادة حبكة ودقة وسرعة الإجراءات المضادة لمشروع "الشرق الأوسط الكبير" لحسم الموقف الكلي لصالح مصر، وباستكمال بناء وتثبيت النظام الجديد، وبعودة النظام والالتزام إلى الشارع وعودة البلد إلى العمل والإنتاج.
كما أن علينا جمعا أن نقدر - من منطلق المسئولية الوطنية - أن خسائر مصر تتعدى بكثير النتائج المباشرة للعنف والتدمير، وتمتد إلى انهيار سوق المال والمراكز المالية للمستثمرين وانتقال ملكية الأصول المصرية لأجانب بأبخس الأثمان، وتراجع المؤشرات الائتمانية للاقتصاد وخسائر الناتج المحلي بسبب توقف البلد والتي تناهز مليارين من الجنيهات - تزيد أو تقل - في كل يوم منذ السادس والعشرين من يناير، وأن استمرار ما يحدث قد يمثل دعوة لشباب عسكريين للمبادرة - من منطلق حسن النية أيضا - إلى انقلاب جديد على الدولة لإنقاذ البلد، وساعتها يتصادم الشباب العسكريين مع شباب الثورة، فتسيل دماء مصرية ويعيد التاريخ نفسه وتسقط مصر - في أحسن الأحوال إذا أمهلتها "الفوضى الخلاقة" - في بئر الشرعية الثورية والتجارب والمغامرات مرة أخرى. كما أن علينا أن نعي أن مصر المسـتقطبة والمنهكة والمأزومة والمســتهدفة لن تحتمل دورة أخرى كالتي انقضت، بعد أصبحت صحراء بلا مياه وبشـرا بلا إنتاجيـة يتربص بها المتربصون وتحاصرها الأطماع من كل اتجاه. ولذلك فإن الشباب الوطني الذكي والمتحمس مطالب بأن يظهر من الحكمة ما يتناسب مع خطورة الموقف وفداحة الخسائر.
يبقى أن نتفهم أن بقاء مصر كلها مشروط بصفاء النوايا وسلامة المقاصد وإنكار الذات، وبعودتنا إلى خصوصيتنا المصرية وباستعادتنا لوعينا والتركيز والجَلَد وتكريس الطاقات وتضافرها، وبمراجعة موقعنا ودورنا وأداءنا وقيمنا في ضوء المصالح والأولويات المصرية دون غيرها، وبوسطيتنا وسعينا إلى وطن واحد لجميع المصريين تتساوى فيه علاقة المصريين بالوطن دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو العقيدة، وتظهر فيه سطوة الدستور والقانون وتٌجَرم أية دعوة إلى الاستقطاب والفتنة، وأن مثل هذه الأهداف والمهام التي تمس مصير الوطن لا تتسع للأجندات السياسية أو لأحلام المجد أو الكسب الشخصي وتتطلب لقيادتها رجال ونساء دولة وعلم وفكر ممن ينكرون الذات ويمتلكون الإرادة والحكمة والرؤية الاستراتيجية والحنكة السياسية وأدوات ومقومات وخبرات وتجارب العمل العام. ما تحتاجه مصر في المرحلة الانتقالية - في ضوء المخاطر الخارجية والداخلية المحدقة بها والتي تهدد بشكل حقيقي وجودها التاريخي - هو اليقظة والتعامل بيد قوية وحازمة وحاسمة وعاقلة وهادئة مع ما يدبر لها خارجيا وداخليا دون إهمال لأجندة التغيير السياسي والاجتماعي التي يجب أن تتضمن برنامجا زمنيا - يضمن الوقت الكافي للإعداد المتأني وللتوافق الوطني - قبل الاستفتاء على دستور جديد وقوانين جديدة لدولة مدنية برلمانية ديموقراطية تكفل حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية لكل المصريين وتمنع التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو العقيدة، وتضمن الشفافية والمساءلة وتتيح محاسبة ومحاكمة الرئيس وأعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والحكم المحلي. كما سيكون من الضروري لمصر - حتى تحقق "تغييرا منهجيا منتظما ومتزنا" على النموذج الأسيوي تتجاوز به تحديات غير مسبوقة - أن تتبني في المرحلة القادمة الحاسمة من تاريخها الوطني أهدافا اقتصادية واضحة وخطة تكاملية قابلة للتنفيذ لنهضة مصر ترتكز على دراسة تكلفة وعائد الفرص المتاحة للمشروعات الوطنية ماليا وبيئيا وأمنيا، واستثمار وتنمية المزايا النسبية والتنافسية للاقتصاد المصري في السوق العالمي، ومقاربة التنمية على أربع محاور أساسية هي البشر والمياه والقيمة المضافة والتسويق.
