الثلاثاء، 5 يونيو 2012

"ما زال الكذوب يكذب حتى يصدقه الناس.. ثم ما زال يكذب حتى يصدق نفسه!" ... 2. التاريخ

جاء ظهور حسن البنا وتأسيسه لجماعة "الإخوان المسلمين[1] في مصر في نهاية العشرينات من القرن الماضي، ليخترق مصر الوسطية وليستحضر الطائفية الدينية بكل مشاكلها وتناقضاتها وخطاياها إلى المقدمة. ولقيت الجماعة الجديدة المساندة وتلقت التمويل من بريطانيا - التي سعت دائما لدق إسفين في الوحدة الوطنية - ومن المملكة السعودية الوليدة (1926) - التي بدأ حكامها السلفيون سعيهم إلى خلافة إسلامية أصولية سلفية، كما استطاعت أن تستغل الخلافات السياسية فيما بين الأحزاب وبينهم وبين القصر. وبظهور الإسلام السلفي الذي أدخلته الجماعة إلى مصر في 1928، بدأ تاريخ ممتد لعنف مستمر يعكس عقيدة راسخة لجماعة سياسية - وليس دينية دعوية - تفرق بين أبناء الوطن الواحد، وتظهر بوضوح في شعاراتها الدائمة - السيفان والآية الكريمة "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ"، وشعائرها - القسم بالولاء للجماعة والسمع والطاعة للمرشد، وممارساتها - الاغتيالات على مدى سنوات قوتها وضعفها، وتنظيماتها السرية والعسكرية[2] التي بدأت بها منذ نشأتها لامتلاك الأرض وفرض الإرادة باستخدام القوة. إلا أن رفض القوى السياسية - وعلى رأسها الوفد - لدعوة الإخوان المسلمين للدولة الإسلامية الأصولية السلفية أطلق يد المرشد والإخوان الذين بدأوا موجة من العنف والاغتيالات في مصر في الأربعينات من القرن الماضي. ومضت الجماعة في تنفيذ مخططها التآمري لهز الاستقرار في مصر، فتحالفت مع "الضباط الأحرار" وضمت بعضهم للجماعة ولنظامها الخاص[3] ليس حبا فيهم ولكن سعيا إلى السلطة، ثم ما لبثوا أن انقلبوا على بعضهم البعض، فانتصر الجيش واحتفظ النظام الثوري بالسلطة وبدأ عهد جديد بمصر.
وعندما أصدر مجلس قيادة ثورة يوليو 1952 قراراً بحل جميع الأحزاب السياسية في البلاد، استثنى جماعة الإخوان المسلمين "كجماعة دينية دعوية". وكانت الجماعة - التي ضمت عددا كبيرا من الضباط المنتمين لها - الهيئة المدنية الوحيدة التي علمت بموعد قيام الثورة التي قام بها تنظيم الضباط الاحرار في مصر. وكان جمال عبد الناصر صادقا مع الجماعة فأشرك ممثلين لها في حكومة الثورة وفي لجنة الدستور، ولكن عندما طالبت الجماعة «بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله» ثمنا لتأييدها للثورة، رفض جمال عبد الناصر الأمر قائلا: «لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل أي وصاية من الكنيسة أو ما شابهها، وإنني أكررها اليوم مرة أخرى.» وقد انضمت الولايات المتحدة للدول التي تحالفت وتعاملت معها الجماعة - بريطانيا والسعودية - اعتبارا من منتصف القرن الماضي. ووفقا لمايلز كوبلاند Miles Copeland، مسؤول وكالة المخابرات المركزية في مصر في عهد عبد الناصر ومؤلف كتاب "لعبة الأمم The Game of Nations"، فقد عملت جماعة الإخوان المسلمين مع وكالة المخابرات المركزية ضد النظام المصري العلماني في عهد عبد الناصر، ووفرت لها هذه العلاقات مصدرا غير محدود للأموال التي شكلت جزءا مهما من قدراتها على استقطاب التأييد لدعوتها في يلد يتزايد فيه الفقر. وتوثقت علاقة جماعة الإخوان والجماعات الأصولية بالولايات المتحدة مع بدء الحرب الإسلامية التي شنتها وكالة المخابرات المركزية على السوفييت في أفغانستان (1979-1989) وعرف الأصوليين فيها باسم "الأفغان العرب".
وقد تم حظر جماعة الإخوان المسلمين وإعدام عدد من قياداتها، بعد أن حاول أحد المنتمين إلى الجماعة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954، ووفقاً للأرقام الرسمية فإن 55 من الاخوان المسلمين لقوا حتفهم في تلك الاعتقالات غير المفقودين. إلا أن ذلك لم يردعها، وكان ازدواج ولاء جماعة الإخوان وطبيعة نشاطها وقسمها بالسمع والطاعة لمرشدها وتنظيمها السري وممارستها للعنف لتحقيق أهدافها وللتخلص من خصومها سببا رئيسيا ومباشرا لتمكن النظام من التحول إلى الحكم الشمولي والبطش بالجماعة. ففي 1964، قام جمال عبدالناصر باعتقال من تم الإفراج عنهم من الإخوان مرة أخرى - وبالأخص سيد قطب وغيرهم من قيادات الإخوان - بدعوي اكتشاف مؤامرتهم لاغتياله وأعدم سيد قطب مفكر الجماعة في عام 1966 ومعه خمسة من قيادات الإخوان الذين ذاقوا خلال تلك الفترة أنواع من التنكيل والتعذيب داخل السجون مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 350 إخواني جراء التعذيب. وقد أدى ذلك إلى هجرة معظم قيادات وكوادر الجماعة إلى السعودية والخليج حيث تلقوا دعما ونشروا دعوتهم بين أعضاء الجاليات المصرية.
وبالرغم من تبني الرئيس السادات - الذي خلف الرئيس عبدالناصر في رئاسة الجمهورية - سياسة مصالحة مع القوى السياسية المصرية وإغلاقه السجون والمعتقلات التي أنشأت في عهد الرئيس عبد الناصر وإجرائه لإصلاحات سياسية - تعززت بعد حرب أكتوبر 1973 وتطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي، فقد أبقى الإخوان - وتنظيمات سلفية انبثقت عنهم - على سريتهم ولم يتخلوا عن استعدادهم للجوء للعنف لتحقيق أهدافهم السياسية، فقام الإسلام السلفي باغتيال السادات - الذي أمنه وأمن له - في أكتوبر 1981، وعاودت الجماعات الإسلامية السلفية نشاطها في مصر واستمرت وتسارعت وتنوعت أعمال العنف السياسي والإرهاب التي مارسها الإسلام السياسي اعتبارا من الأربعينات من القرن الماضي، وفي كل مرة قابلت الحكومة عنف الجماعة والجماعات المنبثقة عنها والمنشقة منها وتلك المبنية على فكرها المتشدد بعنف مقابل وإجراءات استثنائية تحملها المجتمع كله، وتحولت حياة المصريين إلى حالة طوارئ دائمة، وتمكنت الدكتاتورية من البلد.
لا يخفى على أحد أن الجماعة - كتنظيم دولي عابر للحدود لا يدخل مصلحة مصر الوطنية كأولوية في حساباته - لم تغير عقيدتها وأهدافها، ولكن ما تبدل هو استراتيجيتها كجزء من عملية تسويقية تستهدف قطاعات متباينة من المجتمع، فبينما أدخلت الجماعة مؤخرا ألفاظ "الديموقراطية والوطنية" على أديباتها "الأصولية" للتمويه، تزيد التنظيمات السلفية المنبثقة عنها من تشددها، وهي - ولها كيانات منظمة في نحو 80 دولة - ما زال يراودها حلم "دولة الإسلام العالمية" وتسعى لتحقيقه، وكم يكون ذلك جميلا ومقبولا للناس جميعا - مسلمين ومسيحيين ومن كل ملة - لو كان الإسلام الوسطي[4] الذى أعطى للإنسان حرية الفكر واختيار العقيدة[5]، فلا يُكره أحدا على أداء شعائره[6]، ويحنو على المسكين واليتيم والأسير أيّاً كان دينهُ أو عرقه أو عقيدته[7]، ويُقِيّم الناس بالمحبة التي في قلوبهم وليس بما يلبسون أو يظهرون[8]، ويُدافع أتباعه عن كنائس ومعابد غير المسلمين كما يدافعون عن المساجد[9]، إسلاماً تزرف أعيُن أتباعه دمعاً حينما يسمعون آيات الله في القرآن والإنجيل والتوراة وتقشعر جلود من آمن بهِ حينما يرون جمال الله وتسموا فيه الروح فوق الأحرف والكلمات[10]، ويتعبد أتباعه مع أهل الديانات الأخرى ويصلون معهم[11]، ويعلون بالتواضع ويسمون بالرحمة والمغفرة[12]، ويشهدون بالحق والصدق ولو على أنفسهم[13]. ولكن الجماعة تستخدم الآن ديموقراطية الثورة للوصول إلى الحكم في مصر، ثم - كما أعلن قادتها منذ أيام - "امتلاك الأرض وفرض الرأي" بالعودة إلى التسلط الذي مارسته منذ الأربعينات وحتى الآن، وتتهم المعترضين على أساليبها وعنفها بترويع الناس وإفزاعهم، بينما تحركها تطلعاتها للسلطة فتقطع التنظيمات المنبثقة عنها الطرق والسكة الحديد وتمارس العنف والاستقطاب وتعترض التهدئة. ولعل في انقضاض فرع الجماعة في غزة[14] على القطاع بالسلاح وهجماته على أرض مصر وقتله لجنود مصريين دليلا يكفي.
وقد جاء ظهور الجماعة الأم "الإخوان المسلمون،" والجماعات المنبثقة عنها والمنشقة منها وتلك المبنية على فكرها المتشدد في ميدان التحرير - بعد أن أطلق الشباب الوطني الثورة - ليؤذن بخطف الثورة التي بدأت سلمية بريئة، ثم جاءت أحداث أطفيح لتسلط الضوء على النوايا نحو مصر ولتستحضر إلى المقدمة كل المشاكل والتناقضات والخطايا، ثم انطلق متطرفون في قنا ليولوا أنفسهم الأمر ويقيموا حدودهم على الأمة، وانطلقت فضائياتهم بالوعيد لسافرات الشعر بحرقهن بماء النار ليفصحوا عن رغبة في منع العودة للاستقرار ودفع مصر إلى الفوضى. وأخيرا، وبعد إطلاق المشاركين في قتل الرئيس السادات ومجاهرتهم "بصحة قتله في سياق المرحلة،" تم الإعلان عن رفع أسماء 3000 قيادي بجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية من قوائم ترقب الوصول إلى مصر، وبدء عودتهم بالفعل من أفغانستان والشيشان والبوسنة والصومال وكينيا وإيران والمملكة المتحدة. وفي نفس الوقت الذي انطلقت فيه حملات هدم الأضرحة واتهام شخصيات مسيحية ومسلمة "بالإفك والبهتان،" وتهديدهم والتصريح باستخدام القوة والعنف ضدهم لمجرد الاختلاف مع توجهات التيار الأصولي العنفية. وأخيرا، أظهرت كل الفصائل الأصولية إصرارا على السيطرة على كل أحداث الميدان واستعدادا متصاعدا للتصادم مع الشباب الذي أطلق الثورة لتحقيق هذه السيطرة.
فهل لهذا قام الشباب بثورتهم وسقط شهداؤهم من أبنائنا؟ وهل يمثل وصول هذه الجماعة من المجاهدين المدربين المحترفين جزءا من التعبئة لمهمة وشيكة بالداخل المصري؟ وهل يؤذن بقرب إسقاط مصر في فتنة دينية - هي الخطوة الأخيرة في آلية الفوضى الخلاقة - لتنتهي بهزيمة نهائية لمصر من الداخل وتقسيم هذه الدولة ذات المقومات العظيمة التي استحالت عليهم بالحروب إلى دويلات على المقاس الصهيوني تصلح لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ولتصل رحلة القرن الصهيونية التي بدأت في 1897 إلى نهايتها وأهدافها طبقا للمخطط بنجاح؟
ولكن لماذا يجب أن يشغلنا ظهور الإسلام السلفي في ميدان التحرير، بينما من الطبيعي أن يشارك كل المصريين في التخلص من نظام مستبد وفاسد؟ هل لأن مصر كانت أول أهداف الإرهاب الديني الذي لم يقتصر على استهداف رموز النظام المستبد الفاسد وامتدت يده إلى الأهداف العامة لتنال من المواطن العادي ومن ضيوف مصر، وما تزال مذبحة سياح الأقصر ونتائجها الاقتصادية المدمرة في الذاكرة؟ أم لأن عنف التسعينات من القرن الماضي لم يكن - كما أسلفنا - أول عهد الجماعات الإسلامية بالعنف، ولأن لها تاريخ ممتد لعنف مستمر يعكس عقيدة راسخة للجماعة الأم والجماعات المنبثقة عنها والمنشقة منها وتلك المبنية على فكرها المتشدد التي بدأت بها منذ نشأتها واستمرت حتى اليوم، وسلوكياتها بالتأييد والتهليل لغير مصريين من فروعها الأجنبية اقتحموا الحدود المصرية وقتلوا أبناء مصر بدم بارد ورفعوا أعلامهم على أراضيها.
لا شك أن العنف السياسي الذي مارسه الإسلام السياسي المتطرف على مدى العقود الماضية يسقط في أيديهم ويقود بكل تأكيد إلى صراع طائفي مسلح بكل ويلاته ونتائجه، ويُسلم مسلمي ومسيحيي المنطقة معا لقوى معادية. رحم الله الداعية الإسلامي الدكتور مصطفى محمود صاحب برنامج "العلم والإيمان" الذي كتب ذات يوم:
"لا تخدعونا بهذا الزعم الكاذب بأنه لا إسلام بدون حكم إسلامي فهي كلمة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والإسلام موجود بطول الدنيا وعرضها وهو موجود كأعمق ما يكون الإيمان بدون حاجة الى تلك الأطر الشكلية.
أغلقوا هذا الباب الذى يدخل منه الانتهازيون والمتآمرون والماكرون والكذبة إنها كلمة جذابة كذابة يستعملها الكل كحصان طروادة ليدخل الى البيت الإسلامي من بابه لينسفه من داخله وهو يلبس عمامة الخلافة ويحوقل ويبسمل بتسابيح الأولياء.
إنها الثياب التنكرية للأعداء الجدد ....
إنها الطريق إلى جهنم"
ما لا تدركه الجماعة والتنظيمات السلفية المنبثقة عنها والمتحالفة معها هو أنها تٌستخدم - بإرادتها أو بغير إرادتها - كمُفجر للمنطقة وجزء أساسي من آليات المخطط الصهيوني طويل الأجل الذي أطلق في بازل السويسرية في 1897، واستغرقت مرحلته الأولى خمسون عاما لإتمامها بإنشاء دولة ليهود العالم في فلسطين وإعلان استقلال إسرائيل، وتتم الآن على الأرض خطوته الأخيرة لتفريغ المنطقة من الدول القادرة على تهديد أمنها - أو حتى إزعاجها - باستخدام "القوة الناعمة" لتحريك الشباب الغاضب لإطلاق "الثورة" ثم دفع القوى الداخلية المتطرفة لمنع الاستقرار وإطلاق "الصراع المدني" لتفجير المنطقة وتفتيتها وإعادة تقسيمها إلى دويلات دينية وطائفية صغيرة غير قادرة على إزعاج القوى العظمى أو إسرائيل في المستقبل القريب أو البعيد، وتعمل - كأمر واقع - على تأمين إسرائيل وتحقيق نهائيتها كالقوة العظمى بالمنطقة والمركز الدائم للسيطرة عليها كمنطقة نفوذ، وإلا فلماذا يعلن نيتانياهو فجأة استعداد إسرائيل للتعاون مع حكومات إسلامية في المنطقة وهو الذي يرفض حكومة الإخوان المسلمين في غزة.
لا يفيد الجماعة الأم والجماعات المنبثقة عنها والمنشقة منها وتلك المبنية على فكرها المتشدد الاستمرار في التذاكي، فما اقترف كان حقيقيا[15] ولم يكن أبدا اتهاما بلا دليل نسقطه من الذاكرة الوطنية ونستبعده بألفاظ ذكية مثل "الفزاعة" وغيرها، فأبسط المصريين يدرك بفطرته وفطنته أنه لا يمكن لمن يقسم بالولاء والسمع والطاعة لغير الوطن وينكر الآخر ويستخدم العنف والقتل ويسعى - كما يعلنون ويفعلون - “لامتلاك الأرض وفرض الرأي” أن يكون ديموقراطيا ووطنيا. ولذلك، فإن على الجماعة أن تقتصر على الدعوة وتبتعد عن السياسة وتعلن ندمها على ما تم من عنف وقتل حتى يقبلها المصريون جميعا كجزء أصيل من النسيج الوطني. لقد آن للجماعة وفصائلها أن تتقي الله في وطنها ومواطنيها فتعود إلى الوسطية وأن تدرك أن بريطانيا هي من ابتكر "آلية" الدول الدينية والإثنية لاستقطاب شعوب المستعمرات السابقة وإثارة الفتن فيها لمنع نهوضها، وأنها أطلقت - بمباركة الصهيونية العالمية - آليتها الخبيثة بإسرائيل وباكستان ويمزقون الآن بها السودان "مركز حوض النيل" إلى جنوب مسيحي وشمال مسلم وغرب إفريقي، ويسعون لتطبيقها في مصر والمنطقة لتحقيق نهائية إسرائيل.
دكتور مدحت بكري


[1]أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية عام 1928م كجمعية دينية تهدف إلى التمسك بالدين وأخلاقياته وفى عام 1932م نقل نشاطها إلى القاهرة وبدأت الجماعة نشاطها السياسي في عام 1938م فعرضت حلا إسلاميا لكافة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعانى منها البلاد في ذلك الوقت و رفضت الدستور والنظام النيابي على أساس أن دستور الأمة هو القران كما أبرزت الجماعة مفهوم القومية الإسلامية كبديل للقومية المصرية.
[2]"النظام الخاص" بجماعة الإخوان المسلمين أو التنظيم الخاص أو التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين، هو نظام عسكري أسسته الجماعة في العام 1940 وهدفه إعداد نخبة منتقاة من الإخوان للقيام بمهمات خاصة والتدريب على العمليات العسكرية ومحو الأمية العسكرية للشعب المصري. وقد عهد حسن البنا قيادة النظام الخاص إلي صالح عشماوي وكان آنذاك وكيلا للجماعة وحظي محمود عبد الحليم بمساحة تنفيذية واسعة في بداية إنشاء هذا التنظيم حيث يقول " عند مباشرة عملية الإنشاء وجدت نفسي أشبه بالعضو المنتدب لهذه القيادة " فهو كان مندوبا عن الطلبة في القاهرة واستطاع أن يجعل من الطلاب العنصر الأساسي في تكوين هذا التنظيم العسكري الذي تم تقسيمه لمجموعات عنقودية صغيرة لا تعرف بعضها مع تلقينهم برنامجا إيمانياً وروحياً مكثفاً إضافة إلي دراسة مستفيضة للجهاد في الإسلام وكذلك التدريب علي استعمال الأسلحة والأعمال الشاقة والمبالغة في السمع والطاعة في المنشط والمكره وكتمان السر، غير أن محمود عبد الحليم ترك هذه المسئولية بعد أن عهد إلى عبد الرحمن السندي بها بسبب انتقاله للعمل في دمنهور في 16/6/1941م.
[3]كان جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين عضوا مجلس قيادة الثورة من أشهر أعضاء النظام الخاص للجماعة الذي انضما إليه عام 1943 وفق شهادة خالد محيي الدين نفسه.
[4]الدكتور طارق عبد الحميد
[5] فَمَنْ شاءَ فَلْـيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفُرْ” قرآن كريم (18- 29)
[6] لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ” قرآن كريم (2- 256)
[7] وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا " قران كريم 76 – 8)
[8] يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” قرآن كريم (26- 88)
[9] وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا” قرآن كريم (2- 251)
[10] وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا” قرآن كريم (42 -52)
[11] وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ” قرآن كريم (18 – 28)
[12] وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ” قرآن كريم (23 – 118)
[13] كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ” قرآن كريم (5- 8)
[15]اغتيال أحمد ماهر باشا رئيس وزراء مصر في البرلمان المصري في 24 فبراير 1945م.
اغتيال القاضي أحمد بك الخازندار رئيس محكمة الاستئناف في 22 مارس 1948.
اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في القاهرة في 28 ديسمبر 1948.
محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954.
اغتيال الرئيس السادات في 6 أكتوبر 1981.
محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا 1995
اغتيال الرموز السياسية والأمنية للدولة، ومن ذلك اغتيال د.رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب في 1990، ومحاولات اغتيال رئيس الوزراء السابق عاطف صدقي ووزير الإعلام صفوت الشريف عام 1993، ووزراء الداخلية السابقين النبوي إسماعيل وحسن أبو باشا عام 1987 وزكي بدر عام 1989 وحسن الألفي عام 1993.
اغتيال بعض الكتاب العلمانيين الذين دأبوا على انتقاد الجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل الدكتور فرج فوده في 1992، وكذا محاولة اغتيال الصحفي مكرم محمد أحمد في 1987 والأديب نجيب محفوظ في 1994.
استهداف السائحين الأجانب والقطارات والمنشآت السياحية، وقتل 93 سائحا من جنسيات مختلفة منذ العام 1992 سقطوا في عدة عمليات، أبرزها عملية فندق أوربا في أبريل 1996 والتي أسفرت عن مقتل 18 سائحا يونانيا، وعملية تفجير أتوبيس سياحي بالمتحف المصري بالقاهرة في سبتمبر 1997 والتي قتل فيها 9 سائحين أجانب وإصابة العشرات من المواطنين والسائحين، ومذبحة الدير البحري بمدينة الأقصر في نوفمبر 1997 والتي أسفرت عن مصرع 58 من السائحين الأجانب وخمسة من المواطنين المصرين وإصابة العشرات من الجانبين.
إغتيال رجال الشرطة والمواطنين المتعاونين مع أجهزة الأمن لترويع رجال الأمن والحصول على الأسلحة والذخائر، خصوصا في محافظات الصعيد؛ على سبيل المثال اغتيال اللواء رءوف خيرت رئيس قطاع مكافحة التطرف الديني.
استهداف المواطنين الأقباط بغرض بث الفرقة والشقاق بين عنصري الأمة من المسلمين والأقباط. ومن أبرز عمليات العنف السياسي ضد المواطنين الأقباط، أحداث سوهاج (مارس1984)، وأحداث أبو قرقاص (مارس 1990 وفبراير 1997) وأحداث صنبو (1992) وأحداث قرية بهجورة بمحافظة قنا (مارس 1997) . وقد أسفرت أعمال العنف السياسي ضد المواطنين الأقباط عن مصرع نحو 96 منهم.

الجمعة، 11 مايو 2012

"ما زال الكذوب يكذب حتى يصدقه الناس.. ثم ما زال يكذب حتى يصدق نفسه!" ... 1. المناظرة

وبالرغم من أن الجماعة العابرة للحدود - غبر الوطنية - التي ينتمي لها السيد أبو الفتوح قد اعتمدت - على مدى أكثر من ثمانين عاما - تزييف الحقائق التاريخية وغسيل الدماغ وأنها تزين لأعضائها الكذب بالرغم من تحالفها الصريح مع النظام منذ السبعينات - ثم غدرها به واغتيال الرئيس السادات - بينما تدعي الطهارة والفضيلة وتستخدم الآن كلمات مثل "الفزاعة" "والاضطهاد" للتضليل ولاكتساب تعاطف جمهور من صغار السن غير المعاصرين للحقائق التاريخية أغضبهم فساد واستبداد الحكم، ولا تتورع عن كيل الاتهامات جزافا لكل من تولى مسئولية وخدم الوطن.  
وقد أدهشني أن يقتصر وصف السيد عمرو موسى لعلاقات السيد أبو الفتوح مع القوى المختلفة بأنها مبنية عن ازدواجية الكلام ومواءمة المواقف، وأن يتجاوز عن ادعاء السيد أبو الفتوح بخبرات وقدرات لا يملكها - ولا يوجد أي دليل عليها - وأن يلتزم كياسته المعتادة ودبلوماسيته طوال المناظرة إزاء مناظر لم يتورع عن إهانة مجتمع بأكمله لينال من غريم كل ذنبه أن أخلص وتميز في خدمة وطنه، بينما كانت جماعة السيد أبو الفتوح شريكا كاملا للنظام. فهل كان السيد أبو الفتوح ينتظر من كل مصري وطني إذا ما تولى حكم مصر فاسد - أو حتى مارق - أن يترك البلد ويبحث له عن بلد أخر؟!
وبالرغم من أن تركيز هجوم السيد أبو الفتوح على دور السيد عمرو موسى في الحكومة قبل عام 2000 كان مفهوما ومبررا في إطار المناظرة، فقد اقتصر مديرا المناظرة في مقاربتهم لها على ما شاب النظام الساقط من فساد وغضا النظر - وكذلك السيد عمرو موسى - عما شاب مصادر تمويل الجماعة والتنظيمات المنبثقة عنها من غموض وفساد، واستخدامها للمال السياسي وللدين للتأثير على نتائج الانتخابات، وما اتسمت به من انحراف وعنف لعشرات السنين ودور السيد أبو الفتوح الذي امتد من إرهاب زملائه في الجامعة جسديا إلى علاقته بالتنظيم الذي اغتال الرئيس السادات. وقد كان التوازن وموضوعية العرض تقتضي تناول المناظرة لاعتبارات حيوية هي:
·         أن الجماعة - كتنظيم أصولي عابر للحدود، ذو طبيعة عسكرية يقسم أعضاؤه على السرية والولاء والطاعة لغير الوطن لا يدخل مصلحة مصر الوطنية كأولوية في حساباته وإنما تحركه شهوة السلطة وأجندات مخفية - هي من قاد الإسلام في مصر من الوسطية إلى  الوهابية، وأطلقت الإرهاب الديني في مصر منذ أربعينات القرن الماضي، واستخدمت الدين بلا حدود في السعي إلى السيطرة على الناس لخدمة أجندات سياسية غريبة على مصر، وهي التنظيم الأم الذي انبثقت عنه كل التنظيمات السلفية بما فيها تنظيم القاعدة.
·         أن الجماعة - كما يشهد تاريخها على مدى 83 عاما - لم تغير أهدافها ولكن ما تبدل هو استراتيجيتها كجزء من عملية تسويقية تستهدف قطاعات متباينة من المجتمع، فبينما أدخلت الجماعة مؤخرا ألفاظ "الديموقراطية والوطنية" على أدبياتها "الأصولية" للتمويه، تزيد التنظيمات السلفبة المنبثقة عنها من تشددها، وهي - ولها كيانات منظمة في نحو 80 دولة - ما زال يراودها حلم "دولة الإسلام العالمية" وتسعى لتحقيقه، وتستخدم الآن ديموقراطية الثورة - كما أعلن قادتها - "لامتلاك الأرض وفرض الرأي".
·         أن عشرات الآلاف من كبار مسئولي وموظفي الدولة الوطنيين الذين لا يعرفون لهم انتماء آخر - من أمثال السيد عمرو موسى - كان عليهم أن يخدموا مصر بإخلاص واقتدار لا يستطيعه أصحاب الأيديولوجيات المتطرفة والأجندات المخبأة والأفكار التكفيرية والتنظيمات العابرة للحدود الناكرة لحقوق المواطنة ولوحدة النسيج الوطني المصري.
·         أن فقر المصريين وعوزهم هو سر استسلامهم وانقيادهم، فالمحتاج يذكر الله ويدعوه بالفرج، ويرحب بالمحسن ويدعو الله له بحسن الجزاء، ويقبل شاكرا - دون ثمة سؤال - ثمنا لصوته الانتخابي صندوق التموين ليأكل العيال والدواء ليخف المرض. من هنا، فليس من المعقول أن تقود جماعات السيد أبو الفتوح النهضة والرخاء لأن من المنتظر أن يسأل المسلم المستغني المحسن بالأموال الأجنبية؛ "من أين لك بكل هذا الذي تشتري يه ولاءنا وأصواتنا؟!"، ولذلك، فإننا لا نعول على نية السيد أبو الفتوح في قيادة مشروع للنهضة الوطنية لأنه يتعارض مع مشروعه لدولة الإسلام العالمية.
لا شك أن في مصر قامات شاهقة خدمت وطنها - في ظل الفساد ورغما عنه - بينما كانت "الجماعة" وتنظيماتها العسكرية السرية تتآمر - على مدى تاريخها - لاغتيال مصريين عظماء وقتل زوار آمنين لمصر، فسالت دماء بريئة ما زالت على أيديهم تنتظر اعترافهم بالذنب واعلانهم التوبة والعودة لصفوف المواطنين الوطنيين ليعمل جميع المصريين - بكل فصائلهم- معا في هذا المفترق الحرج للغاية لإنقاذ "مصر التاريخية" من خطر داهم لم يسبق لمصر أن تعرضت لمثله أبدا؛ فهل تعود الآن للصفوف أم أن انتظارنا سيطول لثمانية عقود أخرى؟!
دكتور مدحت بكري

