عندما اختلف سعد زغلول مع عدلي يكن حول "مشروع ملنر"، انفض السبعة المسلمون من حول سعد ولم يبق معه متمسكا بالحق الوطني غير واصف غالي وسينوت حنا. وعندما أنذر المحتل الإنجليزي سعد في 7 ديسمبر 1921بضرورة إيقاف نشاطه أو النفي، لم يرفض الإنذار غير مصطفي النحاس وويصا واصف وسينوت حنا وواصف غالي ومكرم عبيد.
وعندما حاول المحتل الإنجليزي دق الإسفين الديني بين المسلمين والمسيحيين، ارتفع على الوطن من ساحل البحر إلي أقصي الجنوب شعار "الدين للديان والوطن للجميع" وظهر "الهلال مع الصليب"، ثم واجه المصريون المشروع الصهيوني مجتمعين، فامتزج الدم المسيحي مع الدم المسلم على أرض مصر. وهكذا لعب المسلمون والمسيحيون الأقباط دورهم في الحركة الوطنية في مواجهة المحتل وفي الذود عن الوطن وأثبتوا وحدة النسيج الوطني على مدى القرن الماضي.
وكان مكرم عبيد باشا (25 أكتوبر 1889 - 5 يونيو 1961) الذي وُلد لعائلة من أشهر العائلات المسيحية القبطية بمحافظة قنا بصعيد مصر، ودرس القانون في أكسفورد، أحد أهم المفكرين المصريين المقربين من الزعيم سعد زغلول باشا وأشهر الخطباء في التاريخ السياسي المصري الحديث الذين لعبوا دورا محوريا في الحركة الوطنية المصرية وفي مقاومة الاحتلال، وهو صاحب المقولة الشهيرة "إن مصر ليس وطناً نعيش فيه بل وطناً يعيش فينا" وهو القائل أيضا "اللهم يا رب المسلمين والنصارى اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصاراً، واجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين".
وقد كان من الطبيعي - وهذا شأنه - أن تقربه سلطة الاحتلال، فعينوه سكرتيراً خاصا للمستشار الإنجليزي لوزارة العدل طوال مدة الحرب العالمية الأولى، ولكنهم استغنوا عنه عندما كتب رسالة في معارضة المستشار الإنجليزي "برونيات" شارحاً فيها مطالب الأمة المصرية وحقوقها إزاء الإنجليز، فغادر منصب سكرتير المستشار الإنجليزي لينضم للثورة دون أن يدعوه أحد،. وعمل في مجال الترجمة والدعاية في الخارج ضد الحكم والاحتلال الإنجليزي وكان له دعاية نشطة في إنجلترا وفرنسا وألمانيا، وانضم إلى حزب الوفد في عام 1919 ولما نُفي سعد زغلول ثار مكرم عبيد وقام بإلقاء الخطب والمقالات مما تسبب في القبض عليه ونفيه.
وكان المنفى هو فعلا النقطة المحورية في حياته، فكان يرى في نفيه مع سعد زغلول إضفاء لشرف الوطنية عليه وعلى زملائه، فقال “لم نشعر في حياتنا أننا مصريون، عاشقون لمصر، بمقدار ما شعرنا في المنفى، ما أحسست طوال عمرى أن الوطن قريب إلى قلبي وفكري إلا عندما أبعدوني عنه في سيشل، فكانت أداة الفصل هي هي أداة الوصل” ووصف علاقته بسعد زغلول في المنفي بقوله “لعلى لم أعرف سعدا، ولم أعرف مبلغ حبى له ذلك الحب النادر الذى يغذيه القلب والعقل معا إلا عندما أتاح الله لي أن أخلو به في سيشل في انتظار قدوم إخوتنا من عدن، في تلك الفترة القصيرة الحلوة التي كان لها أثر حاسم في تطور فكري والتي مازالت أعدها كحقبة من أهم حقبات عمرى، في تلك الفترة علمني سعد أن أحبه وأحترمه”
وعندما توفي سعد أصبح مصطفي النحاس باشا رئيسا لحزب الوفد ومكرم عبيد باشا سكرتيرا للحزب. وفي عام 1928 عندما شكل النحاس باشا وزارته عين مكرم باشا وزيراً للمواصلات، وفي عام 1935 أصبح سكرتير عام الوفد فكان من أبرز أعضاء الحزب والجبهة الوطنية وأكثرهم شعبية. وبعد معاهدة 1936 عُين مكرم عبيد وزيراً للمالية، وشارك في الوزارات الثلاثة التي تشكلت برئاسة كل من أحمد ماهر والنقراشي في عام 1946.
ونذر مكرم باشا - الذي عمل بالمحاماة - وقته كله للدفاع عن المقبوض عليهم في تهم سياسية، ولا زالت أصداء مرافعاته معروفة في تاريخ المحاماة في مصر، وقد اُختير نقيباً للمحامين ثلاث مرات وكان هو الذي قام بالدفاع عن عباس العقاد حين اتهم بالسب في الذات الملكية، وكان الرجل الوحيد - بجانب والده - الذي شيع جنازة حسن البنا مؤسس ومرشد جماعة الإخوان المسلمين بعد أن منع البوليس السياسي آنذاك الرجال من المشاركة في الجنازة.
وبقى مكرم عبيد باشا مقاتلا لمصر حتى بعدما أزاحه فؤاد سراج الدين باشا - بمعاونة زينب الوكيل هانم - من قيادة حزب الوفد، ليصبح الطريق ممهدا لفؤاد سراج الدين في خلافة النحاس، فأسس بعد خلافه مع النحاس حزب الكتلة الوفدية كما ألف الكتاب الأسود واتهم النحاس باشا بالفساد وتلقي الرشاوى وعدم مراعاة مصالح الشعب، واعتقله النحاس باشا أثناء الحرب العالمية الثانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق