الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

الحناجر في مواجهة الأدمغة.. كيف واجه العرب الإدارة بالأهداف والتخطيط والتركيز بأحلام اليقظة والتطير وردود الأفعال!

دكتور مدحت بكري | الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012
قادت الصهيونية العالمية بتركيز وثبات مدهشين لأكثر من قرن كامل - خلال فترة شديدة التعقيد من التاريخ الإنساني شملت حربين عالميتين، وتغيرات كبرى في موازين القوى، وحراكا سياسيا غير مسبوق وثورات شعبية بالمنطقة، وصعودا لحظوظها استفادت منه، وهبوطا استغلته لصالحها إلى أبعد الحدود - عملا مخططا ومنظما ودؤوبا ومكثفا لإنشاء وتأمين إسرائيل كوطن نهائي ليهود العالم أينما كانوا، وفعلت كل ما يلزم لاستيعاب النتائج، ولإعادة صياغة المفاهيم العالمية السلبية عن اليهود التي استقرت لقرون بالعقل المسيحي وبالضمير الإنساني، ولإدارة الضمير المسيحي بذنب ما عرف بالاضطهاد الأوروبي لليهود والمحرقة النازية، ولترسيخ عقيدة "ظلامية وعدوانية الإسلام" وشيطنة المسلمين في الضمير العالمي.
 
التفاوت الهائل بيننا وبينهم - فيما أسميه "طول الموجة العقلية" يسبب الاختلاف الكبير بين هذا النمط من الرؤية طويلة الأجل والتركيز المستمر الذي يميزهم والذي يقابل ولكنه يختلف تماما مع ثقافتنا وخبراتنا وطبيعتنا المتطيرة وأسلوب- يبدو  أنه لن يتغير -  لعملنا بردود الأفعال يعيق "البصيرة" ويحرمنا من القدرة على قراءة وفهم المشروع الصهيوني طويل الأجل الذي أنتجته عقول طويلة الموجة ترى القرن كنقطة على خط الزمن - وتتجاوز وحدته الزمنية عشر سنوات ويستغرق تحقيق أول أهدافه بإنشاء دولة في فلسطين ليهود العالم خمسين عاما ومثلها - أو يزيد - لتحقيق هدفه الثاني بإعادة ترتيب الشرق الأوسط لإحكام السيطرة على المنطقة ما بين النيل والفرات - فيفقدنا "الوعي" ومن ثم تمتنع علينا القدرة على استيعابه والتعامل بفعالية معه أو التأثير على نتائجه.
 
يثبت ما وصلنا إليه من أوضاع مزرية - مقابل ما حققته الحركة الصهيونية العالمية من أهدافها طبقا لمخططها - أن وعينا وتركيزنا وأداءنا لم يكونوا أبدا على المستوى المطلوب للمواجهة على مدى ما يزيد عن قرت كامل، وأن طبيعتنا الحالمة التي تربط بين العدالة وطبيعة الحل المنشود والمنتظر للصراع مع إسرائيل - الرافضة المنغلقة - لأن ننتظر النهاية السعيدة بعودة الأرض السليبة وزوال إسرائيل "المزعومة" بأيدي مغاوير "الممانعة،" أو "في أسوأ الأحوال" بحل وسط بمبادرات "الاعتدال" ينهي الصراع "الافتراضي" بتنازل فلسطيني كبير بالقبول بدولتين على حدود ما قبل يونيو 1967. هذه الرؤية الحالمة لانتهاء الصراع "الافتراضي" موجودة فقط في المخيلة العربية، فقد حسمته إسرائيل ومعها الغرب لصالحها بالحرب في 1967، ثم بتوقيع معاهدة سلام مع الطرف الأكثر قدرة على منافستها وإزعاجها وهو مصر في 1978، وبربط مصالحها عضويا بالقوى العظمى وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، التي أنهت إلى الأبد - بضغط صهيوني هائل - قدرة العراق على إزعاج إسرائيل بهزيمته في 2003، وتمزيقه تمهيدا لتقسيمه.
 
علينا أن نفهم كمصريين أن الحركة الصهيونية العالمية ليست بسبيلها طواعية إلى إهدار العمل الصهيوني الذي أنتجه التخطيط وساندته الإرادة وكرست له الموارد الصهيونية حول العالم لأكثر من مائة عام وربما يزيد، وأنها تعمل الآن لتكريس ما تم تحقيقه لتصل رحلة القرن الصهيونية التي بدأت في 1897 إلى نهايتها وأهدافها بنجاح طبقا للمخطط طويل الأجل للسيطرة الكاملة على المنطقة ما بين النيل والفرات ومصادرها الطبيعية ومواردها البشرية وأسواقها وكل مقدراتها. بل أنها قد انتقلت بالفعل - بشراكة أمريكية وغربية وعربية - إلى تحقيق هدفها النهائي. كما أن علينا أن نعي حقيقة أن قوة مصر النسبية إلى قوة الطامعين فيها لم تكن على مدى التاريخ بمثل هذا الخلل المميت، وأن موازين القوى التي أنتجتها مواجهات الصراع وتحالفات القوى العظمى والأهداف الاستراتيجية لهذه القوى لا يمكن مواجهتها بالانفعالات والشعارات أو باللاوعي وعدم الاكتراث، أو بمواقف سياسية عنترية ومواجهات في غير موقعها ووقتها لأسباب أيديولوجية عابرة للحدود، وإنما باستيعاب الحقائق على الأرض، وبعمل واقعي مخطط ومنظم ودؤوب ومكثف تسانده إرادة حديدية في ضوء هذه الحقائق تكون أولويته الوحيدة سلامة مصر وشعبها ووحدة أراضيها.
 
مدحت بكري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق