ردا على مجرد رأي للأستاذ صلاح منتصر في 17-9-2014...
دكتور مدحت بكري | مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا
| القاهرة في 19 سبتمبر 2014
بنى الصهاينة إسرائيل على عقيدة عسكرية
راسخة بأن "المستعمرات قبل المدرعات" فقد فهموا - ولم نفهم - أن الفراغ
يتم ملأه، وأن البشر هم من يملأ الفراغ. وملأوا النقب وحافظنا على "فراغ"
سيناء والبحر الأحمر، وكأننا نخطط لهم ليملئوا فراغنا. والغريب العجيب أن بعضنا ما
زال لا يفهم حتى بعد أن "انتهى الدرس!" فبعد ثلاثة أرباع قرن، ما زلنا
نترك جبهتنا الشرقية المهددة فارغة خاوية تنتظر من يملأها، حتى أننا نسينا ما حدث
للرادار المتقدم الذي زرعناه في ستينات القرن الماضي في خواء محافظة البحر الأحمر،
فجاءوا وحملوه معهم وفقدنا قدرتنا على الرؤية، وكانت فضيحة عسكرية وطنية!
ومع أن الله قد حبا مصر المحروسة بساحل
على بحرين في ملتقى ثلاث قارات يتجاوز طوله 2000 كيلومتر، ونهر عظيم يتجاوز طوله على
أرضنا
1000 كيلومتر، يأتي اليوم من يقول إن حياة الناس على "النهر العذب تختلف
تماما عن بيئة الساحل ومشاكله وحياة الناس على البحر المالح." بل أنه استرسل
"وكأنها عملية توزيع للشاطئ السياحي الجميل على محافظات الصعيد مما ستكون
نتيجته تصدير مشكلات الصعيد إلى البحر الأحمر" وإن لم يقل بأن علينا التخلص
من الساحل حتى لا يختلط الماء العذب بالماء المالح! أو أن الدول ذات الأنهار لا يجوز
أن تطل على البحار حتى لا يتلخبط الناس! ولكن "الأستاذ هيكل قال إنه يعرف عددا
من الاقتصاديين ورجال الأعمال عبروا في اجتماع لهم مع المهندس إبراهيم محلب رئيس
مجلس الوزراء عن هذه الآراء والمخاوف، وكان رده أنه مع تقديره لهذه الآراء... لكن هذا
مشروع سياسي."
وأنا أقول لدولة رئيس الوزراء "بل مشروع
أمن وطني تنموي استراتيجي" أنتجه رجل متعلم وخريج وقائد سابق لقوات مسلحة
"مصنفة" يعرف كيف يقدر اعتبارات الأمن الوطني وكيف يدير استراتيجية
تنموية،" ولكن الدوافع الحقيقية لهؤلاء الاقتصاديين ورجال الأعمال هي المحافظة
على أوضاع احتكارية فاسدة عرفوا مفاتيحها واستقرت لهم في محافظة البحر الأحمر، ولا
يريدون لها أن تتفرق اليوم على محافظات جديدة عليهم أن يعيدوا فتحها جميعا! وسؤالي
للأستاذ صلاح منتصر: هل هناك على وجه هذه الأرض شيئا واحدا لا يعرفه - أو على
الأقل لا يفهمه - "الأستاذ" هيكل، ولا يستطيع أن يبدي فيه رأيا؟ فلم تعد
القوات المسلحة جيش "تشريفة" ولكنها أصبحت مدرسة مصنفة عالميا للاستراتيجية
وعلوم الحرب والإدارة والإمداد والتحريك. لا تضيع وقتك ووقت الدولة مع هؤلاء يا
دولة رئيس المجلس، فدوافعهم غير دوافعك، وأهدافهم غير أهدافك.
لقد أدى التقسيم الإداري الطولي للدولة
(من الجنوب إلى الشمال) وخلو المنطقة من النهر إلى الساحل الشرقي من شبكة للطرق
إلى تكدس الكتلة السكانية في الشريط الضيق على جانبي النهر جنوبا وفي دلتا النيل
شمالا، كما أدى شغل محافظة البحر الأحمر الموازية للنهر لطول الساحل الشرقي إلى
خواء على امتداد البحر الأحمر والصحراء الشرقية، والظهير الصحراوي الغربي للجانب
الغربي للنهر إلى عزوف المواطنين عن استغلال هذه المناطق بما فيها الساحل،
وإلى الاجتراء على الأرض الزراعية وامتهان النهر الذي كان مقدسا. ولأن الفقر وندرة
فرص العمل بالأطراف طارد إلى المركز، كما أن مركزية القرار والسلطة والوفرة
النسبية لفرص العمل جاذب للمركز، فقد أدى كل ذلك إلى الهجرة إلى المراكز الحضرية،
وبصفة خاصة القاهرة، وظهور العشوائيات، إلى آخره من تزاحم وفقر واختلالات قاتلة في
التعليم والصحة والإسكان والنظافة.
ولذلك مثل المشروع "العبقري"
الذي قدمه الرئيس لإعادة التقسيم الإداري للدولة على محاور عرضية تمتد عرضا من
الصحراء الغربية غربا إلى البحر الأحمر شرقا لتخدم مشروعات تنمية الموارد الطبيعية
بالصحراء الشرقية، فرصة لإعادة توزيع السكان والمحافظة على الأرض القديمة واستثمار
أراض جديدة لاستغلال مواردها الطبيعية عل امتداد الوادي شرقا حتى الساحل وغربا إلى
الطريق الجديد لربط المحافظات. إلا أنه سيكون من الضروري إتمام الوزارة الجديدة
لتكنولوجيا الإدارة والاتصالات والمعلومات لمشروع الحكومة الإلكترونية المتعثر
بلا سبب لسنوات لتحقيق التواصل بين الأطراف والمركز، حتى يمكن للمحليات
والأفراد إتمام جميع الخدمات دون حاجة لتواجد المواطن المباشر بالمركز وليحقق
إعادة التقسيم الإداري الجديد للدولة هدفه في وقف الهجرة إلى المراكز الحضرية وإعادة
توزيع السكان بنجاح.
إلا أن تأثير إعادة ترتيب الخريطة
الإدارية للدولة لا يمكن أن يكتمل دون إعادة هيكلة الدولة للتأكيد على قدرة
الهياكل على تحقيق الوظائف، وتطبيق معايير اختيار سليمة لضبط الأداء، وإعادة النظر
في منظومة القوانين التاريخية المتعارضة والمتهالكة، والتخلص من المعوقات
التنظيمية والإجرائية، ووضع الاستراتيجيات القادرة على تحقيق الأهداف، وإعادة
تصميم وتطبيق دورات العمليات بإدارات الدولة وميكنتها لتحقيق كفاءتها وتواصلها، وتشغيل
الحكومة الإلكترونية لتحقيق التواصل والكفاءة، ولينتهي الإعداد للانطلاق وليبدأ
الانطلاق في أقرب وقت، وهو ما لم - ولن - يتحقق إلا إذا نظر رئيس المجلس
وأعضاء الوزارة إلى مهمتهم من خارج الصندوق الذي طال استخدامه لإنتاج نفس النظم
والجزر المنعزلة وإدارتها في حلقة مفرغة بنفس الشخصيات - أو مثلهم - من
"العواجيز" الذين سبق أن أخفقوا في إحداث أي تقدم في مسيرة الوطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق