هل
تتيح الضرائب التصاعدية على الدخل الموارد لتحديد حد أدنى عادل للأجور؟ وهل تحقق الضرائب
على الأرباح الرأسمالية عدالة توزيع الثروة ووصول نتائج التنمية لكل طبقات الشعب
واسترداد حقوق الدولة في الأصول المبددة؟
أظهرت الحكومة - منذ مبارك وحتى الآن - قصورا في إدراك دور السياسة الضريبية - كأحد أهم أدوات السياسة الاقتصادية - في تحقيق انطلاقة مصر، ونقصا في الإحساس باحتياجات الطبقات المتوسطة والفقيرة وانحيازا هائلا - وصل إلى الفساد - للطبقة الاجتماعية العليا، فاتبعت سياسة ضريبية مختلة وغير عادلة تعتمد أسلوب الجباية الذي عبرت عنه الضريبة العقارية المتخلفة التي أدخلها الوزير بطرس غالي - الذي تجاهل تماما الفجوة الهائلة في مستويات الدخل - وأكدتها الحكومة الحالية كأسلوب لتحقيق إيرادات الدولة وتمويل أعمالها، وهو ما أدى إلى اختلالات اجتماعية كبرى وإلى لجوء الحكومة للتمويل بالعجز وعدم قدرتها على توفير احتياجات التعليم والصحة والبحث العلمي بالنسب السليمة اللازمة للانطلاق ولتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد أدى انحياز الحكومة للطبقة الاجتماعية العليا - التي أغدقت عليها العطايا من أملاك الدولة - وتطبيقها لسياسة ضريبية منحازة تتجاهل محاسبتهم ضريبيا على الأرباح الرأسمالية الهائلة التي حققوها من هذه العطايا بغير حق، إلى منع وصول نتائج النمو الاقتصادي إلى الطبقات المتوسطة والفقيرة، وأدي إلى التضخم وكرس تركيز الثروة في الطبقة العليا وزاد من اتساع الهوة بين الغنى والفقر، لتحتل مصر المركز 110 من 160 طبقا لمؤشر معامل توزيع الثروة GINI Coefficient، ووفر كل ذلك الأرضية لانطلاق احتجاجات الشباب في 25 يناير، ولنجاح الثورة.
من هنا، تأتي ضرورة الإعلان عن إصلاحات رئيسية فورية في السياسة
الضريبية ليس فقط لزيادة الموارد السيادية وتوفير التمويل لبرامج التنمية وغيرها،
ولكن لتحقيق عدالة توزيع الثروة ولضمان وصول نتائج التنمية لكل طبقات الشعب وعدم
اقتصارها على الشريحة الأغنى ولاسترداد حقوق الدولة في الأصول المبددة، وتتضمن
الإعلان عن إلغاء ضرائب الجباية مثل الضريبة العقارية غير المقبولة منطقيا وشعبيا،
والانتقال من الضرائب على المبيعات إلى الضرائب على القيمة المضافة الأكثر كفاءة
وعدالة، ومطابقة تسديدات الممولين من الضرائب
على ثرواتهم لتحصيل ما فات الدولة تحصيله، وتطبيق الضرائب على الأرباح الرأسمالية
المختلفة المطبقة بالفعل بالدول المتقدمة - وخصوصا تلك المتعلقة بالتصرفات في
الأراضي التي خصصها النظام السابق لمحاسيب طفيليين فحولتهم بين ليلة وضحاها إلى
بليونيرات - والضرائب التصاعدية على الدخل وعلى المرتبات والمكافآت الاستفزازية
للإدارة العليا المطلوب تطبيقها بالدول المتقدمة ضمن الإجراءات التصحيحية في أعقاب
الأزمة المالية العالمية سيكون مؤشرا بالجدية وبصدق النوايا في الإصلاح وتحقيق
العدل الاجتماعي وسيؤدي إلى استعادة فورية للثقة - ومن ثم التواصل - بين الدولة
والشعب، كما ستهدئ من المطالب والاحتجاجات الفئوية الجارية.
دكتور مدحت بكري
مستشار إدارة التغيير بالأمم المتحدة سابقا