الأربعاء، 9 مايو 2012

الدكتورة ليلى تكلا: رئاسة الجمهورية‏..‏ وظيفة

نعم إنها وظيفة‏..‏ قد تكون أعلي وأخطر وأهم وظيفة في الدولة‏، ‏ لكنها تظل وظيفة عامة لا بد أن تخضع للقواعد العلمية في الاختيار بمعني توصيفها‏، ‏ وتصنيفها وتحديد الصفات والكفاءات المطلوبة لأدائها بنجاح ثم اختيار الشخص المناسب في ضوء هذه الحقائق،  ويقتضي التوضيح إشارة عاجلة لأصول المسألة.
بسقوط الإقطاع،  والتوسع،  والفتوحات،  ظهرت الحاجة إلي أعداد كبيرة من الموظفين يؤدون الوظائف المتزايدة للدولة،  وكي يضمن الحكام ولاءهم كان الاختيار يقوم علي ثلاثة اعتبارات شخصية هي: تعيين الأقارب،  أو المعارف والأصدقاء،  أو الأنصار السياسيين. أدي هذا الأسلوب إلي سوء الخدمة وفسادها وأصبح يطلق عليه نظام المفاسد System Spoils. وبظهور الثورة الصناعية والإدارة العلمية وضغط الجماهير وأصحاب الأعمال،  اتجهت الحكومات للاختيار علي أساس الكفاءة والمساواة فيما يعرف باسم نظام الصلاحية System Merit الذي يقوم علي تأكيد العلاقة بين متطلبات الوظيفة ومسئولياتها،  ومؤهلات شاغلها وقدراته،  لضمان نجاح تحقيق الهدف.
ثم ظهرت النظريات واستقرت المبادئ بأن الحكام ليسوا أصحاب السلطة،  تظل دائما للشعب فوضها لمن يختارهم للقيام بوظائفها علي أساس الصلاحية لهذا المنصب. والربط بين المسئولية المنوط بها الرئيس وصلاحية من يشغلها علي القيام بها يقتضي قبل كل شئ تحديد هذه المسئوليات بوضوح ودقة،  والمراجع في هذه المسئوليات واحد لا سواه هو الدستور وما يحدده بالنسبة لشكل نظام الحكم وتوزيع السلطات والاختصاصات. فأين ذلك الدستور؟ الدستور يوزع الاختصاصات ويحدد العلاقات بين الشركاء في الحكم،  ليكون رئاسيا أو برلمانيا أو مختلطا يبين تداول السلطة جمهورية أو ملكية وراثية أو انتخابية كما يحدد مصدر السلطة ديكتاتورية ديمقراطية دينية أم مدنية دستورية،  ليبرالية أم شمولية،  ومن الطبيعي أن تختلف الصفات والمواصفات المطلوبة لشغل منصب الرئيس حسب ما ينص عليه الدستور من نظم وما يحدد له من مسئوليات،  قد يصلح له أحد المرشحين أو بعضهم وقد لا يصلح له أي منهم،  ونحن ليس لدينا دستور يضع الأسس ويحدد النظم ويرسم الطريق.
ومن المهم هنا الإشارة إلي أربع حقائق أساسية:
·          المسيرة السياسية ضبابية وتزداد تخبطا لأننا لم نبدأ البداية الصحيحة،  لقد وضعنا الحصان خلف العربة فلم نتقدم للأمام بل هرولنا إلي الخلف وأصبحنا مثل العبقري الذي أراد أن ينتهي بسرعة من بناء عمارته فقرر أن يبدأ ببناء السطح أولا فانهار البنيان علي رأسه،  وإن كان الاعتراف بالحق فضيلة فإن العدول عن الخطأ والعودة للصواب فريضة.
·          نفرق هنا بين الصفات المطلوب توافرها في الشخص والمواصفات والقدرات والكفاءات والخبرة التي يتطلبها ذلك المنصب. أغلب ما كتب عما نريده في الرئيس يتعلق بصفات أخلاقية مطلوبة لكل منصب خاصة للرئاسة لكن النزاهة والأمانة والصدق والتقوي...إلخ وحدها لا تكفي. علينا تحديد المواصفات المهنية والقدرات والخبرة المطلوبة لمنصب الرئيس.
·          بالإضافة إلي ذلك الواقع العملي هناك واقع دستوري. إن اختيار الرئيس في ظل ذلك الغموض ثم صدور دستور يحدد شكل نظام الدولة قد ينتقص من شرعية وجود شاغل المنصب... ونبدأ من جديد!!
·          ندفع اليوم ثمن العودة لما يسمي نظام المفاسد وتجاهل الأسس العلمية للتنظيم والإدارة في تشكيل اللجنة التأسيسية. أغلب المختارين لم تكن لهم علاقة بالمواصفات المطلوبة لإنجاز المهمة. استبعد الاختيار نخبة تعتز بها مصر من فقهاء القانون والدستور والعلوم الاجتماعية والأمن والاقتصاد،  تجاهل فئات عديدة في المجتمع منها المرأة والشباب وأهالي التجمعات النائية مثل النوبة وغيرها وصغار العمال والفلاحين وذوي الاحتياجات الخاصة،  ولم يمثل الاتجاهات السياسية والدينية والثقافية والاقتصادية التي تزخر بها مصر والتي من حقها كلها أن تضع دستورا للوطن كله.
في ضوء هذه الحقائق أصبح علينا استيعاب خصائص المرحلة الكارثية التي تمر بها مصر والالتزام بالديمقراطية الناضجة وأسس الحكم الرشيد في تحديد المبادئ التي يجب أن يقوم عليها الدستور ومسئوليات الوظيفة الأولي والصفات والمواصفات المطلوبة في شاغلها،  ولتكن هذه هي المسئولية الأولي لكل كاتب ومفكر ومشرع بل كل مواطن ومواطنة بدلا من أمور سطحية تافهة انشغلنا بها،  وأصبحت تحتل المساحة الأكبر في الإعلام والحديث والكتابة،  إن الرئيس القادم إما أن يكون طوق النجاة وإما الصخرة التي تشدنا للقاع..
د. ليلي تكلا

