اتبعت الحكومة الأخيرة للنظام السابق - كسابقاتها - سياسة ضريبية غير عادلة تعتمد أسلوب الجباية الذي عبرت عنه الضريبة العقارية الجديدة التي أدخلتها كأسلوب لتحقيق زيادة في إيرادات الدولة وتمويل أعمالها بصرف النظر عن الخلل في توزيع الثروة. فبينما عاني أكثر من 40% من المصريين من الفقر - أقل من دولارين في اليوم - فقد أظهرت هذه الحكومة على مدى سنوات ولايتها نقصا في الإحساس باحتياجات الطبقات المتوسطة والفقيرة، وانحيازا هائلا - وصل إلى الفساد - للطبقة الاجتماعية العليا التي أغدقت عليها العطايا من أملاك الدولة وطبقت سياسة ضريبية تتجاهل محاسبتهم ضريبيا على الأرباح الرأسمالية الهائلة التي حققوها بغير حق، وتمنع وصول نتائج النمو الاقتصادي إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة، وتؤدي إلى التضخم - الذي ينعكس على معدل نمو الناتج الوطني ويضخمه - وتكرس تركيز الثروة في الطبقة العليا وتزيد الهوة بين الغنى والفقر لتحتل مصر المركز 110 من 160 طبقا لمؤشر معامل توزيع الثروة GINI Coefficient، وهو ما أدى إلى تزايد انفجاري في العشوائيات بكل ما يعنيه للأمن والسلم الاجتماعي وللصحة العامة، ووفر كل ذلك الأرضية لانطلاق احتجاجات الشباب في 25 يناير، ولنجاح الثورة.
من هنا، تأتي ضرورة الإعلان عن إصلاحات رئيسية فورية في السياسة الضريبية ليس فقط لزيادة الموارد السيادية وتوفير التمويل لبرامج التنمية وغيرها، ولكن لتحقيق عدالة توزيع الثروة ولضمان وصول نتائج التنمية لكل طبقات الشعب وعدم اقتصارها على الشريحة الأغنى ولاسترداد حقوق الدولة في الأصول المبددة، وتتضمن أولويات إصلاح السياسة الضريبية:
1. إلغاء ضرائب الجباية مثل الضريبة العقارية الجديدة غير المقبولة منطقيا وشعبيا.
2. الانتقال من الضرائب على المبيعات إلى الضرائب على القيمة المضافة الأكثر كفاءة وعدالة.
3. تطبيق الضرائب على الأرباح الرأسمالية المختلفة المطبقة بالفعل بالدول المتقدمة، وخصوصا تلك المتعلقة بالتصرفات في الأراضي التي خصصها النظام السابق لمحاسيب طفيليين فحولتهم بين ليلة وضحاها إلى بليونيرات، دون أداء حق الدولة والمجتمع.
4. تطبيق الضرائب التصاعدية على الدخل وعلى المرتبات والمكافآت الاستفزازية للإدارة العليا المطلوب تطبيقها بالدول المتقدمة ضمن الإجراءات التصحيحية في أعقاب الأزمة المالية العالمية.
لا شك أن تطبيق إصلاحات رئيسية فورية في السياسة الضريبية سيعيد للسياسة الضريبية دورها كإحدى أهم أدوات الإدارة المالية والاقتصادية للدولة بدلا من استمرارها - كما حدث حتى الآن - كوسيلة للجباية، وسيؤدي - مع ذلك - إلى زيادة الموارد السيادية وتوفير التمويل لبرامج التنمية وغيرها، ولكن الأهم هو أنه سيكون مؤشرا بالجدية وبصدق النوايا في تحقيق أهداف الثورة بالإصلاح وتحقيق العدل الاجتماعي، وسيؤدي إلى استعادة فورية للثقة - ومن ثم التواصل - بين الدولة والشعب، كما أنه سيهدئ من المطالب والاحتجاجات الفئوية الجارية.
دكتور مدحت بكري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق