Will Egyptians regain awareness after tyranny and corruption awoke Egypt from an induced coma?!
كان الوعي حاضرا دائما لم يغب أبدا عن المصريين المتحضرين منذ أن اكتشفوا بفراستهم محمد علي باشا فالتفوا حوله وطالبوا الخليفة العثماني بتوليته حكم مصر فقاد تحديث مصر وبدأ نهضتها الحديثة، وحافظوا على وحدة الأمة حتى عندما أصبحت مستعمرة تحت الاحتلال يحكمها المندوب السامي - ثم السفير - البريطاني، ولا رأي فيها ولا حكم لملك أو لفرد أو جماعة من أبنائها وكان الأمر كله للحكومة البريطانية ومندوبها في القاهرة، الذي أدار البلد كمزرعة للتاج البريطاني والمصريين كعمال سخرة لخدمة مصالح التاج. وقاوم المصريون الاحتلال البريطاني، وواجهوا بوعيهم سياسة التفرقة والوقيعة الكلاسيكية التي استخدمها الاستعمار البريطاني دائما للتفريق بين الطوائف في المستعمرات وإثارة الفتن فيها لتسهيل حكمها، فرفعت مصر ثورة 19 الواعية المتحضرة السمحة شعار "الهلال والصليب" وانتخب مسلموها في عشرينات القرن الماضي مجلسا نيابيا ربعه من المسيحيين الأقباط، ليعطوا العالم كله درسا في الوسطية والسماحة والعيش المشترك، الذي بدأ - ولم ينقطع - منذ دخول الإسلام إلى مصر وأسلم من الأقباط من شاء وبقى على دينه من أراد.
إلا أن هذا الوعي - الذي كان مرتبطا خلال النصف الأول من القرن العشرين بالهوية الأجنبية للمستعمر - سرعان ما انحسر، فلم يعد المصريون في حاجة للحرص بعد استبدال المحتل الأجنبي بابن البلد الذي شاركهم أحلامهم ورفع شعاراتهم وردد هتافاتهم، ولكنه شرطها بزعامته وبولائهم، وكان دخول المصريين بإرادتهم - بعد أن أسقطوا حرصهم - محبسهم في قمقم الدكتاتورية خلال السنوات التالية لعام 1952 وحتى 2011 نقطة التحول من المشاركة - في ظل دستور حديث قبل 1952 - إلى الاستبعاد من الحياة السياسية والعزوف عنها، وجاءت السيطرة على المعلومة بما سمي "بالإعلام القومي" لتفقد المصريين الوعي والقدرة على الحكم على الأمور والرغبة في المشاركة. وتوالى عل مصر ثلاثة رؤساء دكتاتوريين بعد الرئيس محمد نجيب الذي سرعان ما غدر به وعزل وأخرج من التاريخ، كان أولهم الرئيس عبد الناصر الذي كان زعيما بالفطرة، ولكنه انشغل بزعامته عن مصلحة مصر أو تصور أنها تحققها، وقادته زعامته إلى صراع مميت مع القوى العظمى فأضاع مصر. وكان ثانيهم الرئيس السادات وطنيا أصيلا ذو رؤية وفطنة حرر البلد من الاحتلال الإسرائيلي، وخانه ذكاؤه عندما أعاد السلفيين إلى المسرح فقتلوه، ويجاهرون اليوم "بصحة قتله في سياق المرحلة."
وكان الرئيس مبارك - ثالث الرؤساء وأسوأهم - شخصا محدودا متسلطا لا صديق له حولته أنانيته إلى طاغية فاسد حكم بدستور معيب وسعى لتوريث الحكم ومكن الفساد وأظهر على مدى سنوات حكمه نقصا في الإحساس باحتياجات الطبقات المتوسطة والفقيرة، وانحيازا هائلا - وصل إلى الفساد - للطبقة الاجتماعية العليا التي أغدق عليها العطايا من أملاك الدولة وطبق سياسة ضريبية تتجاهل محاسبتهم ضريبيا على الأرباح الرأسمالية وتكرس تركيز الثروة وتزيد الهوة بين الغنى والفقر، فأصبحت الدعوة إلى التغيير في مصر قاسما مشتركا بين فرقاء مختلفين لا تجمعهم رؤية مشتركة، وانطلقت ثورة 25 يناير التي قادها الشباب المتعلم لتوقظ مصر من غيبوبة مصطنعة. فهل يسترد المصريون البلد ويحمون الثورة من الاختطاف أو الانحراف ويستكملون بناء وتثبيت النظام الجديد ويعيدون الالتزام إلى الشارع والبلد إلى العمل والإنتاج، قبل أن تجرفنا رغبتنا المحقة في "تغيير تأخر كثيرا" إلى أماكن لم نكن نقصدها بفعل متغيرات داخلية وخارجية كثيرة، أو تأخذنا المؤامرات الخارجية والداخلية المحدقة بنا إلى انتكاسة كبرى تهدد وجود مصر التاريخي من أساسه؟!
لا شك أن على الشباب - في ضوء المخاطر المحدقة بمصر وبعد كل مأ أظهره من وطنية وشجاعة وتضحية - أن يأخذ حذره من أن تستخدم رغما عنه نفس التكنولوجيا ومواقع الإنترنت[[1 - التي أنجحت تحركات شباب الثورة في المقام الأول - في تنفيذ "مخططات معلنة" لقوى خارجية لإعادة ترتيب المنطقة وإلحاق الضرر بمصر، وأن يفطن إلى الانقلاب الإعلامي الكامل الذي اتجه - بنفس مروجي النظام الساقط - لشيطنة ورجم الرئيس السابق وتأليه شباب 25 يناير 2011 على غرار ما حدث لشباب 23 يوليو 1952، وألا يفرط الآن فيما حققه فتختطف ثورته، وألا يبالغ في تقدير علمه وخبرته وحكمته فيقع في فخ الغرور والوهم ويأخذ مصر إلى طريق سبق إليه شباب ثورة 1952 وأضاع مصر. على الشباب أن ينظر إلى أوروبا ليدرك أن الدول أيضا تفلس، وأن يعيد تقدير الموقف ومراجعة الحسابات في ضوء التأثيرات القاتلة لتوقف البلد ومعطيات خارجية وداخلية بالغة التعقيد تنذر باختطاف ثورتهم وإفلاس وتدمير مصر خصوصا مع الزيادة المنتظرة في البطالة وعشرات المليارات من الأعباء الجديدة المترتبة على عودة العمالة المصرية من ليبيا والمنطقة. وعلى الشباب أن يدرك، أنه بخلاف الإنجاز لتنحي الرئيس في 11 فبراير، يبقى أن إسقاط النظام لم يكتمل بعد وأن الحكم النهائي بنجاح أو فشل ثورة الشباب في 25 يناير 2011 من منظور وطني كلي يظل مرهونا بفهمنا للإطار الدولي واستيعابنا لطبيعة ورؤى وأهداف واستراتيجيات ومخططات وأدوات القوى الدولية وتشابكاتها وتفاعلاتها، وبزيادة حبكة ودقة وسرعة الإجراءات المضادة لمشروع "الشرق الأوسط الكبير" لحسم الموقف الكلي لصالح مصر، وباستكمال بناء وتثبيت النظام الجديد، وبعودة النظام والالتزام إلى الشارع وعودة البلد إلى العمل والإنتاج.
كما أن علينا جمعا أن نقدر - من منطلق المسئولية الوطنية - أن خسائر مصر تتعدى بكثير النتائج المباشرة للعنف والتدمير، وتمتد إلى انهيار سوق المال والمراكز المالية للمستثمرين وانتقال ملكية الأصول المصرية لأجانب بأبخس الأثمان، وتراجع المؤشرات الائتمانية للاقتصاد وخسائر الناتج المحلي بسبب توقف البلد والتي تناهز مليارين من الجنيهات - تزيد أو تقل - في كل يوم منذ السادس والعشرين من يناير، وأن استمرار ما يحدث قد يمثل دعوة لشباب عسكريين للمبادرة - من منطلق حسن النية أيضا - إلى انقلاب جديد على الدولة لإنقاذ البلد، وساعتها يتصادم الشباب العسكريين مع شباب الثورة، فتسيل دماء مصرية ويعيد التاريخ نفسه وتسقط مصر - في أحسن الأحوال إذا أمهلتها "الفوضى الخلاقة" - في بئر الشرعية الثورية والتجارب والمغامرات مرة أخرى. كما أن علينا أن نعي أن مصر المسـتقطبة والمنهكة والمأزومة والمســتهدفة لن تحتمل دورة أخرى كالتي انقضت، بعد أصبحت صحراء بلا مياه وبشـرا بلا إنتاجيـة يتربص بها المتربصون وتحاصرها الأطماع من كل اتجاه. ولذلك فإن الشباب الوطني الذكي والمتحمس مطالب بأن يظهر من الحكمة ما يتناسب مع خطورة الموقف وفداحة الخسائر.
يبقى أن نتفهم أن بقاء مصر كلها مشروط بصفاء النوايا وسلامة المقاصد وإنكار الذات، وبعودتنا إلى خصوصيتنا المصرية وباستعادتنا لوعينا والتركيز والجَلَد وتكريس الطاقات وتضافرها، وبمراجعة موقعنا ودورنا وأداءنا وقيمنا في ضوء المصالح والأولويات المصرية دون غيرها، وبوسطيتنا وسعينا إلى وطن واحد لجميع المصريين تتساوى فيه علاقة المصريين بالوطن دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو العقيدة، وتظهر فيه سطوة الدستور والقانون وتٌجَرم أية دعوة إلى الاستقطاب والفتنة، وأن مثل هذه الأهداف والمهام التي تمس مصير الوطن لا تتسع للأجندات السياسية أو لأحلام المجد أو الكسب الشخصي وتتطلب لقيادتها رجال ونساء دولة وعلم وفكر ممن ينكرون الذات ويمتلكون الإرادة والحكمة والرؤية الاستراتيجية والحنكة السياسية وأدوات ومقومات وخبرات وتجارب العمل العام. ما تحتاجه مصر في المرحلة الانتقالية - في ضوء المخاطر الخارجية والداخلية المحدقة بها والتي تهدد بشكل حقيقي وجودها التاريخي - هو اليقظة والتعامل بيد قوية وحازمة وحاسمة وعاقلة وهادئة مع ما يدبر لها خارجيا وداخليا دون إهمال لأجندة التغيير السياسي والاجتماعي التي يجب أن تتضمن برنامجا زمنيا - يضمن الوقت الكافي للإعداد المتأني وللتوافق الوطني - قبل الاستفتاء على دستور جديد وقوانين جديدة لدولة مدنية برلمانية ديموقراطية تكفل حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية لكل المصريين وتمنع التمييز بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو العقيدة، وتضمن الشفافية والمساءلة وتتيح محاسبة ومحاكمة الرئيس وأعضاء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والحكم المحلي. كما سيكون من الضروري لمصر - حتى تحقق "تغييرا منهجيا منتظما ومتزنا" على النموذج الأسيوي تتجاوز به تحديات غير مسبوقة - أن تتبني في المرحلة القادمة الحاسمة من تاريخها الوطني أهدافا اقتصادية واضحة وخطة تكاملية قابلة للتنفيذ لنهضة مصر ترتكز على دراسة تكلفة وعائد الفرص المتاحة للمشروعات الوطنية ماليا وبيئيا وأمنيا، واستثمار وتنمية المزايا النسبية والتنافسية للاقتصاد المصري في السوق العالمي، ومقاربة التنمية على أربع محاور أساسية هي البشر والمياه والقيمة المضافة والتسويق.
سيخطئ المصريون خطأ فادحا إذا ظنوا أن ثورتهم قد نجحت وحققت أهدافها بعد إقصاء الرئيس السابق وشلة المنتفعين الذين أحاط بهم نفسه، أو خيل لهم أن المخاطر قد انحسرت وابتعدت عن مصر، أو صدقوا آهات الإعجاب والاستحسان القادمة من الخارج، فنحن بصدد اللعبة الكبرى "لعبة الأمم" وثوابت الأطماع والمصالح الخارجية والداخلية لا تسمح بذلك، ونحن جزء مهم من منطقة نفوذ للدول العظمى، والأهداف لم تزل كما هي لم ولن تتغير وإن تغيرت الاستراتيجيات أو التحالفات والأدوات. ولذلك، فقد حان الوقت لإنهاء الحديث المكرر في أمور الماضي والتركيز على العمل لمستقبل مصر، ولدرء أخطار خارجية وداخلية كثيرة، تتضمن خطة تعتمد على الداخل وتستخدم التكنولوجيا والمواقع الاجتماعية على الإنترنت لاختراقه وتحريك قوته الذاتية ضده، ويتقاطع فيها المشروع الصهيوني للمنطقة في إطار "مبادرة الشرق الأوسط الكبير GMEI" التي أعلنتها الإدارة الأمريكية السابقة[2]، مع مخططات التطرف الإسلامي والمسيحي والإرهاب بالمنطقة، ومع دور يهدف لامتلاك الأرض وفرض الرأي - لعبته وتلعبه داخليا قوى ذات أجندات خاصة عابرة للحدود سبق لها العمل لحساب المخابرات المركزية الأمريكية في أفغانستان - ويفي تماما بمتطلبات آلية[3] الفوضى الخلاقة لإثارة الفتنة الدينية والصراع في مصر وخلق موقف جديد على الأرض ينتهي بتقسيم مصر وضمان نهائية إسرائيل. لا شك أن كل الأحداث تفصح عن رغبة شريرة في منع العودة للاستقرار ولاستمرار دفع مصر إلى الفوضى، لتصبح الأرض ممهدة لتحقيق أهداف مخطط خبيث - حقيقي ومعلن - لزعزعة مصر. وتؤذن بقرب إسقاط مصر في فتنة دينية - هي الخطوة الأخيرة في آلية الفوضى الخلاقة - لتنتهي بهزيمة نهائية لمصر من الداخل وتقسيم هذه الدولة ذات المقومات العظيمة التي استحالت عليهم بالحروب إلى دويلات على المقاس الصهيوني تصلح لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. فهل يستعيد المصريون الوعي قبل أن يسبق السيف العزل؟!
[1]تشكل الإنترنت الآن - بعد أن حولت ثورة الاتصالات والمعلومات العالم إلى قرية صغيرة تسيطر عليها قوة غير منظورة تؤثر في الواقع ولا تتأثر به - محور القوة الناعمة وإحدى أهم الأذرع المخابراتية للقوى العظمى ووسيلة مؤثرة جديدة لإحداث التغيير والسيطرة، وللانتشار بسرعة مذهلة بعد أن أوجدت للشباب متنفسا للتعبير من خلاله عن مشكلات الفراغ والتغييب والخضوع والتهميش، ليقدم الشباب دون أن يعرفوا معلومات مهمة للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية. ولذلك فلا يستبعد - مثلا - أن يستخدم موقع "الفيس بوك" الذي أسسه ويملكه ويديره يهود (Zuckerberg/Moskovitz/Saverin) لصالح إسرائيل وجهات صهيونية تقف وراءه للحصول على معلومات باستخدام أحدث طرق للجاسوسية من أشخاص عاديين لا يعرفون أنهم يقومون بمثل هذه المهمة الخطيرة، ولكنهم يعتقدون بأنهم يقضون الوقت أمام صفحات الدردشة الفورية في أمور تبدو غير مهمة، أو أنهم في خلوة يتواصلون مع ثقاة لهم.
[2]أعلن الرئيس جورج بوش في 6 نوفمبر 2003 خلال حديثه "للوقف الوطني للديمقراطية National Endowment for Democracy - المعروفة اختصارا NED" - وهي المناسبة التي يضع فيها الرئيس الأمريكي مخطط إدارته العام للشرق الأوسط - مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف لإعادة تشكيل المنطقة، ثم قدمه في يونيو 2004، لقمة مجموعة الثمانية بجورجيا تحت اسم مبادرة الشرق الأوسط الكبير لتصدير الديمقراطية إلى العالم العربي "Greater Middle East Initiative-GMEI" على غرار مشروع هلسنكي لتصدير الديمقراطية إلى الاتحاد السوفييتي.
[3]تعتمد آلية "الفوضى الخلاقة" على تمكين ومساندة أنظمة دكتاتورية مستبدة وفاسدة لاستدعاء غضب الجماهير، واستخدام الطبيعة الانفعالية الحماسية للجماهير الغاضبة لإطلاقها ذاتيا "لتحريك" الاحتجاجات ضد الأنظمة، ثم استغلال التناقضات والاختلافات بين التنظيمات السياسية لبدء الصراعات ونشر الفوضى، وإزكاء النعرات الدينية والطائفية والتعصب واستقطاب المجتمع لإثارة الفتنة وإشعال المنطقة وتفجيرها ليسهل تقسيمها إلى كيانات ضعيفة وإعادة ترتيبها في نهاية الأمر.