السبت، 5 مايو 2012

السيد يس: مفكري الأمة يؤيدون عمرو موسى، فماذا عن عامة الشعب؟

كتب المفكر الاستراتيجي السيد يس:

"لم أندهش كثيرا لتوفيق عمرو موسي في التركيز علي مفهوم الرؤية الاستراتيجية، وتفصيل ما يراه من أفكار متعددة لتحقيقها علي أرض الواقع. فقد تابعت منذ سنوات مسيرته الحافلة منذ أن كان سفيرا مرموقا وطموحا في الخارجية، إلي أن أصبح وزير خارجية مصر، حيث احتل مكانة متفردة بين من شغلوا هذا المنصب من قبل، مما أضفي عليه جماهيرية شعبية واسعة. غير أن عمرو موسي بالإضافة إلي ذلك كان معنيا منذ وقت مبكر بالتفكير الاستراتيجي. ويشهد علي ذلك حرصه علي الاشتراك في المؤتمر الاستراتيجي العربي الأول الذي انعقد في عمان من15-17 سبتمبر1987 وهو المؤتمر الذي اقترحت فكرته، بعد أن أصدرنا في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام التقرير الاستراتيجي العربي عام1986. وكان هذا التقرير هو الخطوة الأولي لتنفيذ مشروع متكامل يتمثل في السعي المخطط لإنشاء جماعة عربية للأمن القومي تتكون من الباحثين في الاستراتيجية والدبلوماسيين وضباط القوات المسلحة. شارك في وفد المركز الذي سافر إلي عمان السفير- وقتها- عمرو موسي والذي كان هذا الوقت مدير الهيئات الدولية بوزارة الخارجية. وأتذكر حتي الآن أداءه رفيع المستوي في المؤتمر، حين تناول بالتفنيد عددا من الملاحظات النقدية التي وجهت إلي سياسة مصر الخارجية. ومن هنا يحق لنا القول أن البرنامج الرئاسي لعمرو موسي ليس وليد لحظة قراره بترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، ولكنه حصيلة اهتمام قديم بالتفكير الاستراتيجي بالمعني الشامل لكلمة الاستراتيجية، والتي لا تنفصل أبدا عن معني التنمية بمعناها الشامل.

وأريد لكي أدلل علي هذه الحقيقة أن أركز علي عدد من الأفكار المحورية التي صدر بها عمرو موسي برنامجه الطموح لإعادة بناء مصر. في السطور الأولي لمقدمة البرنامج نراه يتحدث عن الجمهورية الثانية التي يتمني قيادتها والتي ينبغي أن تكون ديمقراطية دستورية، تقوم علي مبادئ ثورة 25 يناير وتتأسس بناء علي حركة تغيير ثورية فعالة. وتقوم رؤية عمرو موسي علي أساس ثلاثة بنود رئيسية هي الديمقراطية والتغيير والتنمية. وفي تطبيق دقيق لنظرية الرؤية الاستراتيجية يقرر بكل وضوح إن رؤيتنا يجب أن تعتمد المتبقي من النصف الأول من القرن إطارا زمنيا لتحقيق طفرة حقيقية في حياة مصر والمصريين. ويضيف إن واحدا من العناصر الأساسية في بلورة أهداف تلك الرؤية هو توقع أن يصل عدد سكان مصر إلي مائة مليون نسمة في العقد القادم، وإلي مائة وخمسين مليونا أو يزيد بحلول عام 2050م (طبقا لمؤشرات الزيادة السكانية).وهو أمر يجب الإعداد له منذ الآن في مختلف مناحي الحياة المصرية. ويأتي علي رأس ذلك التعليم والصحة والبحث العلمي، وكذلك تعبئة الثروة الوطنية من الزراعة وإمكانيات توسعها، والصناعة والتكنولوجيا وحركة تعميقها وتنويعها وتوزيعها، والسياحة ومضاعفتها وغير ذلك من مجالات الحياة. ويضيف التزامه القاطع برفع راية المواطنة أساسا للوطنية المصرية والمنع الحاسم للتمييز بين المصريين وأن يشرع ذلك في الدستور، ويركز من بعد علي إثراء القوة اللينة لمصر وإحياء البحث العلمي واستعادة الزخم الفكري والروحي المصري في الآداب والعلوم والفنون. ويعطي أهمية خاصة للحفاظ علي الأمن القومي المصري بكل عناصره السياسية والاقتصادية.

وينهي عمرو موسي مقدمة برنامجه ومهامه، بأنه يعكس طموحات وآمال شعب مصر في مشروع جاد للنهضة، ويطرح برامج وخططا لتحقيقها في إطار من الواقعية التي تحصنها من تقديم الوعود الزائفة أو القفز إلي المجهول، ومن الإفراط في التفاؤل المضلل أو التشاؤم المثبط للهمم. هكذا تحدث عمرو موسي في مقدمة برنامجه المهم، ويبقي لنا قراءة ثانية في مفردات البرنامج، لنعرف هل كان واقعيا في رسم خطوات التغيير المرغوبة، وهل اعتمد علي تشخيص دقيق لمشكلات الحاضر تمهيدا لوضع ملامح المستقبل؟ أسئلة تستحق أن نتابع من بعد إجاباتها المتعددة."

السيد يس