سيخطئ المصريون خطأ فادحا إذا ظنوا أن ثورتهم قد نجحت وحققت أهدافها بعد إقصاء الرئيس السابق وشلة المنتفعين الذين أحاط بهم نفسه، أو خيل لهم أن المخاطر قد انحسرت وابتعدت عن مصر، أو صدقوا آهات الإعجاب والاستحسان القادمة من الخارج، فنحن بصدد اللعبة الكبرى "لعبة الأمم" وثوابت الأطماع والمصالح الخارجية والداخلية لا تسمح بذلك، ونحن جزء مهم من منطقة نفوذ للدول العظمى، والأهداف لم تزل كما هي لم ولن تتغير وإن تغيرت الاستراتيجيات أو التحالفات والأدوات. ولذلك، فقد حان الوقت لإنهاء الحديث المكرر في أمور الماضي والتركيز على العمل لمستقبل مصر، ولدرء أخطار خارجية وداخلية كثيرة، تتضمن خطة تعتمد على الداخل وتستخدم التكنولوجيا والمواقع الاجتماعية على الإنترنت لاختراقه وتحريك قوته الذاتية ضده، ويتقاطع فيها المشروع الصهيوني للمنطقة في إطار "مبادرة الشرق الأوسط الكبير GMEI" التي أعلنتها الإدارة الأمريكية السابقة[2]، مع مخططات التطرف الإسلامي والمسيحي والإرهاب بالمنطقة، ومع دور يهدف لامتلاك الأرض وفرض الرأي - لعبته وتلعبه داخليا قوى ذات أجندات خاصة عابرة للحدود سبق لها العمل لحساب المخابرات المركزية الأمريكية في أفغانستان - ويفي تماما بمتطلبات آلية[3] الفوضى الخلاقة لإثارة الفتنة الدينية والصراع في مصر وخلق موقف جديد على الأرض ينتهي بتقسيم مصر وضمان نهائية إسرائيل. لا شك أن كل الأحداث تفصح عن رغبة شريرة في منع العودة للاستقرار ولاستمرار دفع مصر إلى الفوضى، لتصبح الأرض ممهدة لتحقيق أهداف مخطط خبيث - حقيقي ومعلن - لزعزعة مصر. وتؤذن بقرب إسقاط مصر في فتنة دينية - هي الخطوة الأخيرة في آلية الفوضى الخلاقة - لتنتهي بهزيمة نهائية لمصر من الداخل وتقسيم هذه الدولة ذات المقومات العظيمة التي استحالت عليهم بالحروب إلى دويلات على المقاس الصهيوني تصلح لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. فهل يستعيد المصريون الوعي قبل أن يسبق السيف العزل؟!



[1]تشكل الإنترنت الآن - بعد أن حولت ثورة الاتصالات والمعلومات العالم إلى قرية صغيرة تسيطر عليها قوة غير منظورة تؤثر في الواقع ولا تتأثر به - محور القوة الناعمة وإحدى أهم الأذرع المخابراتية للقوى العظمى ووسيلة مؤثرة جديدة لإحداث التغيير والسيطرة، وللانتشار بسرعة مذهلة بعد أن أوجدت للشباب متنفسا للتعبير من خلاله عن مشكلات الفراغ والتغييب والخضوع والتهميش، ليقدم الشباب دون أن يعرفوا معلومات مهمة للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية. ولذلك فلا يستبعد - مثلا - أن يستخدم موقع "الفيس بوك" الذي أسسه ويملكه ويديره يهود (Zuckerberg/Moskovitz/Saverin) لصالح إسرائيل وجهات صهيونية تقف وراءه للحصول على معلومات باستخدام أحدث طرق للجاسوسية من أشخاص عاديين لا يعرفون أنهم يقومون بمثل هذه المهمة الخطيرة، ولكنهم يعتقدون بأنهم يقضون الوقت أمام صفحات الدردشة الفورية في أمور تبدو غير مهمة، أو أنهم في خلوة يتواصلون مع ثقاة لهم.
[2]أعلن الرئيس جورج بوش في 6 نوفمبر 2003 خلال حديثه "للوقف الوطني للديمقراطية National Endowment for Democracy - المعروفة اختصارا NED" - وهي المناسبة التي يضع فيها الرئيس الأمريكي مخطط إدارته العام للشرق الأوسط - مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف لإعادة تشكيل المنطقة، ثم قدمه في يونيو 2004، لقمة مجموعة الثمانية بجورجيا تحت اسم مبادرة الشرق الأوسط الكبير لتصدير الديمقراطية إلى العالم العربي "Greater Middle East Initiative-GMEI" على غرار مشروع هلسنكي لتصدير الديمقراطية إلى الاتحاد السوفييتي.
[3]تعتمد آلية "الفوضى الخلاقة" على تمكين ومساندة أنظمة دكتاتورية مستبدة وفاسدة لاستدعاء غضب الجماهير، واستخدام الطبيعة الانفعالية الحماسية للجماهير الغاضبة لإطلاقها ذاتيا "لتحريك" الاحتجاجات ضد الأنظمة، ثم استغلال التناقضات والاختلافات بين التنظيمات السياسية لبدء الصراعات ونشر الفوضى، وإزكاء النعرات الدينية والطائفية والتعصب واستقطاب المجتمع لإثارة الفتنة وإشعال المنطقة وتفجيرها ليسهل تقسيمها إلى كيانات ضعيفة وإعادة ترتيبها في نهاية الأمر.